الخميس، 30 أغسطس 2018

لولا سلامك سبق كلامك


لولا سلامك سبق كلامك

متلازمة تتردد في القصص الشعبي العربي وفي أنحاء مختلفة من العالم العربي ، وهي من أشهر الجملة التي تنتشر في الحكاية الشعبية فترد في عدد كبير من الحكايات الشعبية العربية .
 وتذكر هذه الجملة على لسان غولة أو سعلية في شكل امرأة عجوز وهي ملقيها ثديها على ظهرها وتقوم بالطحن ،أو غول على شكل رجل كبير طويل الشعر والأظافر غير نظيف، فلما يسلم البطل ، فترد الغولة أو الغول بهذه الجملة ويتلوها بعض العبارات الأخرى مثل :
- لولا سلامك سبق كلامك ، كان لحمك ما يجيء لي لقمة ودمك ما يجي لي جغمة ، وعظامك ما تمسوكني جمعه إلى جمعه .
- لولا سلامك سبق كلامك لمرمشتك وأكلت عظامك .
- لولا سلامك سبق كلامك ، لأكلت لحمك مع عظامك .
- لولا سلامك ما سبق كلامك كنت فصفصت لحمك عن عظامك .
- لولا سلامك سبق كلامك لخلى الذبان لزرق يسمع صحك اعظامك ... الخ .
- لولا سلامك سبق كلامك كان خليت أخوي اللي في الجبل الثاني يسمع قرط عظامك .
وتسأله بعد ذلك عن طلبه فيطلب أن تدل على طريق الفتاة التي يريدها أو تساعده في الوصول لتلك الفتاة ..
ويقوم البطل ببعض التصرفات والطقوس بعد السلام ومن تلك الطقوس تقليم أضافر العجوز أو قص شعر رأسه وشاربه وحاجبه أو رش عين كل واحدة بالملح ، غير أن الطقس الأشهر والمتلازمة الأكثر انتشاراً هي أن يقوم البطل برضاعة الثدي ..وتبرر بعض القصص هذا العمل وخاصة الرضاعة بالثدي بأن البطل وعندما قام بالرضاعة أصبح أبناء لهذه الغولة من الرضاعة ولذلك حرم عليها قتل هذا البطل ([1]).
ونرى هذا المشهد في عدة قصص منها ( ابن العجينة منتوف ) ([2])، وقصة ( لولوة بنت مرجان ) وقد قام البطل ببعض الطقوس بعد السلام فقد قام بتقليم أضافر العجوز وقص شعره وتهذيبه وعندها تحدث الرجل وقال جملته  ( لولا سلامك سبق كلامك .. ) ([3])، وكذلك في قصة ( الست بدور ) وذلك بعد قص الأظافر وحلق الشعر وتنظيف الغول ([4]).
 ونرى ذلك في قصة ( طيبة وحسيبة ) : يقول الكلب لطيبة وقد استعدت السعلية لأكل طيبة: أسرعي وتناولي تديها وارضعيه وإلا أكلتك، ولما فعلت طيبة بنصيحة الكلب وتعلقت بأثداء الغولة وأخذت في الرضاعة قالت الغولة: حرمتني يا مهنا .. مما كنت أتمنا([5])، وفي قصة ( نص نصيص ) ويقوم الرجل بقص لحية وحاجب الغول والسلام عليه ليرد الغول بهذه الجملة ، وليدله إلى أخيه الأخر ، ويحدث مثل ذلك مع الغول الآخر الذي يدله على أختهم ، ليذهب الرجل ويمص ثديها الأيمن والأيسر ويلتهم حفنة من طحينها وليسلم عليها ولتذكر له أنه :مصه لثديها جعله أعز من أخويها والتهامه لطحينها جعله أعز من أولادها ([6]).
ويرد هذا المشهد أيضا في حكاية ( الشاطر حسن ) فبعد السلام على الغولة وردها بتلك الجملة ، يقوم الشاطر حسن بقصقصة رموش عيني الغول وقص دقنه وتغسيله وتطييبه وتلبيسه ببعض الملابس ليدله هذا الغول على أخته ويطلب منه أن يقترب منها أن كانت تطحن سكر وكانت راده بزازها ( ثديها ) للخلف ، فيمص ثديها الأيمن والأيسر ، أما إن كانت تطحن ملحا وعيونها حمر فليبتعد عنها ، ولما يصل إليها ويراها تطحن السكر ورادة ثديها للخلف فيقوم بمص ثديها الأيمن لتعتبره أغلى من أخوها عبد الرحيم ، ولما يمص ثديها الشمال تعتبره أغلى من أخيها عبد الرحمن ، ولتقول له بعد ذلك أنها بعد هذا العمل لن تضره أبداً ([7])، ونرى شبيه لهذا الموقف في قصة ( بليبل الصياح ) الفلسطينية([8]) ، و في حكاية ( الإخوة ) ([9]).
وفي قصة (الرمان) والتي يذكرها داود سلمان الشويلي في القصص الشعبي العراقي أن الشيخ قال لنور الزمان أن يقترب من السعلوة باحتراس ويرضع من ثديها، وإن أرادت أكله أن يقول لها (إنني أصبحت واحدا من أبنائك لأني رضعت من ثدييك) وإن لم يرضع منهما فإن نهايته الهلاك([10]) ، ونرى شبيه لهذا في الحكاية الثالثة عشرة من حكايات الأب انستاس الكرملي وهذه الحكاية شبيهة لحكاية " طبق بوش " ([11]) وفي الحكاية ( الثامنة والعشرين ) ([12]).
ونرى شبيه لهذا المشهد أيضاً في قصة ( ولد المتروكة )  وهي القصة التي تنتشر ما بين الحدود الجنوبية الجزائرية التونسية فيجد ولد المتروكة الغولة في طريقه وقد تربعت على الأرض قاذفة بثديها الكبيرين من على كتفها فنزلا على أعلى ظهرها ، جاء ابن المتروكة من الخلف وارتمى عليها وقام برضاعة ثديها وانقذ نفسه بذلك لأنها اعتبرته كأبنائها وامتنعت عن التهامه بل قامت بمساعدته على الطريق ([13]) .
وكذلك يرد هذا المشهد في حكاية ( الطير الأخضر ) عند جهاد دكور وإن لم يتبعه أي طقوس أخرى ([14])، كما يرد في حكاية " القرصة " ([15]).
ومن الحكايات التي تورد هذه الجملة بالإضافة للحكايات التي أوردناها فيما سبق : حكاية ( الحايك والحرامي ) ([16]).
ترد في حكاية " نص نصيص " ونرى في هامش كتاب ( قول يا طير : (( هذه الصيغة التي يستخدمها الغيلان في الحكاية الشعبية الفلسطينية لمخاطبة من يفد عليها طالباً منها ان تقدم له معروفاً . )) ([17]) .
ويقول عبده خال في حكاية ( ابن العجينة منتوف ) : (( حرم العرب على أنفسهم التواجد في الأماكن الخلوية كونها مساكن للجن، كوادي برهوت وبيرين وصيهد، والتي كانت دياراً لقبائل ثمود وعاد وطسم وجديس وجرهم والعماليق.
ومن هنا جاءت فكرة اعتبار المقابر والخلاء موطناً للجن، وكان العربي القديم إذا عبر مثل هذه المواقع واتقاء لشر الجن يقول: " عموا ظلاماً "، ولهذا نجد في الأساطير متلازمة إذا حل إنسي على جني أن يسبقه بالسلام فيرد الجني: " لولا سلامك غلب كلامك لكنت أكلتك ورميت عظامك ".)) ([18]).
ويقول إبراهيم مهوي وشريف كناعنه : (( لولا سلامك .. " هذه الصيغة التي يستخدمها الغيلان في الحكاية الشعبية الفلسطينية لمخاطبة من يفد عليها طالباً منها أن تقدم معروفاً.( ... ) تؤدي الغيلان أدوارا متعددة بالغة الأهمية في هذه الحكايات، كما في غيرها من الحكايات الشعبية العربية.
وبما أن الهيئة الخارجية للغيلان توحي بالإهمال والوحشية، فعلى البطل أو من له طلب منها أن يهذب منظرها بحلق اللحية وقص الشعر وخصوصاً حواجب العينين. )) ([19]) .
بينما تقول الدكتورة غراء حسين مهنا : (( في الحكاية المصرية تقول الغولة للشاطر حسن : " لولا سلامك سبق كلامك لكنت كلت لحمك قبل عضامك " . هذه الصيغة توجد كثيراً في الحكايات المصرية . وهذه العبارة التقليدية تركز على أهمية إلقاء التحية وفقاً لتعاليم الإسلام ، ففي الريف ، من يلقي السلام على مُجرم لا يخشاه ( وبخاصة إذا رد هذا الأخير السلام ) . )) ([20]).
ومن الصور القريبة لهذا المشهد وفي قصص ألف ليلة وليلة  وفي حكاية" إبراهيم بن الخصيب مع جميلة بنت أبي الليث عامل البصرة " ما قام به الأحدب الأول ( الخياط الأحدب ) من مساعدة إبراهيم بن الخصيب لكي يصل إلى أخيه الأحدب الثاني ( البستاني ) الذي دله على الطريقة للوصول إلى جميلة([21]).

من كتابي المخطوط ( موسوعة الحكايات الشعبية في المملكة العربية السعودية )



([1])  قالت حامدة .. أساطير حجازية ص 462 .
([2]) قالت عجيبية .. أساطير تهامية ص 268 ، ص 271 .
([3]) قالت عجيبية .. أساطير تهامية ص 153 .
([4]) حكايا الجليل ، ص 527  .
([5])  قالت حامدة .. أساطير حجازية ص 462 .
([6])  قول يا طير ص 88 ، 89 ، ط3 ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية .
([7])  قول يا طير ص 173-175 .
([8])  قول يا طير ص 105 ، 106 .
([9])  قول يا طير ص 88 ، 89 .
([10])  داود الشويلي ، القصص الشعبي العراقي في ضوء المنهج المورفولوجي ، ص 60 ، 61.
([11]) حكايات بغدادية ، ص 69 ، 70 .
([12]) حكايات بغدادية ، ص 139 .
([13])  عبد الحميد بورايو : الحكايات الخرافية للمغرب العربي ص 23 .
([14]) حكايا الجليل ، ص 585  .
([15]) نمر سرحان ، الحكاية الشعبية الفلسطينية ، ص 183 .
([16])  جهاد أحمد دكور ، حكايا الخليل ، ص 665 .
([17]) قول يا طير ، ص 88 ، 89 ، والحاشية ( 6 ) .
([18]) قالت عجيبية .. أساطير تهامية حاشية [ 1 ] ص 271 ، ط1 ، دار الساقي .
([19])  قول يا طير ، الحاشية [ 6 ] ص 89 .
([20])  أدب الحكاية الشعبية ص 108 .
([21])  ألف ليلة وليلة ، ج 2 ص 589 ، 589 ، دار صادر . انظر : ألف ليلة وليلة ج 4 ص 366-369 ، المكتبة الثقافية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق