الاثنين، 3 سبتمبر 2018

المسخ - معجم الأساطير


المسخ 


المسخ هو تحويل صورة إلى صورة أقبح منها ، وقيل تحويل خلق إلى صورة أخرى وفي الغالب أن يكون المسخ على شكل القرد ، وقالوا ان المسخ المشوه الخلق ([1]).
 ، وقد امن العرب بالمسخ ووذكروا الكثير من القصص عن المسخ وورد في القرآن الكريم آية تتحدث عن مسخ بعض البشر إلى القردة والخنازير مثل قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [البقرة: 65] ، وقوله تعالى : {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60] ، وقوله تعالى : {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166] .
وقد اختلف العلماء في تناسل النسخ ، وقول الجاحظ: (( وقد قال الناس في المسخ بأقاويل مختلفة : فمنهم من زعم أن المسخ لا يتناسل ولا يبقى إلا بقدر ما يكون موعظة وعبرة فقطعوا على ذلك الشهادة ومنهم من زعم أنه يبقى ويتناسل حتى جعل الضب والجري والأرانب والكلاب وغير ذلك من أولاد تلك الأمم التي مسخت في هذه الصور وكذلك قولهم في الحيات ))([2]) .
ويرى الدميري أنه لم يبقى للمسوخين من نسل ، يقول الدميري : (( وأما حديث الضب والفأر فكان ذلك قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لم يجعل للممسوخ نسلا، فلما أوحى إليه، زال عنه ذلك المتخوف، وعلم أن الضب والفأر ليسا مما مسخ، فعند ذلك أخبرنا بقوله صلى الله عليه وسلم، لمن سأله عن القردة والخنازير، أهي مما مسخ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك» . وهذا نص صريح، رواه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. وقد أخرجه مسلم في كتاب القدر، وثبتت النصوص بأكل الضب بحضرته صلى الله عليه وسلم، وعلى مائدته فلم ينكره. فدل ذلك على صحة ما قلناه.
وعن مجاهد في تفسير آية المسخ، في بني إسرائيل: إنما مسخت قلوبهم فقط، وردت أفهامهم كأفهام القردة. وهذا قول تفرد به عن جميع المسلمين. )) ([3]).
ومن أشهر قصص المسخ في الجاهلية ما رووه عن الصنمين إساف ونائلة من أنهما رجل وامرأة من جرهم وان إساف وقع على نائلة في الكعبة فمسخا ، وما رووه عن اللات من انه كان رجلاً يلت السويق عند صخرة بالطائف فلما مات قال لهم عمرو بن لحي إنه لم يمت ولكنه دخل الصخرة ، وما رروه من ان سهيلا كان عشارا على طريق اليمن ظلوماً فمسخة الله كوكباً ، وما ورد عن النسناس من انهم أصلهم حي من عاد عصوا فمسخوا نسناساً  ، ومن اعتقادات العامة زمن الجاحظ اعتقادهم أن الجري والضباب كانتا أمتين من الأمم مسختا ، واعتقادهم أن " الإربيانة كانت خياطة تسرق السلوك وانها مسخت وترك عليها بعض الخيوط لتكون علامة لها ودليلاً على جنس سرقبتها ، ومن أن الفأرة كانت طحانة ، والحية كانت في صورة الجمل وأن الله عاقبها حتى لاطها بالأرض ، ومن ان الإبل خلقت من أعناق الشياطين ، وإن الكلاب أمة من الجن مسخت
يذكر الجاحظ عن إسماعيل بن أمية أنه قال : أمتان من الجن مسختا ، وهما الكلاب والحيات ([4]).
ويقول الجاحظ ايضاً في الحيوان: (( وعن أبي الزبير عن جابر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فكنا نقتلها كلها حتى قال : إنها أمة من الأمم فاقتلوا البهيم الأسود ذا النكتتين على عينيه فإنه شيطان وعبد الله وأبو بكر ابنا نافع عن ابن عمر ونافع عن أبي رافع قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل الكلاب فكنا نقتلها فانتهيت إلى ظاهر بني عامر وإذا عجوز مسكينة معها كلب وليس قربها إنسان فقالت : ارجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن هذا الكلب يؤنسني وليس قربي أحد فرجع إليه فأخبره فأمر أن يقتل كلبها فقتله وقال في حديث آخر : إنه لما فرغ من قتل كلاب المدينة وقتل كلب المرأة قال : الآن استرحت قالوا : فقد صح الخبر عن قتل جميع الكلاب ثم صح الخبر بنسخ بعضه وقتل الأسود البهيم منها مع الخبر بأنها من الجن والحن وأن أمتين مسختا وهما الحيات والكلاب . ))([5]) . 
وقد نسبت بعض الأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم تذكر أن : (( الحيات مسخ الجن صورة كما مسخت القردة و الخنازير من بني إسرائيل  )) ([6]) ، وفي حديث ابن عباس: الجان مسيخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل ([7]).
وخص بالذكر تلك الحيات التي تسكن الدور ويزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلها ([8]).
و يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسوخ فقال: هم ثلاثة عشرالفيل والدب والخنزير والقرد والجريث والضب والوطواط والعقرب والدعموص والعنكبوت والأرنب وسهيل والزهرة فقيل: يا رسول الله وما سبب مسخهن فقال: أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا وأما الدب فكان مؤنثا يدعو الناس إلى نفسه وأما الخنزير فكان من النصارى الذين سألوا المائدة فلما نزلت كفروا وأما القردة فيهود اعتدوا في السبت وأما الجريث فكان ديوثا الرجال إلى حليلته وأما الضب فكان إعرابيا يسرق الحاج بمحجنه وأما الوطواط فكان رجلا يسرق الثمار من رؤوس النخل وأما العقرب فكان رجلا لا يسلم أحد من لسانه وأما الدعموص فكان نماما يفرق بين الأحبة وأما العنكبوت فامرأة سحرت زوجها وأما الأرنب فامرأة كانت لا تطهر من حيض وأما سهيل فكان عشارا باليمن وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت ([9]).
وفي الكافي للكليني وهو من كتب الشيعة المعروفة والذي يقول فيها : ((محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن الاشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: الفيل مسخ كان ملكا زناء، والذئب مسخ كان أغرابيا ديوثا، والارنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى ابن مريم عليه السلام فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر، والفارة فهي الفويسقة، والعقرب كان نماما، والدب والزنبور كانت لحاما يسرق في الميزان.
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن مسلم، عن أبي يحيى الواسطي قال: سئل الرضا عليه السلام عن الغراب الأبقع ، فقال : إنه لا يؤكل ، وقال : ومن أحل لك الأسود .
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : الطاوس مسخ كان رجلاً جميلاً فكابر امرأة رجل مؤمن تُحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله عز وجل طاوسين أنثى وذكر ولا يؤكل لحمه ولا بيضه . )) ([10]) .
وأن الوزغة والحكأة من ممسوخ الحيوان ([11]) .
ويذكر عبده خال أن وثيمة القلب أو المسخ ترد في كثير من الأساطير ، وهذا ما حدث في أسطورة جلجامش حيث تذكر الأسطورة محاولة الإلهة عشتار وصال جلجامش ولكنها يصدها ويعيب عليها تعدد عشاقها الذين مسختهم على مذبح شهوتها فهي حولت تموز إلى طائر الشقراق ، وحولت ايشولنو بستاني أبيها إلى ضفدع ([12]).
والمسخ أو المساخيط في الحكاية الشعبية هي تحول أبطال الحكايات إلى حيوانات وطيور وهوام ، وتتردد هذه الخاصية بكثرة في الخرافات العربية وخاصة السحرية وهي ليست قاصرة على تراثنا الفولكلوري العربي بل هي ملازمة للسحر كملمح عالمي أو هي قاسم مشترك لموروثات العوالم القديمة في عمومها وأقدمها الأنماط البردية المصرية ([13]).
ويشير شوقي عبد الحكيم إلى أن هذه يرد في حكايات ألف ليلة وليلة ممثلة في حكاية " القرد الكاتب " [ حكاية" الصعلوك الثاني" حيث حول العفريت الصعلوك الثاني إلى قرد ([14]) ] ، وتزخر الحكايات السورية واللبنانية والمصرية بهذه التحولات مثل " الكلبان المسحوران " والأسماك المتحولة التي تتحول بمجرد اصطيادها إلى زوجات جميلات يحققن رغبات أزواجهن ، ولديهم القدرة على التحول لعجائز وبنات بنوت وطيور وأسماك وحيات وجمادات أو أشياء ([15])، وعادة ما يتصل التجانس إلى حد التطابق بين الحكايات المصرية والسودانية بالنسبة لهذا النمط من الحكايات التي جوهرها التحولات وإن كانت الحكاية تنتهي بنهاية مشئومه بعكس الحكاية السودانية التي تؤكد على صيغ التفاؤل والختام البهيج([16]).
ويذكر كاظم سعد الدين أنه يعتقد في أوروبا بان بعض الطير وخاصة اللقلق رجال مسخوطون وفي الميثولوجية العربية في الممسوخات أن اللقلق في المعتقد الشعبي أنه سارق وكان صاحب مخزن لبيع الحبوب ، علوجي فمسخ وهناك حكايات تدور حول سرقاته ، وأما البومه فهي خبازة والقرد ابنها إلى غير ذلك ([17]) .
ومن أشهر القصص عن المسخ في التراث العربي الشعبي هي تلك الحكاية التي تنتشر في أقطار كثيرة من العالم العربي عن المرأة التي نظفت مؤخرة ابنها بالخبز فمسخ ابنها إلى قرد ومسخت هي إلى سلحفاة ، ويرى نمر سرحان أن هذه الحكاية تفسر ظاهرة معينة في الحيوان كسبب إحمرار مؤخرة القرد ، فيذكر نمر سرحان أن امرأة كانت حاضرة عرس فنظفت مؤخرة طفلها برغيف الخبز فحدثت عاصفة وحولت المحتفلين في الموكب إلى صخور صماء في حين تحولت المرأة إلى " قرقعة " ( سلحفاة ) في حين تحول الطفل إلى قرد ([18]) ، وهذه الأسطورة تنتشر في الكثير من بلدان العالم العربي وقد ذكرها أحمد تيمور في معجمه الكبير ([19]).


([1]) انظر لسان العرب ج 3 ص 55 ، ط3 ، دار صادر ، 1414هـ .
([2])الحيوان ج 4 ص 68 ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، الناشر دار إحياء التراث العربي.
([3]) حياة الحيوان الكبرى ، ج 2 ص 334 .
([4]) الحيوان ج 1 ص279 ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، الناشر دار إحياء التراث العربي .
([5])الحيوان ج 1 ص 292  ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، الناشر دار إحياء التراث العربي .
([6]) انظر السلسلة الصحيحة للألباني ج 4 ص 439 ، مكتبة المعارف ، الرياض  .
([7]) انظر لسان العرب ج 3 ص 55 ن دار صادر ، ط 3 ، 1414هـ .
([8]) انظر صحيح ابن حبان صحيح ابن حبان ج12 ص 456 ، 459 ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1414 – 1993 ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط .
([9]) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ج 1 ص 249 ، دار الفكر ، بيروت .
([10]) محمد بن يعقوب الكليني : الكافي للكليني ج 6 ص 154، 155 ، ط1 ( بيوت/لبنان ، منشورات الفجر ، 1428هـ/2007م )  .
([11]) انظر المفصل لجواد علي ج 11 ص 68 ، و ج 11 ص 143 وما بعدها ، ط 4 ، دار الساقي .
([12])انظر :قالت حامدة .. أساطير حجازية ، ص  255 ، 256 .
([13]) شوقي عبد الحكيم ، الحكاية الشعبية العربية ، ص 144 ، 145 .
([14]) ألف ليلة وليلة ، ج 1 ص 48 ، 49 ، دار صادر .
([15]) شوقي عبد الحكيم ، الحكاية الشعبية العربية ، ص 145 .
([16]) شوقي عبد الحكيم ، الحكاية الشعبية العربية ، ص 146 ، 147 .
([17]) كاظم سعد الدين ، الحكايات الشعبية العراقية ، ص 69 ، 70 .
([18]) نمر سرحان ، الحكايات الشعبية الفلسطينية ، ص 102 .
([19]) أحمد تيمور ، معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية ط 1 (  دار الكتب المصرية بالقاهرة  ، 1421هـ / 2001 م) ، ج 5 ، ص 295 ، مادة ( لمون ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق