محمد بن الجهم البرمكي
محمد بن الجهم : ويقال له البرمكي لأنه ربي في
رعاية البرامكة ، ومن الذين كانوا يحضرون مجلس المأمون . وكثيراً ما حاضر وناظر
على مسمع منه وبحضوره .
أكثرت المصادر من الكلام على سعة علمه وثقافته
وضروب معرفته فهو صاحب باع في فلسفة اليونان ومنطق أرسطو وطب جالينوس وهندسة
إقليدس ، وقد اتهمه ابن قتيبة بأنه مبتدع وأن مصحفه كتاب أرسطو وأنه يعجز عن الصوم
ويقول لا يستحق أحد من أحد شكرًا على الخير ومن الذين أشاروا إلى ذلك الجاحظ وصاعد الأندلسي
وهو إلى ذلك معدود في زمرة البخلاء أمثال سهل بن هارون ( أنظر حوله الحيوان للجاحظ
2 / 14 وطبقات الأمم لصاعد : 1 / 212 ) وقد توفي سنة 129هـ ([1]).
وترجم له في لسان الميزان وذكر أن ابن قتيبة
عدة من المبتدعة فذكر : كان مصحفه كتاب أرسطو وكان لا يصوم ويزعم أنه عاجز عن
الصوم ، ويقول: لا يستحق أحد من أحد شكرا على خير أسداه إليه. ونقل عنه أنه لما
حضره الموت قيل: ألا توصي؟ قال: بماذا؟ قالوا: بالثلث كما جاء في الحديث قال:
الثلث والثلث كثير وأنا أقول: ثلث الثلث كثير والمسكين حقه في بيت المال فإذا طلبه
بالجد وصل إليه، وَإذا قعد قعود النساء فلا رحم الله من رحمه ، ومما يذكر هنا أن
هناك ثلاثة رجال عرفوا بمحمد بن الجهم محمد بن الجهم البرمكي هذا الذي نترجم له ،
ومحمد بن الجهم السامي أخو علي بن الجهم ، ومحمد بن الجهم السمري ( ت 277هـ وله 89
سنة ) صاحب الفراء([2]) ، ويحدث بعض الخلط في
أخبارهم .
والجاحظ يروي عنه مدحه للكتاب ([3]) ، وقد نقل محمد بن الجهم
البرمكي بعض الكتب عن الفارسية ومنها كتاب سير ملوك فارس([4]) .
والجاحظ يعدة من الأطباء من فلاسفة المتكلمين مع
معمر وإبراهيم بن السندي من كرههم لدنو الطامث من إناء اللبن ([5]) ، والجاحظ يؤكد على ذلك
في موضع أخر من معرفته بالطب فهو ينقل عنه قوله : ( لا تتهاونوا بكثير مما ترون من
علاج القوابل والعجائز فإن كثيرا من ذلك إنما وقع إليهن من قدماء الأطباء كالذبان
يلقى في الإثمد ويسحق معه فيزيد ذلك في نور البصر ونفاذ النظر وفي تشديد مراكز شعر
الأشفار في حافات الجفون ) ، ويواصل الجاحظ فيقول : ( وقلت له مرة : قيل لماسرجويه
: ما بال الأكرة وسكان البساتين مع أكلهم الكراث والتمر وشروبهم ماء السواقي على
المالح أقل الناس خفشانا وعميانا وعمشانا وعورا قال : إني فكرت في ذلك فلم أجد له
علة إلا طول وقوع أبصارهم على الخضرة ) ([6]) .
ويروي
الجاحظ أيضًا عنه رواية وإن لم يأخذها منه مباشرة وهي أن الذباب يصيد البعوض بناء
على ملاحظة لاحظها ([8]) ، ، والجاحظ أيضًا ينقل عنه
أنه كان يذكر لهم أن العيون التي تضيئ بالليل كأنها مصابيه هي عيون الأسد والنمور
والسنانير والأفاعي ، وقد استشهد في استنتاجه بحاوي ، كما يذكر
قوله أن أهل السفالة ناس يأكلون الذبان وهم لا يرمدون وأنهم أكلوه ليس لهذا
السبب ولكن لأنهم مثل أهل خرسان يأكلون فراخ الزنابير ([9]) .
وقد ارتبط بالبرامكة في بداية نشأته ولذلك سمي
بالبرمكي ، كما روى الجاحظ عنه وعن داؤد بن أبي داؤد حكاية تتعلق بالحسن بن سهل مع
نعيم بن خازم ([11]).
وقد ذكره الجاحظ بأنه وثمامة بن أشرس والقاسم
بن سيار ممن يغشى دار الخلافة وهي دار العامة ([12]) وكان ذلك في خلافة
المأمون.
وكان من المتصلين بالمأمون وكان ارتباطه به
قويًا ينقل الجاحظ عنه قوله : ( دخلت على المأمون فقال لي ما زال امير المؤمنين
اليك مشتاقا فلم أدر ما جواب هذه الكلمة بعينها وأخذت لا اقصر فيما قدرت عليه من
الدعاء ثم الثناء ) ([13]).
ويظهر أن اتصاله به قديم ومنذ أن كان المأمون
في مرو فقد ذكرت بعض المصادر الشيعية أنه جرت بينه وبين علي بن موسى الرضا مجادلة
في عصمة الأنبياء بحضرة المأمون ([14]) ، والجاحظ يذكر أنه كان
من الذين يجادلون الزنادقة في مجلس المأمون وذلك فهو يقول : ( ومسألة أخرى سأل
عنها أمير المؤمنين الزنديق الذي كان يكنى بأبي علي وذلك عندما رأى من تطويل محمد
بن الجهم وعجز العتبي وسوء فهم القاسم بن سيار فقال له المأمون : أسألك عن حرفين
..الخ ) ([15]).
وتروى له بعض المصادر أن المأمون طلب منه أن ينشد
بعض الشعر ليسلمه بعض الكور مكافأة له ، فلما أنشده ذلك ولاه الدينور ونهاوند
والسوس من كور الأهواز ([16]) ، وذكر الأصفهاني في
رواية عن عبد الله بن العباس الربعي أنه كانت له ضيعة بالأهواز فاعفى عن خراجه تلك
السنة لما غنى له في يوم مهرجان ([17]) مما يدل على أنه أيضًا
كان والي على خراج الأهواز.
كما تذكر المصادر انه ولي خراج فارس في خلافة
المأمون وجرت له حكاية مع القاضي الحسن بن عبد الله بن الحسن العنبري الذي كان يلي
مظالم فارس فتظلم الناس منه فكتب للمأمون وكان محمد بن الجهم منقطع إل المعتصم ،
فأمر المأمون بإشخاص القاضي العنبري لمشافهته وإشخاص محمد بن الجهم ، فلقي العنبري
المعتصم وهو يدخل للمأمون فسأخبره المعتصم أن محمد بن الجهم منقطع إليه وأن يحسن
إليه فرد عليه العنبري بأنه سيقول الصدق فيه فأغضب ذلك المعتصم فدخل العنبري على
المأمون وأخبره بأن محمد بن الجهم ظلم الناس وأخذ أموالهم فعزله المأمون ، وتذكر رواية
أن المعتصم سأل محمد بن الجهم لما لم ترضي هذا الأعربي ( يقصد القاضي العنبري )
فأخبره ابن الجهم بأنه حمل له ثلثمائة درهم فلم يقبلها ، ومن الطريف أن المعتصم
ولي هذا القاضي على البصرة في خلافته لهذه القصة ([18]) وكاد أن يقتل محمد بن
الجهم لخيانته للأمانة وتضييعه لأموال ادلولة كما سنذكر فيما بعد .
ويذكر الجاحظ أن محمد بن الجهم ولي المكي صاحب
النظام موضعًا من مواضع كسكر ([20]) ، والجاحظ يروي أنه جرت
بينه وبين المكي جدال في الجزء الذي لا يتجزء (وقال محمد بن الجهم للمكي أراك
مستبصرا في اعتقاد الجزء الذي لا يتجزأ فينبغي ان يكون عندك حقا حقا قال اما ان
يكون عندي حقا حقا فلا ولكنه عندي حق) ([21]) ، وأن ابن الجهم قال :
أنا لا أشك فقال المكي : وأنا لا أكاد أوقن ([22]).
ورغم ارتباطه بالمعتصم في خلافة المأمون إلا أن
المعتصم كاد أن يقتله في سنة بعد اتهمه بالخيانة في أموال الدولة ، ففي رواية تذكر
أن المعتصم أن يأمر بضربه عنقه بعد أن غضب عليه فلما رأى ذلك أحمد بن أبي دؤاد وقد
أقيم في النطع فقال أحمد بن أبي دؤاد للمعتصم : وكيف تأخذ ماله إذا قتلته ، قال :
ومن يحول بيني وبينه ، قال : يأبى الله في ذلك ويأباه رسوله صلى الله عليه وسلم
ويأباه عدل أمير المؤمنين ، فإن المال للوارث إذا قتلته حتى تقيم البينه على ما
فعله ، فقال المعتصتم : أجلسوه حتى نناظر
، فتأخر أمره على ماله جملة وخلص ([23]) ، وقد وضع الجاحظ رسالة
طويلة في ذم أخلاق محمد بن الجهم ومدح أخلاق ابن أبي دؤاد كما يذكر التوحيدي ([24]) وقد يكون ذلك مرتبط بهذه
القصة .
وقد ذكر السمعاني أن محمد بن الجهم تلطف مع عبد
الله بن محمد بن أبي يزدي الخلنجي قضاي همذان في خلافة المعتصم في مال عظيم فلم يقبله ([25]).
ومن
الروايات الأدبية تذكر أنه كان يلوم أحمد بن يوسق في حب موسى بن عبد الملك فكتب له
شعر مقذع يصف فيه موسى بن عبد الملك ([26]).
وهو من أصدقاء الجاحظ وقد سبق أن روينا بعض
الحكايات التي تدل على اتصاله به وحديث الجاحظ عنه يدل على أنه شخصية قيادية ذات
منصب ولذلك فقد مدحه الجاحظ ببعض الأبيات وهي :
بدا حين أثرى باخوانه =
ففلّل عنهم شباة العدم
وذكره الدهر صرف الزمان =
فبادر قبل انتقال النّعم
فتى خصّه الله بالمكرمات =
فمازج منه الحيا بالكرم
ولا ينكت الأرض عند
السؤال = ليقطع زواره عن نعم
ويقال
أن الجاحظ مدح بهذه الأبيات أيضًا احمد بن أبي دؤاد وإبراهيم بن رباح ([27]) ، وينقل الجاحظ بعض
أقواله مثل : ( لولا أن الذهب المائع والفضة المائعة يجمدان إذا صارا في جوف
الإنسان وإذا جمدا لم يجاوزا مكانهما لكانا من القواتل بالغرابة ) ([28]) ، وقوله : (ما أطمعني في
أوبة المتحير لأن كل من اقتطعته عن اليقين الحيرة فضالته التبين ومن وجد ضالته فرح
بها . ) ([29]) ، وقيل : ( وقيل لابن
الجهم : أي أمور الدنيا أعجب قال : الشم .) ([30]) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق