تأملات في غزوة بدر
خروج
الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى بدر
تختلف مصادر السيرة النبوية وكتب التاريخ في تحديد اليوم الذي خرج فيه
الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، فتورد عدة أيام وهي على النحو التالي :-
1- يوم الاثنين الثامن من رمضان ، ويروي ذلك ابن هشام .
2- يوم السبت الثاني عشر من رمضان ، ويروي ذلك ابن سعد في طبقاته .
3- يوم الاحد الثاني عشر ، ويروي ذلك الواقدي في مغازيه .
4- اليوم الثالث من رمضان ، ويرويها الطبري عن غير ابن إسحاق .
أولاً / يوم الاثنين الثامن من رمضان ، ( رواية ابن
هشام)
- تكاد تجمع المصادر على أن غزوة
بدر قد جرت في يوم الجمعة 17 من رمضان من السنة الثانية للهجرة ، وإذا صح ذلك فإن يوم الثامن من رمضان يوافق يوم
الأربعاء لا يوم الاثنين .
- وإذا صحت رواية ابن هشام بأن خروج جيش المسلمين من المدينة كان في يوم الاثنين 8 رمضان فإن خروج كفار قريش من مكة إلى بدر كان سابق لخروج
الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى بدر ، حيث تذكر الروايات أن مسير كفار
قريش إلى بدر استغرق مدة عشر ليال ( أي أن خروجهم كان في 7 رمضان ) وهذا يتعارض مع
ما يذكره بعض الباحثين من أن أبي سفيان بعث ضمضم بن عمرو إلى كفار قريش يستنجدهم بعد
أن علم بخروج جيش المسلمين من المدينة ، والحقيقة أن أبا سفيان قد أرسل ضمضم بن عمرو لربما حتى قبل رمضان بعد أن علم بأن جيش المسلمين كانو قد ترصدوا لقافلة قريش عند مسيرها للشام.
ثانياً / يوم السبت الثاني عشر من رمضان ، رواية ابن
سعد
- هذه الرواية تتفق مع رواية الواقدي ولكن تختلف في أن ابن سعد يذكر أن يوم
الثاني عشر يوافق يوم السبت وهو ما يتعارض مع ما تورده كتب السيرة من أن غزوة بدر
جرت في يوم الجمعة 17 رمضان ، حيث يوافق ( 12 رمضان ) يوم الاحد ( كما يذكر
الواقدي ) لا يوم السبت كما ذكر ابن سعد .
- والزعم بأن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم كان في يوم 12 رمضان يتعارض
حتى مع ما تورده كتب السيرة من أن كفار قريش قد علموا بنجاة القافلة وهم في الجحفة
وكان ذلك في يوم العاشر أو الحادي عشر من رمضان بعد أن بعث أبو سفيان قيس
بن امرئ القيس ليخبرهم بسلامة القافلة ، ومن المحال أن يخرج الرسولى لاعتراض قافلة ابي سفيان وقد نجت القافلة ،
خاصة وأن مبعوثي الرسول صلى الله عليه وسلم بسبس بن عمرو،
وعدي بن أبي الزغباء قد علموا
باقتراب قافلة أبي سفيان إلى بدر قبل قدومها بيوم أو يومين كما تذكر بعض المصادر (
الواقدي ) .
ثالثاً : يوم الأحد الثاني عشر من رمضان ، رواية
الواقدي
- رغم ان يوم الأحد الثاني عشر من رمضان يتوافق مع ما ترويه كتب السيرة من
أن غزوة بدر قد جرت في صبيحة يوم الجمعة 17 رمضان ، إلا أنه وكما ذكرنا سابقاً فمن
المستبعد أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الأحد 12 رمضان ويواصل مسيره إلى
بدر وهو يعلم بنجاة قافلة أبو سفيان بيوم أو يومين على الأقل ، ومع الأسف أن البعض
يرجح هذا التاريخ على غيره من التواريخ الأخرى التي سبق ذكرها ، واعتقد أن رواية
ابن سعد ورواية الواقدي هي أضعف الروايات إن قارنها ببعض ما تروه كتب السيرة من
أحداث غزوة بدر .
وعتقد ان هذه الرواية ورواية ابن سعد لا يمكن أن تصح إلا إذا جرت معركة بدر في 19 رمضان لا في 1 رمضان وهو تاريخ تذكره بعض المصادر كتاريخ محتمل لغزوة بدر .
وعتقد ان هذه الرواية ورواية ابن سعد لا يمكن أن تصح إلا إذا جرت معركة بدر في 19 رمضان لا في 1 رمضان وهو تاريخ تذكره بعض المصادر كتاريخ محتمل لغزوة بدر .
رابعاً : اليوم الثالث من رمضان ، ( رواية الطبري )
وهذه الرواية في
تتفق مع ما يذكره بعض الباحثين في كتب السيرة من أن خروج كفار قريش بعد أن بعث أبو سفيان ضمضم إلى
كفار قريش يحرضهم على الخروج من أجل الدفاع عن اموالهم في القافلة .
والحجة الوحيدة التي تواجه هذه
الرواية أن المسافة بين المدينة المنورة وبدر لا تستغرق كل هذا الوقت ( مدة
أسبوعين تقريباً ) ، ويمكن الرد على هذه الحجة بأن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم
كان مرتبط بمسير قافلة كفار قريش واستقصاء خبرها ويتضح ذلك من تعدد المنازل التي
نزلها الرسول صلى الله سلم في طريقه إلى بدر وبعثه للأعين من أجل ترصد قافلة قريش،
وكلما كان خروج الرسول باكراً من المدينة ، كلما كان اكثر قرباً من الطرق المحتمل
أن تسلكها القافلة وبالتالي أكثر اقتراباً من القافلة .
وفي اعتقادي ان هذه الرواية ورواية ابن هشام هي الأقرب للصواب والأقل تعرضًا للمطاعن .
وفي اعتقادي ان هذه الرواية ورواية ابن هشام هي الأقرب للصواب والأقل تعرضًا للمطاعن .
***
موضع
تمركز كفار قريش
تكاد تجمع المصادر على أن دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر في يوم الخميس
16 من شهر رمضان في صباح أو مساء ذلك اليوم حيث تذكر تلك المصادر أن الرسول صلى
الله عليه وسلم دخل من شمال بدر ،يقول ابن اسحاق : فارتحل
الرسول صلى الله عليه وسلم من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر ثم انحط منها
إلى بلد يقال له الدبة وترك الحنان بيمين وهو كثيب كالجبل العظيم ثم نزل
قريب من بدر ([1])
، ولما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في
نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر فأصابوا رواية لقريش فيهم أسلم غلام بني
الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما ... وأن الرسول صلى
الله عليه وسلم سألهما : أخبراني عن قريش . قالا : هم والله وراء هذا الكثيب الذي
ترى بالعدوة القصوى- والكثيب: العقنقل ([2]).
فهذا النص يحدد لنا دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر من شمال بدر وان دخولهم كان من شرق كثيب الحنان ( دف علي ) ،
كما يوضح أن دخول الرسول وجيشه كان في صباح يوم الخميس أو قبل ظهر يوم الخميس
فالنص يذكر أن الرسول لم يبعث علي والزبير وسعد إلا في المساء ( قالوا في اللغة
المساء : بعد الظهر إلى صلاة المغرب ، وقال بعضهم إلى منتصف الليل )) ، وإجابة
سقاة كفار قريش من أن معسكر قريش خلف الكثيب الذي يرى يدل أن المقصود بالمساء هو
المعنى الأول ( ما بين الظهر إلى المغرب ) فلو كان في الليل لما أشاروا نحو الكثيب
.
كما يحدد لنا هذا النص موضع كفار قريش فهم خلف الكثيب ، ويعلق ابن إسحاق
بأن الكثيب هو العقنقل .
والعقنقل في القواميس العربية ما تراكم من الرمل ، وقيل العقنقل الكثيب
العظيم المتداخل الرمل ، يقال أن الرمل الكثير يقال له العقنقل فإن نقص فهو كثيب
فإذا نقص فهو عوكل فإذا نقص فهو سقط فإذا نقص فهو عداب فإذا نقص فهو لبب ،
فالعقنقل هو الكثيب العظيم كما نرى .
قد تحدثت كتب عن السيرة وحددت موضع العقنقل فذكر ابن إسحاق هذا النص : (( ومضت قريش
حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الودي وهو يليل بين بدر وبين
العقنقل الكثيب الذي خلفه قريش والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى
المدينة )) .
إن نص ابن إسحاق والزمخشري هذا يحدد صراحة بأن العقنقل يقع جنوب وادي يليل
، ويليل وادي معروف لدى الجميع ، ولو جمعنا بين ما ذكره سقاة قريش من وصفهم لموقع
كفار قريش من أنه خلف الكثيب ، وما ذكره ابن اسحاق من أن الكثيب المقصود هو
العقنقل ، وأن العقنقل وكما تذكر المعاجم
العربية هو الرمل المتراكم فإننا نرى أن ذلك الكثيب ما هو إلا الكثيب العظيم الذي
يقع جنوب بدر عند جبل كراش فهو في جنوب وادي يليل وهو كثيب عظيم يتطابق مع ما
تذكره المعاجم من أن العقنقل هو الكثيب العظيم ، ولا نجد أي موضع أخر يتطابق مع
هذه الوصف غير ذلك الكثيب في جنوب بدر.
وبما أن موضع كفار قريش كان خلف العقنقل فإن ذلك هو الموضع الذي يعرف
بالعدوة القصوى كما ذكر الله عز وجل في محكم كتابه في قوله تعالى : {إِذْ أَنْتُمْ
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ
مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } [الأنفال: 42] ،
والمقصود بالعدوى هنا هي عدوتا الوادي ( جانبي أو ضفتي الوادي ) والوادي هو وادي
يليل يقول الواقدي : ((فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدوة الشامية ونزلوا
بالعدوة اليمانية - عدوتا النهر والوادي جنبتاه )) .
إن النصوص التي أوردناها عن موضع العقنقل تتطابق مع استنتاجاتنا الخاصة في
إحداث غزوة بدر ، وفي اعتقادنا أننا لو قمنا بسرد أحداث المعركة لكانت على النحو
التالي :-
1- وصول جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في ظهر أو عصر يوم الخميس من 16
رمضان من سنة 2 من شمال بدر وسلك منطقة الدبة وترك الحنان يمين ثم نزل قريبًا من
بدر .
2- وفي هذه الأثناء أو قبل ذلك بما
يزيد عن يوم كانت قريش قد حطت رحالها خلف العقنقل في جنوب بدر بجوار جبل كراش وقد
أجهدهم السفر ، [ أو لربما منعهم هطول المطر من إكمال مسيرهم إن كنت لا أرجح ذلك وأرى
أن سقوط المصر لم يحدث إلا ليلة الجمعة ] ، فبعثوا السقاة إلى آبار بدر والتي تبعد
حوالي ( 6 ) كيلو .
3- في المساء ( بعد الظهر أو العصر وقبل أن تغيب شمس ذلك اليوم 16 رمضان )
) بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية
علي و والزبير وسعد رضي الله عنهم فقبضوا على رواية قريش وفيهم
أسلم غلام بني الحجاج [ وفي
رواية الإمام أحمد رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط ، فأما القرشي فانفلت
واما مولى عقبه فأخذناه ( كما يذكر علي بن أبي طالب ) ] وتم استجواب هؤلاء السقاة
فتبين للرسول صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كانوا خلف العقنقل ( جنوب بدر ) ،
بينما فر ثالث السقاة ( عجير ) أو رابعهم إلى كفار قريش ليبلغهم بتواجد جيش الرسول
في بدر .
4- تقدم جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في عشاء ( من صلاة المغرب إلى
العتمة ) يوم الخميس ( 16 رمضان ) إلى وادي بدر من أجل السيطرة على الآبار وبإشارة
الحباب بن المنذر ، فغورت الآبار ما عدى بئر هو أدنى إلى كفار قريش وبني عليه حوض
، ثم بني العريش للرسول صلى الله عليه
وسلم وقد أجهد الصحاب في تلك الليلة وأصابهم النعاس ونزل المطر في تلك الليلة ،
وقام المسلمون بهذه الأعمال وهم يعلمون أن كفار قريش لم يعملوا بوجود جيش المسلمين
في بدر وبأن المسافة بين معسكر جيش المسلمين وجيش قريش لا تسمح بهجوم جيش قريش على
المسلمين وهم مجهدين ، وفي تلك الفترة وبعد مغرب ذلك إلى العشاء أو بعده وصل عجير
أحد سقاة قريش والذي استطاع الهرب إلى معسكر كفار قريش خلف العقنقل وأخبر كفار
قريش ليتفق كفار قريش على أن يتحارسوا حتى الصباح خفاً من أن يبيتهم جيش المسلمين
بالليل .
5- وفي تلك الليل أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وابن مسعود ليطوفا
بقريش فذهبا وعادا وقد لاحظوا الذعور والفزع في معسكر المشركين وعادوا فأخبروا
الرسول بذلك ، فلما أصبح كفار قريش لاحظ نبيه بن الحجاج وكان رجل يبصر الأثر أثار
عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود .
6- في فجر أو صباح يوم الجمعة ( 17
رمضان ) تحرك جيش قريش من خلف العقنقل بجوار كراش ، إلى بدر ، وهنا نحن أمام
طريقين اتبعهما كفار قريش للوصول إلى بدر يطرحهم بعض الدارسين لغزوة بدر ، وهما :-
الرأي الأول / أن طريقهم يمر بـ (
فج الدخول ) ليمروا بعد ذلك بجبل الأصفر ، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله
عليه وسلم ( إن جمع قريش تحت هذا الضلع الحمراء من الجبل ) فمقولة الرسول صلى الله
عليه وسلم ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في صباح الجمعة ( أو مع طلوع فجرة ذلك
اليوم ) ، وكفار قريش متجهين نحو المسلمين لخوض المعركة ، فرواية الإمام أحمد هي
على هذا الشكل : ( قال: فلما أن طلع الفجر نادى: "الصلاة عباد الله"،
فجاء الناس من تحت الشجر والحَجَف، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وحرض على القتال، ثم قال: "إن جمع قريش تحت هذه الضَّلَع الحمراء من
الجبل"، فلما دنا القوم منا وصافقناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير ) .
الرأي الثاني / هو أن كفار قريش اتجهوا
رأسًا من العقنقل إلى بدر ودخلوا
من أسفل موضع النخيل في جنوب العريش ، والمقصود بالجبل الأصفر هو بعض الجبل
القريبة من حي إدمان ، ووصف تلك الجبال بـ ( الضلع الحمراء ) ينطبق على تلك الجبال شمال العقنقل فهي منفردة
بعكس ما نراه في جبال الأصفر التي هي
تقريبًا كتلة واحدة ممتده .
والبعض من الباحثين يعترض على هذا الرأي بأنه لو صح هذا الرأي لذكرى موضع
إدمان ( حي إدمان ) لشهرته في كتب السيرة
أو الروايات التي نقلت إلينا ، وفي اعتقادي أن هذه ليس بحجة فعدم ذكر إدمان ليست
حجة على مسيرة كفار قريش نحو مواضع المعركة رأسًا من العقنقل إلى موضع المعركة
جنوب مشسجد العريش دون المرور بفج الدخول .
7- جرت معركة بدر في صباح يوم الجمعة وذلك بعد طلوع الشمس وقد تجهز الرسول
صلى الله عليه وسلم في موضع استراتيجي سيطروا فيه على المياه وكان عريش الرسول على
رابية وكان جيش المسلمين مصطف وظهره للشمس مما اضطر كفار قريش لمواجهة الشمس عند
خوض المعركة وكل هذا يدل أن هذه المميزات توفرت لجيش المسلمين لأنهم كانوا أقرب
إلى مناطق المياه من جيش المشركين ودخلهم إلى بدر قبل دخول كفار قريش لها .
والآن فلنأتي إلى نقطة مهما وهي ما تذكره بعض الآراء والاستنتاجات والتي
تذكر ان كفار قريش قد عسكروا بجوار جبل الأصفر ( غرب بدر ) خلف ذوات اشطين ( أم
شطين ) ويدللون على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن جمع قريش تحت هذا
الضلع الحمراء من الجبل ) ولا يوجد جبل ذو
لون أحمر إلا ذلك الجبل المعروف بالأصفر في غرب بدر . ونرد على ذلك بالتالي :-
1- إن الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المقول للصاحبة رضوان الله عليهم في
فجر أو صباح يوم الجمعة وليس في عصر يوم الخميس وفي تلك الفترة انتقل كفار قريش من
العقنقل إلى بدر ومروا بذلك الموضع في طريقهم لخوض المعركة ، ومما يدل على أن
الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يصف جيش كفار قريش في تحركهم وسيرهم لبدر في صباح
يوم الجمعة ، أن الرسول عندما سأل سقاة كفار قريش عن موضع قريش ذكروا أنهم خلق ذلك
الكثيب ، فيدل هذا النص على أن هناك انتقال جرى لجيش قريش من مكان إلى أخر في
الفترة ما بين عصر يوم الخميس وصباح يوم الجمعة من موضع ( خلف الكثيب ) إلى موضع (
الضلع الحمراء من الجبل ) وبذلك لا يمكن الاستشهاد بهذا النص كدليل على تموضع أو
تمركز كفار قريش بقدر ما هو دليل على كفار قريش قد مروا من ذلك الموضع لمواجهة جيش
الرسول صلى الله عليه وسلم .
2-لو استرجعنا نص السقاة في تحديد موضع كفار قريش في مساء يوم الخميس
لوجدنا أن السقاة قد قالوا : " هم والله وراء هذا
الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى
" فهذا النص يحدد أن كفار قريش وراء أو خلف الكثيب ، ولا يوجد كثيب في تلك
المنطقة من غرب بدر وإنما توجد بعض البرق ( رمال مختلطة بالصخور = جبال تكسوها
الرمال ) وحتى لو كانت هذه هي المقصودة فإن قولهم : وراء الكثيب فإن ذلك يعني أن
كفار قريش خلف تلك الجبال أي خارج بدر ( بجوار مخطط الغزلاني ) وهذا ما لم يقل
بهذا أحد ، بينما ينطبق هذا الوصف والذي ذكره سقاة قريش على كثيب العقنقل ،
وبالإمكان رؤية كثيب العقنقل من موضع تمركز جيش المسلمين في شمال بدر .
3- لو صح أن موضع تمركز كفار قريش بجوار جبل الأصفر في يوم الخميس ( 16
رمضان ) فهل من المنطق أو المعقول أن لا تشعر قريش بدخول جيش المسلمين ( المكون من
300 رجل ) إلى بدر والمسافة بين تموضع
كفار قريش حول جبل الأصفر عن معسكر المسلمين في الدبة لا تزيد عن 1 كيلو ، والأكثر من ذلك هل من المعقول أن يتم اعتقال
سقاة كفار قريش ولا تعلم قريش بذلك مع أن المسافة بين موضع السقيا ( الآبار ) في
بدر بجوار العريش وتموضع كفار قريش بجوار جبل الأصفر تقارب حوالي الكيلو متر ، فلو
صرخ أحد السقاة ليحذر قريش لسمعه كفار قريش في موضعهم ذاك وانطلقوا لنجدة السقاة ، ولو
استبعدنا عدم سماع كفار قريش لصوت الاستغاثة من هؤلاء السقاة ، فقد أوردت المصادر
أن أحد السقاة قد فر وأبلغ كفار قريش بتواجد جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر
ومسافة كيلو متر تقطع في أقل من نصف ساعة ولكان تصرف قريش المنطقي هو نجدة هؤلاء
السقاة بل والتقدم نحو آبار بدر والسيطرة
على مواضع المياه ، ولجرت المعركة في عصر يوم الخميس وليس صباح الجمعة .
4- ونقطة تضاف للنقطة الثالثة ( 3 ) وهي المتأمل في نصوص السيرة يستنتج أن
كفار قريش لم يعلموا بوجد جيش المسلمين إلا من هذا الساقي الفار ( عجير ) وإن ذلك
جرى في الليل ولذلك تحارسوا خوفًا أن يبيتهم ( يهاجمهم في الليل ) جيش المسلمين
وفي اعتقادي أن عجير لم يصل إلى كفار قريش إلا بعد ساعة ونصف أو ساعتين على الأقل
وذلك منذ فراره في عصر يوم الخميس وحتى وصوله
إلى معسكر كفار قريش بالليل مما يدل على أن المسافة التي قطعها عجير حتى وصوله
لمعسكر كفار قريش تزيد عن الكيلو أضعاف مضاعفة وقد تصل إلى 6 كيلو وهي المسافة
التي يبعد فيها كثيب العقنقل عن بدر .
وللبحث بقية ..
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق