الصَفَر
من
خرافات العرب في الجاهلية ، قيل أنه داء في البطن يصفر منه الوجه ، وقيل أنه الجوع .
وذكر
الدميري أنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الجوف ( الإنسان ) على شراسيفه (
أطراف الأضلاع التي تشرف على البطن ) حية يقال لها الصفر إذا تحركت جاع الإنسان وتؤذيه
إذا جاع ، وأنها تعدي . فأبطل الإسلام ذلك روى مسلم عن جابر وأبي هرير وغيرهم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا غول )) ،
وذكر الدميري أن الصفر فيه تأويلان : أحدهما
المراد تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه وبهذا قال
مالك وأبو حنيفة، والثاني أنه الحية التي كانت العرب تعتقد فيها ما تقدم. قال
الإمام النووي: وهذا التفسير هو الصحيح الذي عليه عامة العلماء ([1]).
وعدها
ابن سعيد الأندلسي ومن قبله الأبي من أوابد العرب وقال الأندلسي : ((وزعموا أن
الإنسان إذا جاع عض على شرسوفه حية تكون في البطن، يقال لها: الصفر.
قال
أعشى باهلة:
لا يتأرى لما في القدر يرقبه
ولا يعض على شرسوفه الصفر)) ([2]) .
وقال
في لسان العرب : ((والصفر: داء في البطن يصفر منه الوجه. والصفر: حية تلزق بالضلوع
فتعضها، الواحد والجميع في ذلك سواء، وقيل: واحدته صفرة، وقيل: الصفر دابة تعض
الضلوع والشراسيف؛ قال أعشى باهلة يرثي أخاه:
لا يتأرى لما في القدر يرقبه،
ولا يعض على شرسوفه الصفر
وقيل:
الصفر هاهنا الجوع. وفي الحديث:صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم؛ أي جوعة. )) ([3]).
وفي
شرح نهج البلاغة لابن حديد : (( و مما أبطله الإسلام قول العرب بالصفر زعموا أن في
البطن حية إذا جاع الإنسان عضت على شرسوفه وكبده وقيل هو الجوع بعينه ليس أنها تعض
بعد حصول الجوع فأما لفظ الحديث : "لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا غول"
فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى قال هو صفر الشهر الذي بعد المحرم قال نهى عليه
السلام عن تأخيرهم المحرم إلى صفر ، يعني ما كانوا يفعلونه من النسي ء ولم يوافق
أحد من العلماء أبا عبيدة على هذا التفسير وقال الشاعر
لا يتأرى لما في القدر يرقبه
و لا يعض على شرسوفه الصفر
و
قال بعض شعراء بني عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر الناس وسكن الفيافي
و
أنس بالوحش ثم رأى ليلة نارا فعشا إليها فشم عندها قتار اللحم فنازعته شهوته
فغلبها وقهرها ومال إلى شجرة سلم فلم يزل يكدمها ويأكل من خبطها إلى أن مات :
إن قيسا كان ميتته
كرم والحي منطلق
شام نارا بالهوى فهوى
و شجاع البطن يختفق
في دريس ليس يستره
رب حر ثوبه خلق
و
قوله بالهوى اسم موضع بعينه وقال أبو النجم العجلي :
إنك يا خير فتى نستعدي
على زمان مسنت بجهد
عضا كعض صفر بكبد
و
قال آخر
أرد شجاع البطن قد تعلمينه
و أوثر غيري من عيالك بالطعم )) ([4]) .
وقال
الآلوسي : (( زعموا ان في البطن حية إذا جاع الإنسان عضت على شرسوفه وكبده وقيل هو
الجوع بعينه ليس انها تعض بعد حصول الجوع . فاما لفظ الحديث ( لا عدوى ولا هامه
ولا صفر ولا غول ) فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى قال : هو صفر الشهر الذي بعد
المحرم . قال : نهى عليه الصلاة والسلام عن تأخيرهم المحرم إلى صفر يعني ما كانوا
يفعلونه من النسيء . قال ابن ابي حديد : ولم يوافق أحد من العلماء أبا عبيدة على
هذا التفسير . أقول الذي رأيته في ( فتح الباري ) ما حاصله : إن العرب كانت تحرم
صفر وتستحل المحرم فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك فلذلك قال صلى الله
تعالى عليه وسلم : ( لا صفر ) وهذا القول مروى عن مالك وقد فسره البخاري في صحيحه
بأنه داء يأخذ البطن . وقد نقل أبو عبيدة معمر بن المثنى في ( غريب الحديث ) له عن
يونس بن عبيد الجرمي : أنه سأل رؤبة بن العجاج فقال : هي حية تكون في البطن تصيب
الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب فعلى هذا فالمراد بنفي الصفر ما كانوا
يعتقدونه من العدوى . ورجح عند البخاري هذا القول لكونه قرن في الحديث بالعدوى
انتهى . والذي يظهر أن لفظ الصفر من الألفاظ المشتركة والشارع نفى كل ما يعتقده
العرب من المعاني الباطلة . والإمام الطبري رجح تفسير البخاري من أنه داء يأخذ
البطن على ما سبق واستشهد له بقول الأعشى :
لا يتأرى لما في القدير يرقبه
ولا يعض على شرسوفه الصفر
والشُرسوف
بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة ثم فاء الضلع والصفر يكون في الجوف فربما عض
الشلع أو الكبد فقتل صاحبه . وقال بعض شعراء بني عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر
الناس وسكن الفيافي وآنس بالوحش ثم رأى ليلة ناراً فعشى إلسها فشم عندها قُتار
اللحم فنازعته شهوته فغلبها وقهرها ومال إلى شجرة سلم فلم يزل يكدمها ويأكل من
خبطها إلى ان مات :
إن قيساً كان ميتته
كرم والحي منطلق
شام ناراً ( بالهوى ) فهوى
وشجاع والبطن يختفق
في دريس ليس يستره
رُب حر ثوبه خلق
قوله
في دريس أي ثوب حقير وقوله بالهوى اسم موضع بعينه . وقال أبو النجم العجلي :
إنك يا خير فتى تستعدي
على زمان مسنا بجهد
عضا كعض صفر بكبد
وقال
آخر :
أرد شجاع البطن قد تعلمينه
وأوثر غيري من عيالك بالطعم
فإن
قلت : ما معنى النفي إذا أريد بالصفر الحية أو الجوع أو وجع في البطن يأخذ من
الجوع أو اجتماع الماء الذي يكون منه الاستسقاء مع تحققه ففي الحديث ( صفرة في
سبيل الله خير من حمر النعم ) أي جوعة ويقولون صفر الإنساء إذا خلا عن الطعام وفي
حديث رواه ابن مسعود ( أن رجلاً أصابه الصفر فنعت له السَكْر ) أي حصل حصل له
الاستسقاء فوصف له النبيذ ؟ قلت المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه
قتله او أعدى فرد ذلك الشرع بن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل فإذا جاء أجلهم لا
يستقدمون ساعة ولا يستأخرون . )) ([5]).
ويذكرالجاحظ
أن الصفر هي حيات البطون وتكون من الفضول والتخم ومن الفساد والبشم وشرب مرة
النبيذ ([6]) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق