النسناس
كلمة تطلق على
الأراذل من المناس والسفلة والغوغاء يقول الحسن " ذهب الناس وبقيت النسناس ،
و زعم العرب والعامة أن المقصود بالنسناس ، خلق في صورة الناس مشتق منهم لضعف
خلقهم ، وقيل هم جنس من الخلق يثب أحدهم على رجل واحدة ، وقيل أنه حيوان كالإنسان
له عين واحدة يخرج من الماء ويتكلم ومتى ظفر بالإنسان قتله وقيل انهم أمة من
الأمم، لكل واحد منهم نصف بدن ونصف رأس ويد ورجل، كأنه إنسان شق نصفين يقفز
على رجل واحدة قفزا شديدا، ويعدو عدوا شديدا منكرا ويوجد في جزائر بحر الصين ([1]) ، وزعموا أن النسناس ما بين الشق والإنسان وأن خلقا من وراء
السد تركب من الناس والنسناس ([2]).
وقيل انهم مخلوقات
مشوهة من ولد النسناس بن أميم بن عمليق بن يلمع بن لاوز بن سام ، وذكروا انهم
كانوا في الأصل بشراً فجعلهم الله نسناس للرجل منهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة
ويد واحدة ورجل واحدة، وأنهم صاروا يرعون كما تُرعى البهائم، وأنهم يقفزون قفزا شديدا ويعدون
عدوا منكرا ، يقول وفي المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : (( ومن جملة الأساطير التي تروى عنها أسطورة
"النسناس". وتتلخص في أنهم "من ولد النسناس بن أميم بن عمليق بن
يلمع بن لاوذ بن سام"، وأنهم كانوا في الأصل بشرا, فجعلهم الله نسناسا, للرجل
منهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، وأنهم صاروا يرعون كما
تُرعى البهائم، وأنهم يقفزون قفزا شديدا ويعدون عدوا منكرا. والظاهر أن لهذه القصص
والأساطير أصولا جاهلية، وقد وضع منها في الإسلام شيء كثير، ووضع معها شعر كثير
على لسان ذلك "الإنسان الحيوان"، ولا يزال الناس يروُونها حتى
الآن ))([3]).
وقد جمع الزبيدي بعض الأقوال في النسناس ، يقول في تاج العروس : ((والنسناس،
بالفتح، ويكسر: جنس من الخلق، يثب أحدهم على رجل واحدة، كذا في الصحاح. وفي
الحديث: أن حيا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم الله نسناسا، لكل إنسان منهم يد ورجل من
شق واحد ينقزون كما ينقز الطائر ويرعون كما ترعى البهائم ويوجد في جزائر الصين،
وقيل: أولئك انقرضوا، لأن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، كما حققه العلماء.
والموجود على تلك الخلقة خلق على حدة، أو هم ثلاثة أجناس: ناس ونسناس ونسانس، قاله
الجاحظ ، وأنشد للكميت :
فما الناس
إلا تحت خبء فعالهم
ولو جمعوا نسناسهم والنسانسا
وقيل: النسناس: السفلة والأرذال
أو النسانس: الإناث منهم، كما قالهن أبو سعيد الضرير. أو هم أرفع قدرا من النسناس،
كما في العباب أو هم يأجوج ومأجوج، في قول ابن الأعرابي أو هم قوم من بني آدم، أو
خلق على صورة الناس، أشبهوهم في شي ء، وخالفوهم في أشياء ، وليسوا منهم، كما في
التهذيب.
وقال كراع: النسناس فيما يقال:
دابة في عداد الوحش، تصاد وتؤكل، وهي على شكل الإنسان، بعين واحدة ورجل ويد تتكلم
مثل الإنسان.
وقال المسعودي في النسناس: حيوان
كالإنسان، له عين، واحدة، يخرج من الماء ويتكلم، وإذا ظفر بالإنسان قتله.
وفي المجالسة، عن ابن إسحاق: أنهم
خلق باليمن.
وقال أبو الدقيش: يقال: إنهم من
ولد سام بن سام إخوة عاد وثمود، وليس لهم
عقول، يعيشون في الآجام على شاطىء بحر الهند، والعرب يصطادونهم ويكلمونهم، وهم
يتكلمون بالعربية ويتناسلون ويقولون الأشعار ويتسمون بأسماء العرب.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه: «ذهب الناس وبقي النسناس. قيل: فما النسناس؟ قال: الذين يتشبهون بالناس
وليسوا من الناس» وأخرجه أبو نعيم في الحلية، عن ابن عباس.
قال السيوطي في ديوان الحيوان:
أما الحيوان الذي تسميه العامة نسناسا فهو نوع من القردة، لا يعيش في الماء، ويحرم
أكله، وأما الحيوان البحري ففيه وجهان، واختار الروياني وغيره الحل. وقال الشيخ
أبو حامد: لا يحل أكل النسناس، لأنه على خلقة بني آدم. ))([4])
.
ومن أبرز من تناول النسناس الجاحظ
والجاحظ يذكر أن البعض يرى أن النسناس من الخلق المركب ، يقول الجاحظ في الحيوان
(( زعموا أن النسناس تركيبُ ما بين الشِّق والإنسان ويزعمون أن خلقاً من وراء السد
تركيب من النَّسْنَاسِ والناس والشقِّ ويأجوج ومَأجوج )) ([5]).
وينتقد الجاحظ هذا الاعتقاد ويرى أن معنى النسناس لا
علاقته له بهذا المعتقد وإنما يطلق على السفلة من الناس ، يقول الجاحظ في الحيوان:
(( الناس والنسناس وسمع بعضُ الجهّال قول الحسن: ذهب النّاسُ وبقيتُ في النّسناس فجعل النّسناس جنسا على حدة، وسمع آخرون هم أجهلُ من هؤلاء
قول فجعل النّسناس جنسا على حدة، وسمع آخرون هم أجهلُ من هؤلاء قول الكميت:
نسناسهم
والنسانسا
فزعموا أنّهم ثلاثةُ أجناسٍ: ناس، ونسناس، ونسانسُ، هذا
سوى القول في الشّق، وواق واق، وذوال باي، وفي العُدار، وفي أولاد السّعالي من
الناس، وفي غير ذلك مما ذكرناه في موضعه من ذكر الجنّ والإنس.
وقد علم أهلُ العقل أنّ النّسناس إنما وقع على السّفلة والأوغاد
والغوغاء، كما سمّوا الغوغاء الجراد إذا ألقى البيض وسخُف وخفّ وطار. ))([6])
.
ويقول المسعودي في مروج الذهب ما
يوافق هذا : (( وقد زعم كثير من الناس ان الحيوان الناطق ثلاثة أجناس: ناس، ونسناس، ونسانس، وهذا محال من القول: لأن النسناس انما وقع هذا
الاسم على السَّفلة من الناس والرُّذَال وقد قال الحسن: ذهب الناس وبقي النسناس،
وقال الشاعر:-
ذهب الناس فاستقلوا، وصرنا
خلفاً في اراذل النسناس
اراد به ما وصفنا: اي ذهب الناس وبقي من لا خير فيه وقد
ذهب كثير من الناس ))([7]) .
وذكر الزبيدي من البلدان التي
يسكنها النسناس وبار: (( وقال محمد بن إسحاق بن يسار: وبار: بلدة يسكنها النسناس.
وقيل: هي ما بين الشحر إلى صنعاء، ( ... ) .قال الهمداني: وكانت وبار أكثر الأرضين
خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها مياها وشجرا وتمرا ، فكثرت بها القبائل حتى شحنت بها
أرضوهم، وعظمت أموالهم، فأشروا وبطروا وطغوا؛ وكانوا قوما جبابرة ذوي أجسام فلم
يعرفوا حق نعم الله تعالى، فبدل الله خلقهم وصيرهم نسناسا، للرجل والمرأة منهم نصف
رأس ونصف وجه، وعين واحدة، ويد واحدة، ورجل واحدة، فخرجوا على وجوهم يهيمون ويرعون
في تلك الغياض إلى شاطىء البحر كما ترعى البهائم، وصار في أرضهم كل نملة كالكلب
العظيم، تستلب الواحدة منها الفارس عن فرسه فتمزقه. ))([8])
.
بينما يناقض المسعودي
هذا القول ويذكر أنه حتى أهل الشحر يستطرفون خبر النسناس ويتوهمون أنه ببعض بقاع
الأرض البعيدة عنهم ، يقول المسعودي : (( المسعودي:
ووجدت أهل الشِّحر من بلاد حضرموت وساحلها- وهي الأحساء مدينة على الشاطئ من ارض
الاحقاف، وهي أرض الرمل وغيرها مما اتصل بهذه الديار من ارض اليمن وغيرها من عمان
وأرض المَهرَة- يستطرفون اخبار النسناس إذا ما حدثوها، ويتعجبون من وصفه، ويتوهمون
انه ببعض بقاع الارض مما قد نأى عنهم وبعد، كسماع غيرهم من أهل البلاد بذلك عنهم،
وهذا يدل على عدم كونه في العالم، وإنما ذلك من هَوَسِ العامة واختلاطها، كما وقع
لهم في خبر عنقاء مُغْرِب وهذا يدل على عدم كونه في العالم ورووا فيه حديثاً
عَزَوْه الى ابن عباس، ونحن لم نُحِلْ وجود النسناس والعنقاء وغير ذلك مما اتصل به
بهذا النوع من الحيوان الغريب النادر في العالم من طريق العقل، فإن ذلك غير ممتنع
في القدرة، ولكن أحَلْنا ذلك لان الخبر القاطع للعذر لم يرد بصحة وجود ذلك في
العالم ))([9]) .
وهذا لم يمنع
المسعودي في ان يذكر أن المتوكل وفي بداية خلافته سأل حنين بن إسحاق أن يحمل أشخاص من النسناس والعربد من حجر
اليمامة وبلاد الشحر فلم يسلم منهم إلا اثنان من النسناس ولم تتأت له الحيلة في
حمل العربد من اليمامة ([10]).
كما ذكر المسعودي في مروج الذهب
قصة تدل على حمق النسناس كما يزعم العرب فيقول: (( وقد رووا في ذلك خبراً مخرجه من
طريق الآحاد ان ذلك في بلاد حضرموت من أرض الشِّحْر، وهو ما ذكره عبد الله بن سعيد
ابن كثير بن عفير المصري، عن ابيه عن يعقوب بن الحارث بن نجيم ، عن شبيب بن شيبة
بن الحارث التميمي، قال: قدمت الشِّحْر فنزلت على رأسها، فتذاكرنا النسناس، فقال:
صيدوا لنا منها، فلما ان رجعت اليه مع بعض أعوانه المَهْرِيين إذ انا بنسناس منها،
فقال لي النسناس: انا باللَّه وبك، فقلت لهم: خلوه، فخلوه، فلما حضر الغداء قال:
هل اصطدتم منها شيئاً؟ قالوا: نعم، ولكن خلاه ضيفك، قال: استعدوا فإنا خارجون في
قَنصه، فلما خرجنا الى ذلك في السَّحَر خرج منها واحد يعدو وله وجه كوجه الإنسان
وشعرات في ذقنه، ومثل الثدي في صدره، ومثل رجلي الإنسان رجلاه، وقد ألَظَّ به
كلبان، وهو يقول:-
الويل لي
مما به دهاني
دهري من
الهموم والأحزان
قفا قليلا
أيها الكلْبَانِ
واستمعا قولي وصَدِّقاني
إنكما حين
تحارباني
الفيتماني حضرا عِناني
لولا
سُباتي ما ملكتماني
حتى تموتا
أو تفارقاني
لست
بخوَّار ولا جبان
ولا بنكس رَعِشِ الجنان
لكن قضاء
الملك الرحمن
يُذِلُّ ذا القوة والسلطان
قال: فالتقيا به فأخذاه، ويزعمون
انهم ذبحوا منها نسناساً، فقال قائل منها: سبحان الله، ما أشد حمرة دمه! فذبحوه
أيضا، فقال نسناس آخر من شجرة: كان يأكل السماق، قال: فقالوا نسناس آخر خذوه،
فأخذوه وذبحوه، فقالوا: لو سكت هذا لم يعلم بمكانه. فقال نسناس من شجرة اخرى: انا
صمتُّ قالوا: نسناس، خذوه فأخذوه ، فذبحوه فقال نسناس من شجرة اخرى: يا لسان
احْفَظْ رأسك، فقالوا: نسناس خذوه، فأخذوه، وزعم من روى هذا الخبر أن المهرة
تصطادها في بلادها وتأكلها .))([11])
.
ومن الأساطير التي يذكرونها ما
يررونه عن تسمية احد ملوك اليمن قبل الإسلام الملقب بـ ( ذو الأذعار ) فيزعمونأن
سبب ذلك انه حمل النسناس إلى اليمن فذعر الناس من ذلك فسمي ذو الأذعار ! ([12]).
وقد ذكر البكري بقايا النسناس في
جزيرة من جزر البحر الأخضر وذكر أن لهم شجر يقال له اللوف يأكلون ثمره ويلتحفون
بورقه ([13])
، ويذكر المسعودي مثل هذا القول يقول المسعودي في أخبار الزمان : ((وأما الجزائر
فذكر بطليموس أن في البحر الأخضر سبعاً وعشرين الف جزيرة عامرة وغير عامرة، منها
جزيرة فيها أمة من بقايا النسناس، ولهم شجر يقال له اللوب يأكلون ثمره ويلتحفون
بورقه ويأكلون لحوم الدواب البحرية وجزيرة المرجان فيها شجر المرجان في ضحضاح بين
الملوحة والعذوبة وقد اطلعت رؤوساً مشعبة، فإذا سقطت إليها مراكب أخذوا من ذلك
المرجان ما قدروا عليه. )) ([14]).
ويذكر الدميري أن النسناس خلق في
صورة الناس مشتق منهم لضعف خالقهم ونقل عن الصحاح أنهم جنس من الخلق يثب أحدهم على
رجل واحدة ، كما نقل عن المسعودي أنه حيوان كالانسان له عين واحدة يخرج من الماء
ويتكلم ومتى ظفر بالإنسان قتله ، وفي كتاب القزويني في الأشكال : إنه أمة من الأمم
لكل واحد منهم نصف بدن ونصف رأس ويد ورجل ، كأنه شق نصفين يقفز على رجل واحدة قفزا
شديدا ويعدو عدوا شديدا منكرا ويوجد في جزائر بحر الصين ، ونقل عند الدينور في
كتابه المجالس أن النسناس خلق باليمن لأحدهم عين ويد ورجل يقفز بها وأهل اليمن
يصطادونهم وذكر حكاية عن صيد هؤلاء للنسناس والتي سيذكرها ياقوت الحموي ونقل عن
الميداني إن الناس كانوا يأكلون النسناس، وهم قوم لكل منهم يد ورجل ونصف رأس ونصف بدن
يقال: إنهم من نسل أرم بن سام أخي عاد وثمود ليست لهم عقول، يعيشون في الآجام على ساحل
بحر الهند والعرب، يصطادونهم ويأكلونهم وهم يتكلمون بالعربية، ويتناسلون ويتسمون بأسماء
العرب، ويقولون الأشعار. وفي تاريخ صنعاء أن رجلا تاجرا سافر إلى بلادهم، فرآهم يثبون
على رجل واحدة، ويصعدون الشجر، ويفرون من الكلاب خوفا أن تأخذهم وسمع واحدا منهم يقول:
فررت من خوف
الشراة شدّا
إذ لم أجد من
الفرار بدّا
قد كنت قدما
في زماني جلدا
فها أنا اليوم
ضعيف جدا
وذكر عن ابن عباس قوله : ذهب
الناس وبقي النسناس ، قيل : ما النسناس ؟ قال : الذين شبهون بالناس وليسو بالناس .
وفي المجالسة للدينوري، من كلام الحسن البصري، أنه قال: ذهب الناس وبقي النسناس، لو
تكاشفتم ما تدافنتم. وهو في الفائق ونهاية ابن الأثير وغريب الهروي عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه. وقيل: النسناس يأجوج ومأجوج. وقيل: خلق على صورة الناس أشبهوهم في
شيء وخالفوهم في شيء وليسوا من بني آدم.
ومنه الحديث «ان حيا من عاد عصوا نبيهم
فمسخهم الله نسناسا، لكل واحد منهم يد ورجل من شق واحد، ينقرون كما ينقر الطير، ويرعون
كما ترعى البهائم» . ونونها الأولى مكسورة وقد تفتح. وروى أحمد في الزهد، عن مطرف بن
عبد الله أنه قال: عقول الناس على قدر زمانهم. وقال: هم الناس والنسناس وأناس غمسوا
في ماء الناس. قال الكريمي: سمعت أبا نعيم يقول: كثيرا ما يعجبني قول عائشة رضي الله
تعالى عنها:
ذهب الذين يعاش
في أكنافهم
لكن أبا نعيم يقول:
ذهب الناس فاستقلوا
وصاروا
خلفا في أراذل
النسناس
في أناس نعدّهم
من عديد
فإذا فتّشوا
فليسوا بناس
كلما جئت أبتغي
النيل منهم
بدروني قبل
السؤال بياس
وبلوني حتى
تمنيت أني
منهم قد أقلت
رأسا براس ([15])
ويذكر ياقوت الحموي بعض قصص
النسناس وصيدها فيقول: (( وبوبار النسناس يقال إنهم من ولد النسناس بن أميم ابن
عمليق بن يلمع بن لاوذ بن سام وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف أرض اليمن
يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الأرض بالكلاب وينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم، وعن
محمد بن إسحاق أن النسناس خلق في اليمن لأحدهم يد واحدة ورجل واحدة وكذلك العين
وسائر ما في الجسد وهو يقفز برجله قفزا شديدا ويعدو عدوا منكرا، ومن أحاديث أهل
اليمن أن قوما خرجوا لاقتناص النسناس فرأوا ثلاثة منهم فأدركوا واحدا فأخذوه
وذبحوه وتوارى اثنان في الشجر فلم يقفوا لهما على خبر، فقال الذي ذبحه: والله إن
هذا لسمين أحمر الدم، فقال أحد المستترين في الشجر: إنه قد أكل حبّ الضّرو وهو
البطم وسمن، فلما سمعوا صوته تبادروا إليه وأخذوه فقال الذي ذبح الأول :
والله ما أحسن الصمت هذا لو لم
يتكلم ما عرفنا مكانه، فقال الثالث: فها أنا صامت لم أتكلم، فلما سمعوا صوته أخذوه
وذبحوه وأكلوا لحومهم، وقال دغفل: أخبرني بعض العرب أنه كان في رفقة يسير في رمل
عالج، قال: فأضللنا الطريق ووقفنا إلى غيضة عظيمة على شاطئ البحر فإذا نحن بشيخ
طويل له نصف رأس وعين واحدة وكذلك جميع أعضائه، فلما نظر إلينا مرّ يركض كالفرس
الجواد وهو يقول :
فررت من
جور الشّراة شدّا
إذ لم أجد
من الفرار بدّا
قد كنت
دهرا في شبابي جلدا،
فها أنا
اليوم ضعيف جدّا
وروى الحسام بن قدامة عن أبيه عن
جدّه قال : كان لي أخ فقلّ ما بيده وأنفض حتى لم يبق له شيء فكان لنا بنو عمّ
بالشحر فخرج إليهم يلتمس برّهم فأحسنوا قراه وأكثروا برّه وقالوا له يوما: لو خرجت
معنا إلى متصيّد لنا لتفرّجت، قال: ذاك إليكم، وخرج معهم فلما أصحروا ساروا إلى
غيضة عظيمة فأوقفوه على موضع منها ودخلوها يطلبون الصيد، قال: فبينما أنا واقف إذ
خرج من الغيضة شخص في صورة الإنسان له يد واحدة ورجل واحدة ونصف لحية وفرد عين وهو
يقول: الغوث الغوث الطريق الطريق عافاك الله! ففزعت منه وولّيت هاربا ولم أدر أنه
الصيد الذي يذكرونه، قال: فلما جازني سمعته يقول وهو يعدو:
غدا القنيص
فابتكر
بأكلب وقت
السّحر
لك النجا
وقت الذكر
ووزر ولا
وزر
أين من
الموت المفرّ؟
حذرت لو
يغني الحذر
هيهات لن
يخطي القدر،
من القضا
أين المفرّ؟
فلما مضى إذا أنا بأصحابي قد
جاءوا فقالوا: ما فعل الصيد الذي احتشناه إليك؟ فقلت لهم: أما الصيد فلم أره،
ووصفت لهم صفة الذي مرّ بي، فضحكوا وقالوا: ذهبت بصيدنا! فقلت: يا سبحان الله!
أتأكلون الناس؟ هذا إنسان ينطق ويقول الشعر! فقالوا: وهل أطعمناك منذ جئتنا إلا من
لحمه قديدا وشواء؟ فقلت: ويحكم أيحلّ هذا؟ قالوا: نعم إن له كرشا وهو يجتر فلهذا
يحل لنا، قلت: ولهذه الأخبار أشباه ونظائر في أخبارهم والله أعلم بحق ذلك من
باطله. ))([16])
.
ويذكر أمين المعلوف أن بلنيوس ذكر
الشق والنسناس وسمى النسناسSatyrus أي السطر ووصفه بمثل ما
وصف العرب النسناس ، ويواصل أمين معلوف فيذكر أنه لا يخفى أن هذه اللفظة معناها
أيضا صنم للسوريين كان في صورة نصف انسان أي نصفه بشري والنصف الآخر من المعز ولعل
اللفظة اليونانية من سطر السامية وهي بالعربية العتود من الغنم أي التيس . أو من
مادة شطر أي جعل الشي نصفين ولعل هذا الصنم عند السوريين هو السعير ، النسناس عند
العام هو هذا القرد اللطيف الصغير الطويل الذنب وهو كثير في دنقلة وكردفان ..
واستعمال العامة للنسناس بهذا المعنى قديم وقد أشار إلى ذلك صاحب تاج العروس وذكر
حمد الله القزويني أنه كان شائعًا في أيامه بماصر أي منذ سبعمائة سنة لنوع من
القرود الكبار من ذوات الأذناب ، ويرى الأب انستاس في ما كتبه ونشرته في المقطف :
أن النسناس يوافق القرد الشبيه بالانسان وأن اللفظة من ننوس اليونانية ومعناها
القزم كتبها العرب نناس ثم صحفوها إلى نسناس ، ويعلق أمين المعلوف أن الأب العلامة
قد يكون مصيبًا في قوله أن النسناس يوافق القرد الشبيه بالإنسان أو انه يوناني
الأصل ... اما النسناس الذي كانوا يصيدونه في اليمن ويأكلونه حيوان آخر لا اعرف ما
هو وهو بلا ريب ليس من القرود ([17])
، وما ذكره أمين المعلوف عن الصنم السوري يختلف عن ما يعرف عند العرب عن النسناس
فالنسناس يتكون من شطر واحد نصف وجه وقدم
ويد ، بينما ما يعرف في سوريه فينقسم نصفه الأعلى إلى إنسان وأسفله في صورة ماعز وهو
مختلف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق