الثعلب أبي الحصين مع الغراب
الراوي : حكاية
يرويها مفرج السيد .
الحكاية :
والحكاية تجميع لعدد من الحكايات والقصص التي
تتعلق بالثعلب ، وتبدأ الحكاية بدعوة الغراب للثعلب فدعا الغراب على شجرة من الشوك
فأخذ الغراب يأكل من الشجرة دون أن يمسه ضر أم الثعلب فلم يستطع بسبب الشوك ، ليرد
الثعلب الدعوة بدعوة الغراب إلى الطعام على حجر أملس صلب فأكل الثعلب بلحس الطعام
أما الغراب فلم يستطع فكلما نقب نقبة آلمه منقاره .
وتمتد الحكاية فتسرد
ما جرى ما بين الغراب والثعلب كما نراه عند الجهيمان في حكاية ( الغراب وأبو
الحصين ) فيطلب الغراب من أبي الحصين أن يريه الأرض فيحمله الثعلب ، ثم يحمل
الغراب الثعلب في الجو ويسقطه من الجو فيسقط في غدير ويشرب الثعلب كل ما في الغدير
فتأتي راعيه مع غنمها وتسأل الثعلب عن الغدير فيخرج الماء من فمه فتعطيه شاه هزيلة
ومعها ولد وبنت ( حوية وحويان ) ، فيقوم الذئب ويأكل حوية وحويان وأمهم فينتقم
الثعلب ويحتال على الذئب كما نراه في مادة ( ويص ) ويتشابه هذا مع ما نراه في
حكاية الجهيمان .
ولكن يضيف تحت عنوان هذا الحكاية بعض الحكايات
الأخرى التي تروى عن الثعلب فيذكر أن الثعلب حمل جثة الذئب ووضعها في كيس وطلب من
الجمالة أن يحملوا الكيس ويبيعونه ويأتون له بطربوش احمر ، فحمل الجمال ذلك الكيس
إلا أنه خرجت له رائحة فرموا بها ، فلما عادوا سألهم عن وصيته فأخذوا يحتالون عليه
فأراد أن ينتقم منهم فأتاهم على شكل راعي ليرعى جمالهم فأعطوه الجمال فأخذها
وتركها تهيم في الصحراء وأتاهم وزعم أن جمالهم هجم عليهم قوم وأخذوها فأعطوه فطور
وذهبوا فزعين لرد جمالهم فأخذ الفطور وجلس ينتظرهم ، فعلموا أنه هو من فعل ذلك
فعادوا إليها فهرب ، ثم أخذ يتابعهم من مرحلة إلى مرحلة وهو يؤذيهم فقاموا بتغرية
صخرة وجلس عليها فلصق في الصخرة وأتوه بالسيوف فقال : جاءوا بالسيوف المسللة وأنا
ما يقتلني إلا المعاكير المسللة فعكروا عمايمهم بالماء وأخذوا يضربونه حتى انحل
الغراء فهرب .
وتركهم ومضى إلى عجوز
وعمل عندها راعي لغنمها فذبح غنمها فرأت العجوز ذلك فعادت وقد تركته في منزلها
فجمع مواعينها وغطاءها بعمامته وخرج وقد أخذ تمرها وحمارها ، فعادت العجوز ورأت
المواعين مغطاه بالعمامة وحسبته الثعلب
فضربة المواعين فتكسرت .
أما الثعلب فركب
الحمار ومعه التمر وهو يأكل منه حتى وصل إلى صخرة ، فرأته الضبعة فسألته من أين
أتى بالتمر فأخبرها بأنه نطح الصخرة فخرج له التمر فأخذت الضبعة تضرب برأسها في
الصخرة حتى ماتت فحملها في صورة عجوز على
الحمار وأرسل الحمار داخل مزرعة ورأى صاحب المزرعة الحمار والعجوز فغضب وضرب
العجوز فسقطت فخرج الثعلب وزعم أن الفلاح قتل جدته فأخذ الفلاح يرضي الثعلب بعد أن
ملأ الطاقية ذهباً وقد احتال الثعلب وحفر حفرة تحت الطاقية واخذ تلك الأموال ،
ورمى بالجدة المزعومة واخذ يحتال على الناس بأن حماره يخرج نقود الذهب وباع الحمار
بمبلغ كبير من المال ولم اكتشف المشتري الحيلة فبحث عن الثعلب ولم يجده .
أما أبو الحصين فقد
اشترى طاقتين من الحرير وأخذ يعلقها على شجرة ويزعم أنها تنتج الحرير فاشترها رجل
أخر بمبلغ كبير من المال ولكنه حذره بأن لا يحدث أحد بجوار الشجرة ، وهكذا أخذ
الثعلب يضع لفات الحرير في الشجرة في اليوم الأول والثاني فيحملها مشترة الشجرة
ويبيعها ، وفي اليوم الثالث أحدث تحتها الثعلب ، ولم يجد المشتري الحرير في شجرته
فذهب إلى أبي الحصين واخبره بالأمر فذهب الثعلب إلى مع الرجل ودار حول الشجرة
وأراه المخلفات ووعده بأن الشجرة ستعود للنتاج بعد أسبوع ، ليجمع الثعلب جميع
أمواله ويسافر إلى إحدى المدن ويدخل في التجارة ([1]) .
التعليق والمقارنة :
يعرف الثعلب بالروغان
والمكر والخديعة والذكاء وقد قال العرب في الأمثال (أدهى من ثعلب)، ويعرف في القصص
الشعبي بـ (أبو الحصين)، وقد قال الجاحظ في الحيوان وفي مكر الثعلب عند العامة:
((وفي حديث العامة أنه لما كثرت البراغيث في فروته تناول بفيه إما صوفة وإما ليقة
ثم أدخل رجليه في الماء فترفعت عن ذلك الموضع فما زال يغمس بدنه أولا فأولا حتى
اجتمعن في خطمه فلما غمس خطمه أولا فأولا اجتمعن في الصوفة فإذا علم أن الصوفة قد
اشتملت عليهن تركها في الماء ووثب فإذا هو خارج عن جميعها. فإن كان هذا الحديث حقا
فما أعجبه وإن كان باطلا فإنهم لم يجعلوه له إلا للفضيلة التي فيه من الخبث
والكيس.))([2]) ، وقد ذكر
الجاحظ في الحيوان أن الغراب مصادق للثعلب ([3]) ، بينما تنقل ألف ليلة وليلة حكاية يحاول فيها الثعلب
أن يخادع الغراب بمصادقته ولكن في النهاية وبعد ضرب الحكايات يرفض الغراب هذه
الصداقة فينسحب الثعلب وهو حزين لأن الغراب كان أخثر خداعاً من الثعلب ([4]).
وترد القصص الشعبية
الكثير من الحكايات عن الثعلب ومغامراته ، أما حكاية الثعلب مع الغراب ودعوتهما
لبعض فإن الكثير من الحكايات الشعبية تورد
هذه الدعوة بين الثعلب والغراب كما نرى عند الجهيمان والعبودي ومفرج السيد وجوهن
جاكوب هس ([5])، وغيرهم ، مع العلم أن رواية أيسوب تذكر أن الحكاية جرت
بين الثعلب واللقلق وذلك بعد عودة طائر اللقلق من السفر، فدعا الثعلب اللقلق على
العشاء وقدم له الطعام على لوح أملس لم يستطع طائر اللقلق بذلك الأكل لطول منقاره،
فرد طائر اللقلق الدعوة للثعلب ليقدم له إبريقا طويلا مليئا بالحبوب فلم يستطع
الثعلب الوصول إلى الطعام([6]).
وتورد الحكايات
الشعبية ما جرى بين الثعلب والغراب وبحمل الثعلب للغراب ثم حمل الغراب للثعلب في
الجو وهو المشهد الذي نراه في حكايات شعبية مختلفة ، فيقول الجهيمان وفي قصة
(الغراب وأبو الحصين): ((واستمر في التحليق إلى أن ارتفع فوق الأرض كثيراً .. وقال
الغراب لصديقه أبي الحصين ماذا ترى من الأرض فقال إنني أرى مدنها كالقرى وقراها
كالبيت الواحد .. وأرى البيت الواحد كعش الطائر .. فحلق الغراب إلى فوق واستمر في
الصعود إلى أجواز الفضاء .. ثم قال لأبي الحصين انظر إلى الأرض وخبرني بما ترى.!!
فقال إنني أرى الجبال كصخرة صغيرة .. وأرى الوديان كالخيوط السوداء وأرى الأنهار
كخيوط دقيقة من حرير ..
استمر الغراب في
التحليق والصعود إلى أعلا .. ثم قال لصديقه أبي الحصين انظر إلى الأرض واخبرني بما
ترى منها .. فنظر أبو الحصين إلى الأرض وهاله أن لا يميز منها شيئا .. إنما يرى
دخانا أو شبه الدخان .. يملأ الفراغ الذي تحته .. ولا يميز من معالم الأرض كبيراً
ولا صغيراً فأخبر أبو الحصين صديقه الغراب بما رأى .. وفي هذه اللحظة هبط الغراب
هبوطا مفاجئا فتدحرج أبو الحصين من فوق ظهره.))([7]).
وما يشبه هذا المشهد في قصة (أبو نية وأبو
نيتين) قال الجهيمان: ((وحلقت الساحرتان بالرجل .. في جو السماء .. وعندما ارتفعتا
قالتا للرجل ماذا ترى من الأرض فقال إني لا أرى منها إلا جسما في حجم الخيمة ..
وحلقن به إلى أعلى مدة دقائق ثم قلن له ماذا ترى من الأرض فقال إني لا أرى إلا
مقدار العباءة .. وحلقن به إلى فوق.! وفوق.! ثم قلن له ماذا ترى من الأرض فقال
إنني لا أرى شيئاً.!! وعندئذ قلبن الجذع وجعلن عاليه سافله فسقط منه الرجل))([8])، ويرد مشهد مماثل لهذا المشهد في اختراق السماء في
الحكاية الموصلية ( الملك والحشيش السحري ) وإن كان الاختلاف في الحكاية الموصلية
أن الطائر حلق بالبطل ( محمد ) بعد أن حملته لتوصله إلى هدفه ([9]) .
ويرد أيضًا شبيه لهذا
في حكاية ( الشاطر حسن ) فقد حمل الغول الشاطر حسن على ظهره وطار وقال : قديش
بتشوف من الدنيا ؟ قاله قد الغربال ، الغول : قديش تشوف من الدنيا ؟ الشاطر حسن : قد المنخل ، الغول : قديش تشوف من الدنيا ؟
الشاطر حسن : قد القرش .ليطلب الغول منه النزول ([10]) .
وفي التراث الشعبي
المغربي تذكر أن هذه الحادثة التي جرت بين الغراب والثعلب جرت بين بلارج (طائر
كبير طويل الساقين) والذئب وتقول القصة أن بلارج دعا الذئب ليحمله في السماء
وأطمعه في ذلك فركب الذئب فوق ظهر بلارج وطار بلارج وصار يعلو ويعلو، فسأل بلارج
الذئب: كيف تظهر لك الأرض الأن؟ فأجاب الذئب: أراها كمائدة الطعام المستديرة، فأخذ
بلارج يعلو ويعلو وسأل الذئب: كيف تراها الآن، فأجاب الذئب: أراها كالغربال، فطار
بلارج وأخذ يعلو ويعلو، وسأل الذئب: كيف ترى الأرض الآن، فأجاب الذئب: لا أراها يا
عمي بلارج، فرماه بلارج من فوق ظهرة فسقط الذئب في البحر، والقصة تجميع لكثير من
القصص من التراث العربي والشعبي كما أنها شبيهة لقصتنا هذه (قصة الثعلب أبي
الحصين)([11]).
انظر مادة ( الغراب
وأبو الحصين ) .
أما قصة أبو الحصين
وجدته مع المزارع يوردها الجهيمان في قصة (أبو الحصين والضبعة) غير أن الجهيمان
يذكر في البداية محاولات الثعلب لأكل أبناء الضبعة وهي قصة تتشابه مع قصة الذئب مع
أبناء البقيرة والتي ذكرناها في قصة حديدون ما عدا إضافة جزء متداول في القصص
الشعبية يحكي رغبة بطل القصة من البعض توفير طلبه فيطلبون منه توفير المقابل لذلك
ليتم تحقيق طلبه، فالثعلب يمر بالدجاجة لطلب بيضة فتطلب منه حباً فيذهب إلى الفلاح
يطلب حباً فيطلب الفلاح نقوداً فيذهب لأحد الصيارفة فيطلب هذا زبدة البقرة فيذهب
للبقرة فتطلب برسيم فيقوم الثعلب بجلب البرسيم ويسلم لكل صاحب طلب طلبه ويأخذ في
النهاية البيضة من الدجاجة ليدهن ذنبه ليصبح مثل ذنب الضبعة، وليفتح أبناء الضبعة
الباب في النهاية، إلا أن الثعلب في النهاية لم يستطع أكل أبناء الضبعة، ويتخوف من
انتقام الضبعة فيخرج مسافراً ويحمل جدته لتموت الجدة فيستقل الثعلب موتها ويحملها
إلى مزرعة أحد الفلاحين فيضرب الفلاح الحمار وتسقط الجدة الميته فيستغل الثعلب ذلك
ويتهم الفلاح بقتل جدته ويدفع الفلاح دية الجدة بعد امتناع الثعلب في البداية
ليعيش الثعلب عيشاً هانئاً سعيداً وتكتفي رواية الجهيمان على هذا القدر من القصة،
ومن العجيب هنا أن هذه الروايتين رواية الجهيمان وراوية مفرج السيد تبدأن بذكر
الضبعة رغم اختلاف قصة الضبعة في الراويتين .
أما احتيال الثعلب
بالحمار وإخراجه للنقود الذهبية فيرد مثل هذا الاحتيال لدى الأستاذ عبد الكريم
الجهيمان رحمه الله في قصة (جحه مع المرابي) مع فرق أن من قام بذلك هو جحه ولد علي
- وهو شخصية نجديه يظهر أنه شخصية قد تأثرت بجحا العربي - وقد احتال بذلك على
المرابي([12]).
من كتابي ( موسوعة الحكايات الشعبية في المملكة العربية السعودية )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق