نسور لقمان
ذكر الثعالبي أن
العرب تضرب المثل بطول عمر النسر وتزعم أنه يعيش خمسمائة سنة وأن لقمان بن عاد خير
فاختار عمر سبعة أنسر فأوتي سؤله فكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في خربة من الجبل
فإذا استوفى عمره أخذ فرخا آخر فوضعه مكان الآخر إلى آخر النسور وأطولها عمرا
واسمه لبد والذي يقال له نسر لقمان ويضرب مثلاً في طول العمر والبقاء فيقال اتى
أبد على لبد ، قال لبيد :
ولقد
جرى لبد فأدرك جريه
ريب
المنون وكان غير مثقل
لما
رأى لبد النسور تطايرت
رفع
القوادم كالكسير الأعزل
من
تحته لقمان يرجو نهضة
ولقد
رأى لقمان ألا يأتلى([1]).
وفي الأمثال ( أعمر
من لبد ) وهو نسر لقمان العادي سماه لبدا معتقد فيه أنه أبد فلا يموت ولا يذهب ،
ويزعمون أنه حين كبر قال له لقمان : انهض لبد فأنت نسر الأبد .
وتزعم العرب أن لقمان
هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء
سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر ([2]).
وزعموا أن وفد عاد
ومن بينه لقمان بن عاد حين دعوا بمكة أنه قيل لهم : قد أعطيتم مناكم فأختاروا
لأنفسكم إلا أنه لا سبيل إلى الخلد فقال لقمان : أعطني عمرا فقيل له: اختر لنفسك،
إلا إنه لا سبيل إلى الخلد: بقاء ايعار ضأن عفر، في جبل وعر، لا يلقي به إلا
القطر، أم سبعة أنسر إذا مضى نسر حلوت إلى نسر؟ فاختار لقمان لنفسه النسور، فعمر-
فيما يزعمون- عمر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته، فيأخذ الذكر منها
لقوته، حتى إذا مات أخذ غيره، فلم يزل يفعل ذلك، حتى أتى على السابع وكان كل نسر
فيما زعموا يعيش ثمانين سنة، فلما لم يبق غير السابع قال ابن أخ للقمان: أي عم، ما
بقي من عمرك إلا عمر هذا النسر، فقال له لقمان: أي ابن أخي: هذا لبد- ولبد بلسانهم
الدهر- فلما أدرك نسر لقمان، وانقضى عمره، طارت النسور غداة من رأس الجبل، ولم ينهض
فيها لبد، وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب عنه، إنما هي بعينه فلما لم ير لقمان لبدا
نهض مع النسور، نهض إلى الجبل لينظر ما فعل لبد، فوجد لقمان في نفسه وهنا لم يكن
يجده قبل ذلك، فلما انتهى إلى الجبل رأى نسره لبدا واقعا من بين النسور، فناداه:
انهض لبد، فذهب لبد لينهض فلم يستطع، عريت قوادمه وقد سقطت، فماتا جميعا ([3]).
ويذكر الجاحظ أن
الشعراء أكثروا في ذكر النسور واكثر ذلك قالوا في لبد ، وذكر أن النابغة قال :
أضحت
خلاء وأمسى أهلها احتملوا
أخنى
عليها الذي أخني على لبد
فضربه مثلا في طول
السّلامة. وقال لبيد :
لما
رأى صبح سواد خليله
من
بين قائم سيفه والمحمل
صبّحن
صبحا يوم حقّ حذاره
فأصاب
صبحا قائما لم يعقل
فالتفّ
منقصفا وأضحى نجمه
بين
التراب وبين حنو الكلكل
ولقد
جرى لبد فأدرك جريه
ريب
الزّمان وكان غير مثقّل
لما
رأى لبد النسور تطايرت
رفع
القوادم كالفقير الأعزل
من
تحته لقمان يرجو نفعه
ولقد
رأى لقمان أن لم يأتل
وذكر عن الخزرجي قوله
في طول عمر معاذ بن مسلم بن رجاء مولى القعقاع بن شور قوله :
إنّ
معاذ بن مسلم رجل
قد
ضجّ من طول عمره الأبد
قد
شاب رأس الزّمان واختضب ال
دّهر
وأثواب عمره جدد
يا
نسر لقمان كم تعيش وكم
تلبس
ثوب الحياة يا لبد
قد
أصبحت دار آدم خربت
وأنت
فيها كأنّك الوتد
تسأل
عربانها إذا حجلت
كيف
يكون الصّداع والرّمد([4]).
ومن الأمثال التي ترد
عن لبد ( أتى الأبد على لبد ) فلما هلكت عاد ، سأل لقمان بن عاد الله تعالى طول
العمر فخير لقمان بين أن يعيش عمر سبع بقرات سمر من أظب عفر في جبل وعر لا يمسها
قطر أو عمر سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف من بعده نسر فاختار النسور فكان يأخذ الفرخ
حين خروجه من البيضة فيربيه ثمانين سنة هكذا حتى هلك ستة فسمى السابع لبدا ( ولبد
بلسانهم الدهر ) ، فلما كبر وهرم عجز عن
الطيران فكان يقول له لقمان : انهض لبد ، فلما هلك لبد مات لقمان ([5]) .
وقد أورد أسماء نسور
لقمان فذكر أن النسرالأول اسمه ( المصون ) وقد أخذه من مكة والثاني ( العوض )
ووجده بالطائف ، والثالث ( خلف ) ووجدة بالسراة ، أم الرابع فأسماه ( مغيب ) ، أما
السادس فوجده في الصفا وأسماه ( أنس ) ، والأخير أسمه ( لبد ) ووجده بين مكة
والطائف ( فوق الصفا الأسود ) ([6]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق