تصورنا للمعركة
وقبل أن ننهي الحديث عن هذه
الغزوة نورد هنا بعض التصورات التي نستنتجها من أحداث المعركة في غزوة بدر الكبرى
:-
لا أشك أن المسلمين فد
استفادوا من مسارعتهم إلى السيطرة على أرض المعركة في مساء يوم الخميس 16 رمضان [
أو 18 ، 20 رمضان حسب الروايات المختلفة ] قبل دخول كفار قريش إلى بدر في فجر يوم
الجمعة 17 رمضان [ أو 19 رمضان ، 21 رمضان ] ، وفي اعتقادي أن هطول الامطار ربما
ساهمت في تأخير أو تعطيل دخول كفار قريش إلى بدر في يوم الخميس 16 رمضان أو انها لم تسمح لهم
بالنوم في ليلة المعركة عند العقنقل بجوار جبل كراش فدخلوا إلى أرض المعركة وهم
مجهدين وعلى غير اتفاق .
وقد اختار المسلمون أفضل
موقع على أرض المعركة ، يتمشى مع خطتهم الحربية التي تسمح لهم بصد كفار قريش رغم
الفارق العددي بين الجيشين لصالح كفار قريش ، فمن خلال الروايات التي تنقلها كتب
السيرة يتضح منها أن المسلمين قد سيطروا على أماكن المياه ، وكانت الشمس في أظهرهم
بينما كانت الشمس في مواجهة كفار قريش ، ورغم أننا نعتقد أن طبيعة الأرض كانت في الجانبين
أراضي سهلية وبالتالي فإن المسلمين لم يستفيدوا من هذا الجانب من مميزات المعركة
كما يزعم البعض ، إلا إننا نعتقد أنه على الأقل كان موضع تواجد عريش الرسول صلى
الله عليه وسلم كان في أرض مرتفعة ( رابية ) تسمح بالإشراف على المعركة ، كما تحمي
الرسول صلى الله عليه وسلم من أي التفاف من قبل كفار قريش ، كما أنها تسمح له وفي
حال الهزيمة من الإنسحاب إلى المدينة .
ويبدو لنا أن أرض المعركة
امتدت من جنوب مسجد العريش ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في العريش في اعلى
التلة وفي الجنوب الغربي من العريش كانت صفوف المسلمين وقد اتجهت انظارهم نحو
الجنوب الغربي بينما قدم كفار قريش من العقنقل بجوار كراش كما ذكرنا من قبل ، وقد
قدموا رأسًا في ما نعتقد من ذلك الموضع
وحتى حطوا رحالهم في الجنوب الغربي من صفوف المسلمين وكانت ساحة المعركة في
موضع النخيل في خيف بدر وتمتد من مسجد العريش وحتى حدود وادي يليل ( بالغرب من
محطة ابن ناصر ) ، وامتدت المعركة أيضًا إلى المناطق الغربية حيث الكثبان الرملية
وذلك بعد هجوم المسلمون الشامل على كفار قريش وانحلال وضع كفار قريش وتقهقرهم من
ساحة المعركة ، ومحاولتهم الفرار من ذلك الموضع .
وكما قرأنا من قبل فقد أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في صفوف متلاحمة وأن يجثوا على ركابهم صفوفًا
، ويتترس بعضهم عن بعض بصفوف متقاربة وأن ينبلوا بالسهام على قريش حتى يقتربوا
منهم ( وبإمكاننا أن نذكر من بين رماة السهام هؤلاء والذين كانوا في اول الصفوف :
عبد الله بن جبير الأنصاري ، وخراش بن الصمة وأبو طلحة الأنصاري فقد كانوا من
الرماة المعدودين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وعند اقترابهم أن يخرجوا
السيوف للقتال ، وقد كان لهذه الخطة العسكرية تأثيرها الكبير في انتصار المسلمين
كما كان لها أثر كبير في التأثير النفسي على كفار قريش .
وتذكر الروايات أن عتبة بن
ربيعة حاول أن يظهر شجاعته فدعى للمبارزة في أول المعركة وكانت نهاية هذه المبارزة مقتله وأخيه شيبه وابنه الوليد في أرض المعركة ، وبالتالي فقد خسر كفار قريش قائد من
قادتهم ، ويظهر أن مقتل عتبة بما يحمله من قيمة في بني عبد شمس ، كان له تأثيره المعنوي
على بني عبد شمس من قريش ، كما أنه حمل بني مخزوم على الحرص على الدفاع عن أبي جهل
أكثر من مساهمتهم مع بقية بطون قريش في أرض المعركة .
يظهر لنا ومن خلال ما
قرأناه سابقًا من أحداث المعركة أن كفار قريش وعندما دخلوا إلى بدر قد فوجئوا
بالتعبئة الذي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض المعركة ، ورغم ذلك فقد
ازداد حماسهم بعد أن لاحظوا تفوق قواتهم على جيش المسلمين من حيث العدد والعدة ، وقد حاولوا في عدة موجات كسر صفوف المسلمين ولكن بآت محاولاتهم بالفشل نتيجة اتباع المسلمين لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم
في الثبات في مواقعهم وعدم التخلي عن صفوفهم .
ويتبين لي أنه ومع كل موجة
كان كفار قريش يخسرون بعض القتلى إما بسبب رمي السهام أو بالقتل بالسيف او الرماح
من قبل المسلمين - وسوف نتناول هذه النقطة فيما بعد في اخر بحثنا هذا - وعلى ما
يبدو أن هذا كان قد أثر في معنوية كفار قريش ، وبدأ البعض يشعر بأن المعركة في غير
صالحهم ويبدأ في الفرار من ارض المعركة .
ومهما يكن الأمر فيظهر أن
الرسول صلى الله عليه وسلم – وربما بمساعدة بعض مستشارية من الأنصار كالحباب بن المنذر وسعد
بن معاذ وغيرهم - قد تحين الفرصة المناسبة للإنقضاض على كفار قريش بعد أن شاهد
تضعضع صفوف كفار قريش وعلامات الهزيمة بادية عليهم فأمر المسلمين بالهجوم الشامل على
كفار قريش ، فكان هذا الهجوم كاسحًا وقويًا، ويظهر أن هذا الهجوم قد أثر في قريش
وفرق صفوفهم ، وقد حاولت بعض الفرق من قريش أن تدافع عن زعمائهم ومن ذلك بني مخزوم
وكان عددهم كبير ( 180 ) يزيد عن نصف عدد المسلمين ، فحاول بني مخزوم أن يدافعوا
عن أبو جهل بينما حرص المسلمون وبروح قوية من الإيمان ، من التخلص من زعماء الكفر
ولذلك فقد بأت محاولة بني مخزوم بالفشل وقتل أبو جهل وقتل الكثير من المدافعين عنه
( 22 من بني مخزوم ) وأسر نصف هذا العدد ( 13 رجل من بني مخزوم ) تقريبًا .
ويبدو لي أن أحداث المعركة
قد بدأت في صباح يوم الجمعة ( 17 أو 19 أو حتى 21 من رمضان ) ، واشتدت في الساعات
الأولى من ذلك الصباح ، واعتقد أن هجوم المسلمين الشامل كان في العاشرة صباحًا او
ما يقاربها على أكثر تقدير ، وأن هزيمة المشركين تمت عند وقت زوال الشمس أي في ما بين الثانية عشر
والواحدة ظهرًا ، وقد استمر طلب المشركين حتى مغيب الشمس ، وإن كانت رواية الواقدي
تلمح إلى أن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم كان في عصر ذلك اليوم ، ونحن نستبعد
ذلك تمامًا ، ونؤيد تلك الرواية التي تذكر ان بقاء المسلمين في بدر استمر مدة
ثلاثة أيام .
وتذكر روايات كتب السيرة
النبوية أن المسلمين قد انقسمموا إلى ثلاثة أقسام أثناء المعركة قسم لحراسة الرسول
صلى الله عليه وسلم وهم الأقسم الأقل ، ونعتقد أن جلهم من الأنصار ومن بينهم سعد
بن معاذ ، وقسم خاض المعركة ، وقد انقسم هؤلاء بعد الانتصار إلى قسمين قسم قام
بمطاردة كفار قريش ، والآخر قام بجمع المغانم .
ويظهر ان هناك بعض الروايات المحلية التي كانت تنتشر عبر العصور وتتحدث عن أحداث المعركة وتتعارض مع
ما دونته كتب السيرة النبوية في احداث المعركة وتموضع جيش المسلمين وجيش كفار قريش
، وقد سجل بروكهارت هذه الرواية عند زيارته لبدر ، وتزعم هذه الرواية المحلية أن جيش المسلمين انقسم إلى قسمين في مواجهة كفار
قريش قسم بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان تموضعه بجوار سهل بدر وشهداء بدر
وجيش ( قسم احتياطي ) بقيادة علي بن أبي طالب كان بجوار قوز علي ( دف علي ) ،
بينما اتخذ كفار قريش مواقع فوق التل الواقع خلف مقبرة الشهداء ، وتذكر هذه
الرواية أن المعركة كانت في جولتين قتل في الجولة الأولى شهداء المعركة من
المسلمين وتعرض المسلمون فيها لضغط حتى اختبأ الرسول صلى الله عليه وسلم خلف صخرة
كبيرة ، وقام الرسول صلى الله عليه وسلم
بهجومه مرة ثانية وانتصر المسلمون بمعونة السماء عند نزول الملائكة ، وهذه الرواية
وكما ذكرنا تتعارض ما نعرفه من كتب السيرة النبوية ، ورغم ذلك فإن لهذه الرواية
صداها في بعض الدرسات الحديثة عن معركة بدر في وقتنا الحاضر ، مع جزمنا القاطع
بعدم صحتها .
ويتضح لنا من الروايات التي
وصلت إلينا قدرة الرسول صلى الله عليه وسلم على القيادة والتخطيط في أرض المعركة ،
وتتحدث الرويات عن استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابة وقد شاهدنا الحباب
بن المنذر رضي الله عنه وهو يقترح على الرسول صلى الله عليه وسلم اختيار الموضع
المناسب لأرض المعركة وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأيه ، ولا تتحدث الروايات
عن الخطة التي اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم هل كانت من تخطيطه أم أنه
اتبعها بناًءا على ما يقدمه بعض الملمين بالحرب وخاصة من الأنصار كالحباب بن
المنذر وسعد بن معاذ وغيرهم ، ولكن جميع الروايات تلمح إلى أن ذلك كان بتخطيط من الرسول صلى الله عليه وسلم ويتضح ذلك في نزول الرسول صلى الله عليه وسلم لتعديل
الصفوف ، ثم تحينه للوقت المناسب للهجوم على كفار قريش ، والحقيقة أن هذه المعرفة
بالأساليب الحربية من الرسول صلى الله عليه وسلم تفاجئنا بالنسبة لما نعرفه عن
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة فنحن لا نعلم أنه خاض أي معركة إلا ما ذكروه
عن مشاركته في 18 من عمره في حرب الفجار ، هذا بالإضافة إلى الهدوء الذي كانت تنعم
به قريش في مكة والذي جعلها نادرًا ما تخوض أي معركة ، ولكن لا يجب أن نعتمد على
ذلك فقط فقد شاهدنا وطوال السيرة النبوية ما كان يتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم
من أعمال حربية وسياسية تدل على حكمة ومقدرة سياسية وعسكرية تدل على أن له رصيد من
المعرفة العسكرية ومقدرة في التخطيط السياسي والحربي منذ ان كان بمكة المكرمة ،
وإن كانت الروايات ربما لم تنقل لنا ذلك في حديثها عن تلك الفترة من حياة الرسول
صلى الله عليه وسلم ، كما أننا لا ننسى أن قريش قد أنجبت العديد من القادة
البارزين ويكفي ان نذكر في هذا المضمار خالد بن الوليد القائد العظيم في الفتوحات
الإسلامية ، ولذلك فإن كل ما يذكر عن جهل قريش بالحرب والذي يتردد في بعض الرويات
( مثل قول سلمة بن سلامة بن وقش ، وحديث اليهود ) لا يمكن الركون له خاصة وأن الرسول
صلى الله عليه وسلم يصف كفار قريش بأنهم : أولئك الملأ ، لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك
لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم.
في اعتقادنا أن دور الرسول
صلى الله عليه وسلم كان الأبرز في أحداث غزوة بدر فقد كان هو القائد وقد أظهرت هذه
المعركة قدراته القيادية والعسكرية وطوال أحداث المعركة وما قبلها ، والروايات تتحدث فقط عن هذا الدور كقائد ومخطط ، بل إن علي بن أبي طالب والذي كان أحد أبطال المعركة يشهد
للرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان أقرب للعدو من أي شخص من الصحابة ( لما كان يوم
بدر وحضر البأس اتقينا برسول الله فكان من أشد الناس بأسا وما كان منا أحد أقرب
إلى العدو منه ) ([1]) ، وإن كنا لا نعلم مقدار صحة هذه الرواية من عدمه وهذا
ليس من اختصاصنا، ولكن نعتقد ربما أن المقصود بهذه الرواية إن صحت فإنها ربما قد
تشير إلى توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه في أرض المعركة كقائد وليس
كمحارب ، ودليلنا على ذلك أنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خاض معركة
في بدر ولا قتل رجلًا من قريش في ذلك اليوم ، كما أن الصحابة كانوا أحرص على حياة
الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يتعرض للخطر لأنه القائد وصاحب الرسالة ، وما
تورده الروايات في تجهيز الركائب للرسول صلى الله عليه وسلم وما اقترحه سعد بن
معاذ كل هذا يشير إلى ذلك ويؤيد ما نعتقده وترجح ما نراه في هذا الشأن .
ونلحظ ومن الروايات التي
توردها كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في عريشه ومعه أبو بكر الصديق
كالوزير والمدافع عن الرسول صلى الله عليه سلم حسبما تذكر الرواية التي ذكرناها عن
علي بن أبي طالب ، وكانت هناك فرقة كانت تحرس الرسول صلى الله عليه وسلم والغالب
أنها من الأنصار وعلى رأسهم سعد بن معاذ وربما الحباب بن المنذر ، أما بقية جيش
المسلمون فقد كانوا يخوضون المعركة ، وقد انقسم هذا الجيش إلى قسمين بعد انتصار
المسلمون -كما ذكرنا من قبل - فرقة طاردت كفار قريش ، وفرقة اهتمت بجمع
الأسرى والغنائم .
ومن الأبطال الذي كان لهم
دور في المعركة وحسب الرويات : علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وأبو دجانة
ويظهر أنه أحد أبرز أبطال المعركة كما كان أحد الفرسان الأبطال في تاريخ السيرة
النبوية ، وأبو أسيد الساعدي والزبير بن العوام وبلال بن
رباح وعمار بن ياسر وصهيب الرومي وخبيب بن يساف وعاصم بن ثابت وطعيمة بن عدي وأبو
اليسر كعب بن عمر الانصاري .
ومن الروايات التي وصلت لنا
عن بطولة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ما قدمه علي بن أبي
طالب وحمزة بن عبد المطلب في أرض المعركة ، والملاحظ ومن خلال الروايات التي وصلت
إلينا أن هناك تلازم بين علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب أثناء القتال ويظهر
هذا التلازم في عدد القتلى من كفار قريش والذي اشترك في قتلهما علي وحمزة رضي الله
عنهما ، كما تتحدث روايات أخرى عن تلازم علي بن أبي طالب وحمزة كقتل الفارس المدرع
على أحد كثبان بدر والذي يرويها علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وتذكر بعض الراويات أن علي
بن أبي طالب قد قتل 22 رجل من كفار قريش وإن كانت تعدد اختلاف الروايات في نسبة
قتل هؤلاء لعلي أو لغيره من الصحابة ، بينما تذكر رواية عبد الرحمن بن عوف أن أمية
بن خلف قال في حق حمزة : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ، والحقيقة أن الرواة وخاصة في
العصر العباسي قد بالغوا في عدد قتلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنسبوا قتل
كثير من كفار غزوة بدر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن الغريب أن الواقدي
وفي قائمته بقتلى كفار قريش لا يذكر إلا أربعة رجال من كفار قريش لم يتحدث عن من
قتلهم ، وهذا الرقم عدد قليل في اعتقدانا بالنسبة لعدد قتلى كفار قريش ، ونحن
نعتقد أن السهام والرماح والسيوف قد حصدت الكثير من كفار قريش عند هجومهم الأول على
المسلمين ، كما نعتقد أن عدد الأسرى كان أكبر في الساعات الأخيرة قبل انتهاء
المعركة .
ونتساءل بحق إن كانت
القائمة التي يدونها ابن إسحاق والواقدي عن قتلى وأسرى بطون كفار قريش ومساهمة بعض
الصحابة في هذه الأعمال ، إن كانت هذه القائمة بإمكاناها أن تكشف لنا بعض التفاصيل
عن أحداث المعركة وشكل المواجهات التي حدثت في أرض المعركة ، فالروايات التي
توردها كتب السيرة توضح ان تشكيل قريبش كان يعتمد على تمايز البطون والذي نراه
ظاهر في انسحاب بني عدي وبني زهرة قبل المعركة قبل أن يلحظ جيش المشركين ذلك ، كما
نلحظه في دفاع بني مخزوم عن أبي جهل في ارض المعركة .
فمثلا لو تاملنا قائمة إبن
إسحاق في عدد قتلى كفار قريش على يد حمزة بن عبد المطلب فالرواية تذكر انه اشترك
في قتل رجل من بني عبد شمس ( ولا يشمل هذا قتلى المبارزة ) وشارك في قتل رجل من
بني نوفل كما اشترك في قتل اثنين من بني أسد ( ودائما ما تربط هذه الروايات مشاركة
حمزة في قتل هؤلاء ، بعلي بن أبي طالب مما يدل على الملازمة بينهما في أرض المعركة
كما ذكرنا من قبل ) بينما انفرد بقتل رجلين من بني مخزوم ، كما اشترك في قتل رجل
من بني سهم ، فهل بإمكاننا أن نرصد هنا تحركات حمزة بن عبد المطلب في أرض المعركة
وفي مواجهته لبطون كفار قريش ، والملاحظة في هذا الأمر أن حمزة قد انفرد بقتل
رجلين من بني مخزوم فهل قد يدل هذا على أن جبهة حمزة في أول المعركة كانت في
مواجهة بني مخزوم وقد استطاع ان يقتل رجلين منهم في أرض المعركة ولما تضعضع أمر
بني مخزوم ، وبدأت لوائح النصر لصالح المسلمين بدأ حمزة يشارك أصحابه من المسلمين
في قتل المشركين من بعض البطون الأخرى ، الحقيقة أننا لا نجزم بذلك قطعًا ولكن يجب
أن نذكر هنا ان بعض الروايات تؤكد مشاركة علي وحمزة في مواجهة بني مخزوم الذين
دافعوا عن ابي جهل ، وإن كانت هذه الرواية تؤكد ان ذلك حدث بعد استفحل القتل في
كفار قريش .
إن بإمكاننا أن نستنتج ذلك
من القائمة التي يعرضها ابن إسحاق والواقدي اعتادًا على الروايات التي ذكرناه من
قبل وعلى مساهمة بعض الصحابة في قتل بعض كفار قريش في أرض المعركة ، ولكن يجب أن
نذكر هنا أننا إذا تتبعنا هذه القائمة وجدنا أيضًا مشاهد متقاربة لهذا الأمر لدى
بعض الصحابة ومن أمثلة ذلك عمار بن ياسر الذي قتل رجل من بني عبد شمس ورجل من بني
أسد وقتل رجلين من بني مخزوم ورجل من بني جمح فهل يدل هذا على تحرك عمار بن ياسر
أثناء المعركة يتطابق مع تحركات حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وبالمثل تذكر
هذه القوائم .
وقد تحدثنا من قبل عن
التلازم في هذه القائمة وأبرز ما يرد في هذا التلازم ما نراه من تلازم ما بين علي
بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب كما ذكرنا سابقًا ، وتورد قائمة الواقدي وقائمة
ابن إسحاق مشاركة علي بن أبي طالب وحمزة في قتل بعض كفار قريش أو في الاختلاف في
تحديد من قتل بعض رجال قريش ما بين علي وحمزة ونرى ذلك في قائمة ابن إسحاق
والواقدي ولربما مرجح ذلك هو التلازم الذي كان بين علي بن أبي طالب وحمزة في ارض
المعركة ، كما نرى أيضا مشاركة حمزة مع علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ( في مواجهة
بني عبد شمس ) ، ومشاركة حمزة وسعد بن أبي وقاص ( في مواجهة بني سهم ) ، وحمزة
وثابت بن الجذع ( في مواجهة بني أسد ) .
وتذكر القائمة أن أبا اليسر
قد قتل رجلين من بني سهم ، وأنه أسر العباس بن عبد المطالب فهل يدل هذا على أن
العباس كان في صفوف بني سهم في أرض المعركة في ذلك اليوم .
ومهما يكن الأمر ، فالحقيقة
التي نراها من هذه القوائم التي عرضها الواقدي وابن إسحاق أهم ما توضحه أن بين
مخزوم وبني عبد شمس هما أساس جيش قريش في أرض المعركة في بدر ويدل على هذا عدد
القتلى والأسرى من بني مخزوم وبني عبد شمس [ عدد القتلى من عبد شمس ( 14 ) في
رواية الواقدي وابن إسحاق ، ومن بني مخزوم ( 18 ) في رواية ابن إسحاق ، و ( 17 )
في رواية الواقدي ] ، وكذلك ما ترويه الروايات
أيضًا عن أحداث المعركة .
ويتبادر لنا سؤال لطالما
أثار الاستفاهم لدينا وهو ما عدد قتلى كفار قريش عند هجومهم الأول وعندما كان
المسلمون في وضع الدفاع ، إنك إن اطلعت على خبر قتلى كفار قريش في أرض المعركة
فستستنتج أن جميع قتلى كفار قريش قد قتلوا عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
المسلمين بالهجوم على كفار قريش ، ما عدا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة والذين قتلوا
في المبارزة ، فلا يرد خبر يتحدث عن قتلى كفار قريش في هجومهم الأول وبالأسهم أو
الرماح ، فهل بإمكاننا أن نستنتج أن القائمة التي يوردها الواقدي وابن إسحاق غير
كاملة أو أنها لا تتحدث إلا عن عدد قتلى كفار قريش المعروفين في أرض المعركة ، أو حتى
أنه نسب لبعض الصحابة كعلي بين أبي طالب بعض القتلى والذين قتلوا في أول المعركة
وعند هجوم كفار قريش .
إن كل هذا محتمل ، ويزيد من
اعتقادنا بذلك أن المصادر تتحدث عن أن عدد كفار قريش كانوا يزيدون عن تسعمائة رجل
، والقائمة التي يوردها الواقدي عن الأسرى والقتلى لا تتجاوز المئتين رجل ( 70 من
القتلى و70 من الأسرى ) ، فهل من المنطقي أن يفر سبعمائة رجل من أرض المعركة وعدد
المسلمون لا يتاجوزون نصف هذا العدد ( 313 رجل ) .
إن هذا في اعتقادنا من
المحال فلا زال كفار قريش أكبر عددًا وعدة في أرض المعركة ولا نجد من مبرر لهذا
الفرار ، ونحن نطرح هنا عدة احتمالات لتفسير هذا الأمر :-
1- أن عدد جيش كفار قريش قد يتفوق على عدد جيش
المسلمين من حيث العدد ولكنه لا يبلغ هذا التفوق حد الضعف أو إلى ثلاثة أضعاف .
ويطرح البعض هذا الرأي ويرى
أن عدد كفار قريش ربما لا يتجاوزون الستمائة رجل في أرض المعركة معتمدين على
انسحاب بني عدي وبني زهرة ، والحقيقة أن الروايات تؤكد على عدد كفار قريش
التسعمائة في أرض المعركة كما أنه من غير المنطقي أن يغامر كفار قريش بمهاجمة
منطقة أقرب إلى المدينة بجيش مكون من ( ستمائة رجل ) بل إننا نعتقد على العكس من
ذلك أن عدد ألف رجل من كفار قريش هو عدد قليل لقبيلة تمتلك التجارة والعدد والعدة
والسلاح مع علاقات من التحالف مع القبائل الأخرى ، كما ان المواجهات التي حدثت بعد
ذلك بين المسلمين وكفار قريش في أحد والخندق كانت تؤكد على أن المسلمون كانوا
يواجهون قوات تفوقهم ثلاث مرات من حيث العدد ، وهذا منطقي في حساب التوازن بين
المدينة ومكة وبين مدينة أفنتها الحرب ( المدينة ) ومدينة مستقرة تجاريًا وماديًا
وسياسيًا ( مكة ) .
2- أن تكون السهام والرماح
قد حصدت الكثير من كفار قريش في هجومهم الأول وبإعداد كبيرة وربما تبلغ المئات ، كما أن عدد كفار قريش وأسراهم أثناء المعركة كان أكبر مما تذكره قائمة الواقدي
وابن اسحاق بأضعاف مضاعفة وما سجل في القائمة إنما هو عدد القتلى من كفار قريش ممن
حفظته الذاكرة ، وهذا الاحتمال وارد كثيرًا وإن كانت الروايات لا تشير إليه.
3-إن كفار قريش قد فوجئوا بقدرات المسلمين العسكرية
والتنظيمية ومن وحماسهم الديني ، وزاد من ذلك
مقتل رجالهم وقادتهم والتي حطمت معنوياتهم ، فكان ذلك سببًا للفرار الكبير من
كفار قريش ممن لا يملكون القدرة ولا القيادة وهو احتمال وارد وقوي وهو الذي نرجحه .
وأيهم كان السبب في تفسير
ذلك أو في ترجيح احتمال على أخر ، إلا أننا نعتقد وكل المؤمنين يعتقدون ودون
جدال أن الله عز وجل نصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان نزول الملائكة أحد الأسباب العظيمة في
هذا النصر المؤزر الذي حدث في غزوة بدر الكبرى والتي كانت فرقانًا في تاريخ السيرة
النبوية وكانت لحظة تاريخية خالدة ، ويكفي بدرًا أن الله عز وجل انزل فيها هذه الآية
الآيات الكريم : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ
أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ
مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى
لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)} [آل عمران: 123 - 126] . وصدق الله في محكم
كتابه وهو خير الصادقين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق