هو سكن أو جني العين .. يعرف في منطقة وادي
الصفراء بمنطقة المدينة المنورة ونواحيها ..
ويزعمون انه هو الذي
يطلق العين ويزيد من جريانها ، حتى يقال ان اهل الخيوف كانوا يأخذون في كل عام
بقرة ويدورون في الخيف ومحل ما تربض يذبحونه ويوزعون على الناس ويقال أن العين
تنطلق من جراء ذلك ويزيد ماؤها .. ويقال أنه في أحد الأعوام ذبحوا بقرا ولم تحدث
زيادة في العين وبقال أن رجلا اغتسل في فقير الماء فوجد شافان ، وشافان هذا هو سكن
العين كما يقولون فقال شافان للرجل : أخبر أهل الخيف أن يذبحوا لي العادة فالماء
الذي يصل إليكم يتخلل من أصابع يدي . فقال الرجل : لقد ذبحنا بقرا . فقال شافان :
أنا ثور وتذبحون لي ثورا مثلي ! اذبحوا بقرة ..
فأخبر الرجل أهل
الخيف فذبحوا بقرة فجرى الماء ..
ويذكرون ايضا ان بعض
النساء يخرجن في يوم العيد إلى شعب البنات وهو بشرق البلد (بدر) فيغنين ويرقصن
وعند عودتهن يعرجن على فقير للعين يقال أن شافان به فينشدن قائلات :
يا
شافان يابو القلايد
يا
شافان جيناك نعايد
ويسمعن خضخضة بالعين
وكأن شخصا يرقص على النشيد([1]) .
ويقول مفرج السيد : (
ويقال أن بعض النساء كن عائدات من العين ( عين بدر ) فسمعن صوتاً في السدره التي بجانب العطن فقلن :
ما هذا . فقالت امرأة باستهزاء : هذا
عياده يقرط سدره ( أي يقطف ريش سدره ) ، وعندما أنفردت عن رفيقاتها لتذهب إلى
بيتها وجدت شَافَان أمامها فلم يزل يتهول لها حتى فقدت عقلها وجنت . ) ([2]).
ومما يذكر انه ايضا وفي
مدينة بدر وفي نخيل العطن والعطين سكن اسمه عيادة ، هكذا يقولون .
ويظهر ان لهذه شهرة قديمة من ان في العيون
والأبار جن وعمار يسكنونها وقد ذكر الجزيري في رحلته درر الفوائد ان مضيان شيخ بني
سالم ذكر له في الروحاء ان البئر التي تملأ فيه الفسقية للوفد لا يدخلها الجمل
الأعور ولا الذي في لونه شيء من السواد ولا ما يشوبه من الحرام ، وإذا دخل ما فيه
الصفات المذكورة للعمل وقف وتغلب وعوكس حركاته ، وعلل السبب بذلك ان في البئر من
العُمار الجان المسلمين ، وذكر ان لهم عادة في كل سنة عند تجهيز السقاية وملء
الفسقية للوفد ، في أنهم يذبحون غرا محجلة تذبح فوق طرف البئر ويطلق في البئر شيء
من دمها وتؤخذ أجزاء من لحمها تدفن في الساقية ، ويبخر المحل بعود الطيب أو ما
أشبهه من الرائحة الطيبة ، وإن لم يفعل ذلك وقفت حركتها ، وذكر للجزيري ان
المتداول عند أهل الوادي أن البئر المذكورة أصلها بناء فرعون من الفراعنة وأنها
مشهورة عندهم ببئر ذات العلم ([3]) .
وقد قال الشبلي في كتاب آكام المرجان : ( قال يحيى بن
يحيى قال لي وهب استنبط بعض الخلفاء عينا وأراد إجراءها وذبح للجن عليها لئلا
يغوروا ماؤها فأطعم ذلك أناسا فبلغ ذلك ابن شهاب فقال إما إنه قد ذبح ما لم يحل له
وأطعم الناس ما لا يحل لهم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ما ذبح للجن .
قال الطليطلي وأخبرني يحيى بن يحيى عن ابن وهب عن يونس
عن ابن شهاب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ما ذبح للجن وعلى اسمهم
ونقلت عن خط الشيخ العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الحنبلي قال
وقد وقعت هذه الواقعة بعينها في مكة سنة إجراء العين بها فأخبرني إمام الحنابلة
بمكة وهو الذي كان إجراؤها على يده وتولى مباشرتها بنفسه نجم الدين خليفة بن محمود
الكيلاني قال لما وصل الحفر إلى موضع ذكره خرج أحد الحفارين من تحت الحفر مصروعا
يتكلم فمكث كذلك طويلا فسمعناه يقول يا مسلمين لا يحل لكم أن تظلمونا قلت أنا له
وبأي شيء ظلمناكم قال نحن سكان هذه الأرض ولا والله ما فيهم مسلم غيري وقد تركتهم
ورائي مسلمين وإلا كنتم لقيتم منهم شرا وقد أرسلوني إليكم يقولون لا ندعكم تمرون
بهذا الماء في ارضنا حتى تبذلوا لنا حقنا قلت وما حقكم قال تأخذون ثورا فتزينوه
بأعظم زينة وتلبسونه وتزفونه من داخل مكة حتى تنتهوا به إلى هنا فاذبحوه ثم اطرحوا
لنا دمه وأطرافه ورأسه في بئر عبد الصمد وشأنكم بباقيه وإلا فلا ندع الماء بجري في
هذه الأرض أبدا قلت نعم أفعل ذلك قال وإذا بالرجل قد أفاق يمسح وجهه وعينيه ويقول
لا إله إلا الله أين أنا قال وقام الرجل ليس به قلبة فذهبت إلى بيتي فلما اصبحت
ونزلت أريد المسجد إذا برجل على الباب لا أعرفه فقال الحاج خليفة ههنا قلت وما
تريد به قال حاجة أقولها له قلت له الحاجة وأنا أبلغه إياها فإنه مشغول قال لي قل
له إني رأيت البارحة في النوم ثورا عظيما قد زينوه بأنواع الحلي واللباس وجلوا به
يزفونه حتى مروا به على دار خليفة فوقفوه إلى أن خرج ورآه وقال نعم هو هذا ثم أقبل
به يسوقه والناس خلفه يزفونه حتى خرج به من مكة فذبحوه وألقوا رأسه وأطرافه في بئر
قال فعجبت من منامه وحكيت الواقعة والمنام لأهل مكة وكبرائهم فاشتروا ثورا وزينوه
والبسوه وخرجنا به نزفه حتى انتهينا إلى موضع الحفر فذبحناه وألقينا رأسه وأطرافه
ودمه في البئر التي سماها قال ولما كنا قد وصلنا إلى ذلك الموضع كان الماء يغور
فلا ندري أين يذهب اصلا ولا ندري له عينا ولا أثرا قال فما هو إلا أن طرحنا ذلك في
البئر قال وكأني بمن أخذ بيدي وأوقفني على مكان وقال احفروا ههنا قال فحفرنا وإذا
بالماء يموج في ذلك الموضع وإذا طريق منقورة في الجبل يمر تحتها الفارس بفرسه
فأصلحناها ونظفناها فجرى الماء فيها نسمع هديره فلم يكن إلا نحو أربعة أيام وإذا
بالماء بمكة وأخبرنا من حول البئر أنهم لم يكونوا يعرفون في البئر ماء يردونه فما
هو إلا أن امتلأت وصارت موردا قال العلامة شمس الدين وهذا نظير ما كان عادتهم قبل
الإسلام من تزيين جارية حسناء وإلباسها أحسن ثيابها وإلقائها في النيل حتى يطلع ثم
قطع الله تلك السنة الجاهلية على يدي من أخاف الجن وقمعها عمر بن الخطاب رضي الله
عنه وهكذا هذه العين وأمثالها لو حفرها رجل عمري يفرق منه الشيطان لجرت على رغمهم
ولم يذبح لهم عصفور فما فوقه ولكن لكل زمان رجال قال وهذا الرجل الذي أخبرني بهذه
الحكاية كنت نزيله وجاره وخيرته فرأيته من أصدق الناس وأدينهم واعظمهم أمانة وأهل
البلد كلمتهم واحدة على صدقة ودينه وشاهدوا هذه الواقعة بعيونهم والله الهادي للحق
) ([4]).
وما يشبه كلمة ( شافان ) كلمة ( شامان ) وتعني الساحر
والتي لها علاقة بدين الشامانية لدى الأتراك القدماء في القرون الأولى ومناطق
سيبريا ومنغوليا ووسط اسيا فالشامان عندهم كالعزيز والقديس عند النصارى فكانوا
يعتقدون ان الشامان يعلم الغيب ويتصرف في أحوال الجو فينزل الغيث ويرسل الرياح متى
شاء ويمنع الآفات ويسلط المصائب والأهوال على من يشاء ، ويعتقد في شامانيهم انهم
يتصلون بإله السماء فيتلفون منه الوحي ، وان من أراد ان يكون له حظ في هذه المكانة
بينهم نزح إلى خلوة ومارس الرياضة على الطريقة الصوفية فأصبح شامان بعد مدة فيحذر
الناس من لعنته وينظرون له نظرة إجلال ، وأن الشامانيون يقومون بمداواة المرضى
وإعادة روح المريض في غيبوبته حيث يذهب الشامان إلى عالم الأرواح ويسيطر على
الكائنات خاصة المرض والموتى ويخرج الأرواح الشريرة من الجسد فالشامان يشبه طارد
للأرواح([5])
، وفي اعتقادي أن ربط ما بين الكلمتين ورغم تقارب اللفظ وشيء من المعنى وخاصة
إرسال الغيث ، هو ضرب من التخمين والذي لا
أويده ولا استحبه ، ففي اعتقادي أنه من
الصعب أن يتم ربط اعتقاد ظهر لدى الأتراك في وسط أسيا و في زمن من الأزمان بمعنى
أخر غير منتشر ولا مشهور وفي منطقة نائية بجزيرة العرب ، وإنما سجلنا هذا لضرب
أمثلة حول التشابه الذي قد يحدث بين اعتقادين في مناطق مختلفة من العالم رغم ضعف
الرابط ما بينهما من ناحية التأثير
والتأثر .
([1])مفرج
السيد ، بدر ووادي الصفراء عادات وتقاليد حكايات وذكريات ، ص 204 ، دار المفردات .
وأخذنا أيضًا من بعض بحوثه المخطوطة لدينا .
([3])
الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة مج 2 ص 273 ، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل ، دار الكتب
العلمية ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1422هـ / 2002 م
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق