الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

أبضعة أبنة ذي الأعواد


أبضعة ابنة ذي الأعواد



يزعمون أن أبضعة اسم ملكة ملكت بعد إخوتها الأربعة : مخوس، ومشرح، وجمد، وأبضعة ؛ وأختهم العمرّدة ، بن معد يكرب بن وليعة الكندى ملوك حضرموت ، وفي بعض الروايات أنهما من بني عمرو بن معاوية ، والملاحظ أن اسم الأخ الرابع ( أبضعة ) فهو أحد الملوك الأربعة ولكن بعض الروايات زعمت أن أسم هذه الأخت أبضعة ابنة ذي الأعواد  وأنها ملكت بعد مهلك إخوتها الأربعة بعد محاولتهم غزو الكعبة في زمن فهر بن مالك .
ففي بعض المصادر أنها اسم ملكة يرد عند الأخباريين العرب ويزعمون أنها ملكة ملكت بعد مرثد بن عبد بن تبع الأقرن المعروف بذي الأعود ، وزعموا أنه لما هلك مرثد ملك من بعده أولاده وكانوا أربعة مشتركين في الملك وذلك في زمن فهر بن مالك فخرجوا إلى مكة ليقلعوا الحجر الأسود ويبتنوا بيتاً بصنعاء يكون حج الناس إليه فاجتمعت كنانة وقلدوا أمرهم فهر بن مالك والتقوا فقتل ثلاثة من الملوك وأسر الرابع ولما أسر هؤلاء ملكت بعدهم أختهم أبضعة ابنة ذي الأعواد ، وكانت فاجرة فقتلها قومها ، ثم ملك بعد أولاد ذي الأعود ملكيكرب بن عمرو بن سعد بن عمرو ([1]) .
وتذكر رواية اخرى ان النبي صلى الله عليه وسلم انه لعن الملوك الأربعة ولعن أختهم ابضعة لما هموا بنقل الحجر الأسود إلى صنعاء ليقطعوا حج العرب عن البيت الحرام إلى صنعاء ، وأنهم توجهوا إلى مكة فاجتمعت كنانة إلى فهر بن مالك ابن النضر فلقيهم فقاتلهم فقتل ابن لفهر يسمى الحارثة وقتل من الملوك الأربعة ثلاثة وأسر الرابع فلم يزل مأسوراً عند فهر بن مالك حتى مات ، وأما ابضعه فهي التي يقال لها العنقفير ملكت بعد إخوتها باخبث سيرة ، وكانت تتخير الرجال على عينها فمن أعجيها دعته إلى نفسها فوقع بها لا احد ينكر عليها ، حتى ابصرت فتى من قيس فأعجبها فدعته فوقع بها فالقحها غلامين في بطن فسمت أحدهما سهلا والآخر عوفا وفي ذلك يقول شاعر من شعراء قيس:
وذي تومه في اذنه وضفيرة
وسيم جميل لا يخيل مخايله
إذا ما رأته قيلة حميرية
تجر له حبل الشموس تهازله ([2])
والرواية وعلى هذا الشكل وما تتحدث عنه من رغبات ونزوات بعض الملوك  تنتشر في في كثير من المصادر العربيةعن العصر الجاهلي لأكثر من ملك من ملوك ذلك العصر وإن كانت هنا تحكي عن رغبة نسائية ملكية للرجال .
وقد حدد حمزة الاصفهاني زمن الملوك الأربعة وأختهم أبضعة في زمن هرمز بن شابور ( هرمز الأول 272 273 م )  وكان ملكه ثلاثة وستين سنة ( كما زعم ) كما حدد ملك ذي الأعواد في زمن شابور بن أردشير ([3]) .
وهناك رواية أيضاً تتحدث عن غزو مكة تتشابه مع هذه الرواية وإن كانت تذكر ان من قام بعملية الغزو هو حسان بن عبد كلال بن مثوب ذي حرث الحميري وقد أقبل إلى مكة لنقل أحجار الكعبة حتى نزل بنخلة ، فجمعت قريش كنانة وأياد وجذام ومن كان معهم من أفناء مضر ورئيس القوم فهر بن مالك فاقتتلوا وانهزمت حمير وأسر حسان بن عبد كلال ملك حمير اسره الحارث بن فهر وأسر حسان بمكة وبقى مدة ثلاث سنين حتى افتدى منهم بنفسه فخرج به فمات بين مكة واليمن ([4]) .
ويظهر أن هؤلاء الملوك الاربعة إنما هم من أقيال اليمن وممن ينسب إلى كندة وكانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا في زمن فهر كما تزعم تلك الروايات ، فقد ذكرت بعض المصادر اسماء الملوك الأربعة واختهم وهم : مخوص " مخوس " ومشرح وجمد " حمده " وأبضعة وهم بنو معد يكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية الملقبين بلقب الملوك وكان كل واحد منهم قد اختص بواد ملكه ولقب نفسه بلقب ملك وقد نزلوا المحاجر وهي احماء حموها وقد عرف هؤلاء الملوك الأربعة من بني عمرو بن معاوية وقد لعنهم النبي وعرفوا بـ " بني وليعة " ملوك حضرموت وقد جاءوا إلى الرسول مع وفد كندة فأسلموا ، وقد ذكر ياقوت الحموي ان بني معد يكرب بن وليعة وهم : مخوص ومشرح وجمد وأبضعة كانوا يسمون ملوكا لأن كان لكل واحد واد يمكله ([5])، و قد ذكرهم ابن كثير من وفود حضرموت وذلك في السنة التاسعة من الهجرة ([6]) .
وذكر ابن خلدون انه قدم مع وفد كنانة وفد حضرموت وهم بني وليعة وملوكهم جمد ومخوس ومشرح وأبضعة فأسلموا ودعا لمخوس بإزالة الرتة من لسانة ([7]) .
وقيل وكان "مخوص" "مخوس" ومشرح وجمد وأبضعة بنو معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية من سادات كندة عند ظهور الإسلام ([8]).
وقال الجاحظ في البرصان والعرجان : ((ابن الكلبي، عن مولى لبني هاشم، عن أبي عبيدة من ولد عمّار ابن ياسر قال: وفد مخوس  بن معد يكرب بن وليعة الكندى على النبي عليه السلام في نفر من قومه، ثم خرجت من عنده فأصاب مخوسا اللّقوة، فرجع بعضهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا سيّد العرب، أصابته اللّقوة فادللنا على دوائه. قال: «خذوا مخيطا فأحموه في النّار ثم اقلبوا شفر عينيه. ففيها شفاؤه  . والله أعلم بما قلتم حين خرجتم من عندي » .
فبرأ وقتل يوم النّجير  . وأنشد عوانة في عمرو بن سعيد :
وعمر ولطيم الجنّ وابن محمد
بأسوأ هذا الأمر ملتبسان  )) ([9]) .
وفي العقد الفريد : (( فمن بني حجر الفرد الملوك الأربعة: مخوس، ومشرح، وجمد، وأبضعة؛ وأختهم العمرّدة، بنو معد يكرب بن وليعة بن شرحبيل بن حجر الفرد؛ وهم الذي يقول فيهم الشاعر:
نحن قتلنا بالنّجير أربعه
مخوس مشرحا وجمدا أبضعه  )) ([10])
وفي نهاية الأرب في فنون الأدب: (( قدم وفد حضرموت مع وفد كندة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم بنو وليعة ملوك حضرموت ؛ جمد ، ومخوس ، ومشرح ، وأبضعة ، فأسلموا ، وقال مخوس : يا رسول الله ، ادع الله أن يذهب عني هذه الرّتّة من لساني . فدعا له ، وأطعمه طعمة من صدقة حضرموت )) ([11]).
وتذكر مصادر انهم كانوا من بني عمرو بن معاوية وانهم خرجوا إلى المحاجر وهي الحمى فنزل جمد محجرا ومخوض محجرا ومشرح وابضعة محجرا واختهم العمردة محجرا وكان ذلك في زمن الردة ومنعوا الصدقة وأن زياد بن لبيد بيت القوم فأصابوا مشرحا ومخوصا وجمدا وأبضعة وأختهم العمردة وادركتهم اللعنة وقتلوا فأكقروا ووهنت بنو عمرو بن معاوية ([12])، وقيل أن المهاجر بن أبي أمية المخزومي ومعه زيد بن لبيد مع قوم من كندة أتوهم في النجير وقتلوا من ملوك كندة مشرحا ومحوشا وجمداً وأبضعة وبني معد يكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية وذلك في سنة 12 هـ وقال رجل من المسلمين:
نحن قتلنا الملوك الاربعة
مشرحاً ومحوشاً وجمداً وأبضعه ([13]).
وقد قال ابن الأثير في حوادث سنة 12هـ : " وفيها كان قتل الملوك الأربعة حمد ومحرس وأبضعة ومشرحا، وأختهم العمردة الذين ورد الحديث في مسند أحمد بلعنهم. وكان الذي قتلهم زياد بن لبيد الأنصاري. " ([14]) ، كما ذكر ابن كثير من ان علي بن عبد الله بن عباس كانت امه زرعة بنت مسرح بن معد يكرب الكندي أحد الملوك الأربعة الأقيال المذكورين في الحديث الذي رواه أحمد وهم مسرح وحمل ومخولس وأبضعة وأختهم العمردة ([15]).
ومن هذه النصوص يتضح ان أبضعة [ أو أبصعة  ،  كما في اللسان وتاج العروس ([16]) ]  هو أحد الملوك الأربعة وأن أسم أختهم هي العمردة ، وقيل ان اسمها العنقفير [ العنقفير في اللغة الداهية ويقال : غول عنقفير ، والعنقفير : المرأة السليطة الغالبة بالشر ([17])] .
وهذه الرواية عن هؤلاء الملوك الاربعة مع اخوته هي نموذج أو مثال على مقدار الخلط والإبتكار في روايات الإخباريين عن العصر الجاهلي والإسلامي ، ونحن نرى أن هؤلاء الملوك المزعومين أن صح الخبر عنهم إنما كانوا من رؤساء أحد القبائل في كندة والذين انتقلوا إلى حضرموت وكانوا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ووفدوا عليه ثم ارتدوا بعد وفاة الرسول وكانوا من قتلى حروب الردة ( سنة 12هـ )، إلا إن الأخباريين ونتيجه لولعهم بالغريب عدوا هؤلاء من ملوك حمير و الذين قاموا بغزو مكة في زمن فهر ثم ابتكروة قصة أبضعة أختهم المزعومة وروا لها تلك الرواية التي لطالما انتشرت عند الإخباريين عن العصر الجاهلية وملوكه وعن رغبات بعض الملوك الجنسية أو بعض بنات الملوك وقد شاهدنا ذلك في قصة الحضر وابنة الضيزن ، وفي قصة سعدى بنت ذي الأذعار وفي قصة ذو نواس مع لخنيعة ينوفة ذو شناتر وفي قصة بلقيس مع ذو الأذعار  وفي قصة عمليق ملك طسم مع بنات جديس وغيرها من القصص والتي أصبحت قصص مألوفة من أهل الأخبار   . 


([1]) انظر نهاية الأرب في فنون الأدب ج 15 ، 230 ، ط1 ، دار الكتب العلمية .
([2]) انظر الاخبار الطوال ص 40 ، ط 1 ، دار أحياء الكتاب العربي .
([3]) انظر تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الاصفهاني ص 103 ، دار مكتبة الحياة ، 1961 م .
([4]) انظر المفصل لجواد علي ج 7 ص 16 ، 17 ، ط4 ، دار الساقي .
([5]) انظر المفصل لجواد علي ج 3 ص 155 ، ط4 ، دار الساقي .
([6]) انظر البداية والنهاية ج 5 ص 95 ، دار الفكر ، 1407 / 1986 م .
([7]) انظر تاريخ ابن خلدون ج 2 ث 476 ، ط 2 ، دار الفكر .
([8]) انظر المفصل لجواد علي ج 6 ص 71 ، ط4 ، دار الساقي .
([9])البرصان والعرجان ص 430 ، ط 1 ، دار الجيل ، 1410هـ .
([10]) العقد الفريد ج 3 ص 340 ،
([11]) انظر نهاية الأرب في فنون الادب ج 18 ص 72 ، ط1 ، دار الكتب العلمية .
([12]) انظر تاريخ الطبري ج 3 ص 334 ، ط2 ، دار التراث ، وانظر الكامل في التاريخ ج 2 ص 231 ، ط 1 ، دار الكتاب العربي  .
([13]) انظر المناقب المزيدية ص 78 ن 79 ، ط1 ، مكتبة الرسالة الحديثة .
([14]) البداية والنهاية ج 6 ص 342 ، دار الفكر .
([15]) انظر البداية والنهاية ج 9 ص 320 ، دار الفكر .
([16]) انظر مادة ( بصع ) من تاج العروس ولسان العرب .
([17]) انظر تاج العروس ج 13 ص 117 ، دار الهداية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق