السبت، 29 ديسمبر 2018

أيوب بن القرية


أيوب بن القِريّة


أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي ، وقيل أيوب بن يزيد بن قيس بن زرارة بن مسلم النمري الهلالي ، أحد بلغاء الدهر في العصر الأموي ، خطيب يضرب به المثل فيقال ( أبلغ من ابن القرية ) والقرية أمه واسمها خماعة بنت جشم  ، كان أعرابياً أمياً ، يتردد إلى عين التمر ( غربي الكوفة ) ، فاتصل بالحجاج فاعجب بحسن منطقه فأوفده على عبد الملك بن مروان ، ولما خلع ابن الأشهث الطاعة بسجستان بعثه الحجاج إليه رسولاً فالتحق به وشهد معه وقعة دير الجماجم (بظاهر الكوفة) وكان شجاعا فلما انهزم ابن الأشعث سيق أيوب إلى الحجاج أسيرا، فقال له الحجاج: والله لأزيرنك جهنم! قال: فأرحني فاني أجد حرها!، فأمر به فضربت عنقه. ولما رآه قتيلا قال: لو تركناه حتى نسمع من كلامه!، وأخباره كثيرة وكانت وفاته في سنة 84هـ ( 703 ) وذكر ابن خلكان عن الأصفهاني أن من الناس من أنكر وجوده ووجود مجنون ليلى وابن أبي العقب صاحب الملحمة ([1])، وتذكر المصادر التاريخية أن قتله كان في سنة 84هـ وأنه كان مع ابن الأشعث وكان يدخل على حوشب بن يزيد وهو عامل الحجاج على الكوفة حتى أتاه كتاب الحجاج يدعوه إلى بعث ابن القرية فبعثه إلى الحجاج وقتل الحجاج ابن القرية ([2]) ، بينما يذكر المسعودي في مروج أن قتله كان في سنة 82هـ ([3]).
وتنسب لابن القرية بعض الكلمات المسجوعة البليغة ومن أشهرها تلك المحاورة التي جرت بين الحجاج وابن القرية في وصف البلدان ، وذلك بعد هزيمة ابن الأشعث واعتقال ابن القرية وقد كان الحجاج قد أرسله إلى ابن الأشعث فستماله ابن الأشعث حتى انظم إليه وأصبح وزيرا ومشيرا لابن الأشعث ثم يذكر الحجاج في حواره ذلك ، وهذه الحوار والذي قتل فيه الحجاج ابن القرية يسأل فيه الحجاج ابن القرية عن بعض البلدان كالهند ومكران وخرسان واليمن وعمان والبحرين ومكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام كما يذكر أبو حتيفة الدينوري ([4])، وقد توسعت الرواية فيما بعد لتشمل بلدانا أخرى ومدن جديدة وكان من أشهرها المقولة الشهيرة عن مصر : عبيد من غلب ، كما نراها في رواية ابن خلكان ([5])، وفي بعض الروايات تذكر أن هذه المقولة ( عبيد من غلب ) إنما تصف قريش وان قائلها النعمان بن قبيصة الطائي أثناء الفتوح الإسلامية ([6])، وقد أضيف لتلك المقولة والتي تصف مصر: أكيس الناس صغارا وأجهلهم كباراً ([7])، لترتبط هذه الرواية عن وصف مصر بمقولة أخرى في وصف مصر تقول (( نيلها عجب وأرضها ذهب وخيرها جلب وملكها سلب ومالها رغب وفي أهلها صخب وطاعتهم رهب وسلامهم شغب وحربهم حرب وهي لمن غلب  )) وقد رواها المسعودي في مروج الذهب على هذا النحو وذكر أن قائلها شخص مجهول الهوية ( ووصف أخر مصر ) ([8]) ، لتكون هذه الرواية النواه للمقولة المشهورة التي تصف مصر والتي تنتشر في مواقع الإنترنت والتي تنسب زوراً إلى عمرو بن العاص والتي تقول ( نيلها عجب ونساؤها لعب ورجالها عبيد لمن غلب ) ، فنرى مقولة المسعودي المذكورة قد ذكرت وحورت بعض الشيء عند المناوي ( ت : 1031 هـ ) لتكون على النحو التالي : ( قال بعض الحكماء : نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود   ) ([9])، وقد وافقه سليمان الجمل المتوفي سنة 1204 في حاشيته ( فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب ) في ذكر المقولة ، وبعد أن ذكر تلك المقولة واصل حديثه عن مصر قائلاً : ((وحكي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسل إلى عمرو بن العاص، وهو خليفة بمصر عرفني عن مصر وأحوالها وما تشتمل عليه وأوجز لي في العبارة فأرسل إليه شعرا:
وما مصر مصر ولكنها
جنة فردوس لمن كان يبصر ))  ([10]) .
ثم الاتبس الامر ما بين الروايتين في عصرنا الحديث فنسبت الرواية جميعا إلى عمرو بن العاص ولعل أول من نسبها لعمرو بن العاص أحمد أمين في أحد مقالاته  في مجلة الرسالة وفي مقال ( صفحة سوداء ) ، يقول أحمد أمين (( رووا أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب في وصف مصر أن ( نيلها عجب وأرضها ذهب وهي لمن رغب ) ([11])، وبعض المنفحين والرافضين لنسبة هذه الرواية إلى عمرو بن العاص في مواقع الإنترنت يرجعون هذه الرواي إلى الحجاج ويذكرون في رواية يوريها أبو عبد الله الكرخي المتوفي سنة 340هـ ويزعم فيها أنه حضر مجلس الحجاج بن يوسف الثقفي ( توفي سنة 94 هـ ) !! يقول غيها : (( قال أبو عبد الله الكرخي حضرت مجلس الحجاج بن يوسف الثقفي بالكوفة والناس حوله مجتمعون ولهيبته مطرقون وإذا دخل عليه صبي لم يبلغ الحلم مكشوف الرأس ممزق الثياب قد غير الدهر بشرته وبدنه وصورته فسلم وأحسن وترجم فأبلغ فرد الناس عليه السلام فقال له الحجاج : من أين أنت يا صبي ؟ قال الصبي : أنا من مدينة يقال لها مصر ، فقال له : أنت من مدينة الفاسقين ؟ ، قال : ولما يا حجاج جعلتها مدينة الفاسقين ، قال : لأن ترابها الذهب ونيلها عجب ونساؤها لعب وهي لمن غلب   )) وهكذا تزعم هذه الرواية ولاحظ أن  أبا عبد الله الكرخي هذا كان من رجال القرن الرابع الهجري ورغم ذلك فيزعم أنه حضر مجلس الحجاج ، كما إن هذه الرواية إنما تذكرنا بقصة الحجاج مع ابن القرية والتي ذكرناها قبل قليل إلا أن صاحبة المقولة الذامة في مصر تنسب هنا إلى الحجاج لا إلى ابن القرية ، وعلى العموم فإن ابن القرية ومقولته  قد انتشرت عند العامة ([12])وعند بعض الأدباء وبقيت تسجل في بعض الكتب وتتحور وتعدل مع الزمن  .



([1]) انظر الأعلام للرزكلي ج 2 ص 37 ، ط15 ، دار العلم للملايين ، وانظر كذلك : وفيات الأعيان ج 1 ص 253 ، 254 ، دار صادر ، بيروت ، تحقيق : إحسان عباس  .
([2]) انظر المنتظم ج 6 ص 256 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، وانظر الكامل في التاريخ ج 3 ص 516 ، ط1 ، دار الكتاب العربي ..
([3]) انظر مروج الذهب ج 3 ص 140 ، دار قم .
([4]) انظر الأخبار الطوال ص 320 – 323 ، ط1 ، دار إحياء الكتاب العربي .
([5]) انظر وفيات الأعيان ج 1 ص ص 252 ، دار صادر ، بيروت .
([6]) انظر الكامل في التاريخ ج 2 ص 290 ، ط1 ، دار الكتاب العربي .
([7]) انظر نهاية الأرب في فنون الادب ج 1 ص 274 ، ط1 ، دار الكتب العلمية .
([8]) انظر مروج الذهب ج 1 ص 340 ، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة الإسلامية .
([9]) انظر فيض القدير للمناوي ج 2 ص 662 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، 1415هـ / 1994 م .
([10]) انظر حاشية الجمل على شرح المنهج ( فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب ج 2 ص 401 ، دار الفكر .
([11]) انظر مجلة الرسالة العدد ( 31 ) تاريخ : 05/02/1934هـ .
([12]) يقول الجاحظ في البيان والتبيين : (( والعامة ربما استخفت أقل اللغتين وأضعفهما وتستعمل ما هو أقل في أصل اللغة استعمالا وتدع ما هو اظهر واكثر ولذلك صرنا نجد البيت من الشعر قد سار ولم يسر ما هو أجود منه وكذلك المثل السائر وقد يبلغ الفارس والجواد الغاية في الشهرة ولا يرزق ذلك الذكر والتنويه بعض من هو أولى بذلك منه ألا ترى ان العامة ابن القرية أشهر عندها في الخطابة من سحبان وائل وعبيد الله ابن الحر أذكر عندهم في الفروسية .. الخ .)) [ البيان والتبيين ج 1 ص 20 ، 21 ، ط7 ، مكتبة الخانجي ]  .

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

الاستشفاء بدماء الملوك والأشراف


الاستشفاء بدماء الملوك والأشراف 


اعتقاد يراه العرب أن كل من كان مجنون أو كلب ثم حسا من دم ملك أو سيد كريم أفاق وبرئ . هكذا يذكر الجاحظ تعليقا على قول زهير :
وإن يقتلو فيشتفى بدمائهم
وكانوا قديما من مناياهم القتل
والجاحظ يعلق علي هذا البيت بأنه ليس دليل على صحة هذه المعتقد ([1]).
وقال الفرزدق:
من الدارميين الذين دماؤهم
شفاء من الداء المجنة والحبل
 وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
عاودني النكس فاشتفيت كما
تشفي دماء الملوك من كلب
 وقال ابن عياش الكندي لبني أسد في قتلهم حجر بن عمرو:
عبيد العصا جئتم بقتل رئيسكم
تريقون تامورا شفاء من الكلب
وقال الفرزدق :
ولو تشرب الكلبى المراض دماءنا
شفتها وذو الخبل الذي هو أدنف
وذاك أنهم يزعمون أن دماء الأشراف والملوك تشفي من عضة الكلب الكلب وتشفي من الجنون أيضا كما قال الفرزدق .
وقال عوف بن الأحوص :
ولا العنقاء ثعلبة بن عمرو
دماء القوم للكلبى شفاء([2])
وقال أبو البرج القاسم بن حنبل المري ، وقيل الحطيئة :
بناة مكارم وأساة جرح
دماؤهم من الكلب الشفاء
و قال عبد الله بن الزبير الأسدي :
من خير بيت علمناه وأكرمه
كانت دماؤهم تشفي من الكلب
و قال الكميت :
أحلامكم لسقام الجهل شافية
كما دماؤكم تشفي من الكلب ([3])
ويقول الفرزدق :
ولو شرب الكلبي المراض دماءنا
شفتها وذو الخبل الذي هو أدنف
فإذا كلب إنسان أتوا رجلا شريفا فيقطر لهم من دم أصبعه فيسقون المكلوب فيبرأ. أو يسقونه من دم ملك فيشفى. جاء في المثل: دماء الملوك شفاء الكلب. ودماء الملوك أشفي من الكلب. وقال أهل الأخبار عن الكلب: "وأجمعت العرب أن دواءه قطرة من دم ملك يخلط بماء فيسقاه"، فيشفى بذلك من الكلب ([4]) .
ومن القصص التي تروى في الجاهلية قصة الزباء مع جذيمة فقد أمرت جواريها بأن يقطعن ذراعه وإفراغ دمه في طست من ذهب وحرصت أن لا يضيع شيء من دمه للشفاء من الخبل فقد كانت العرب تتحدث أن دماء الملوك شفاء من الخبل ([5]).
ولا يزال العامة يعتقدون أن شرب دماء الأشراف يشفي من داء الكَلْب الكَلِب ، وهو ما يسمى المَغَلوث بالعامية ، وكما يقول الصويان أنه من المشتهر بين الناس أن دماء قبيلة البرزان من مطير تشفي منه ([6]) .


([1]) انظر الحيوان ج2 ص 210 ،  تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار إحياء التراث العربي.
([2])انظر الحيوان ج 2 ص 5 – 9 .
([3]) انظر شرح نهج البردة لابن أبي حديد ج 19 ص 224 ، ط1 ، دار الكتاب العربي ، بغداد ، وانظر : الحيوان ج 2 ص 5 ، دار إحياء التراث العربي، ونهاية الأرب للنويري ج 7 ص 66 ، دار الكتب العلمية.
([4]) المفصل ج 8 ص 134 ، ط4 ، دار الساقي .
([5])انظر الأغاني ، ج15 ص 308 ، دار الكتب العلمية  .
([6]) الصحراء العربية ثقافتها وشعرها عبر العصور ص 98 . الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، ط1 .

الاثنين، 22 أكتوبر 2018

أرواح الأهرام


أرواح الأهرام في مصر


هي أرواح تحمي الأهرام من الاعتداء كما يذكر الكتاب العرب ، ففي الاستبصار في عجائب الأمصار : " ووكل بكل هرم من تلك الأهرام رحانيين ، فجعل في الهرم الغربي روحاني في صورة امرأة عريانة مكشوفة الفرج لها ذؤابتان حسنة الخلق . وإذا أرادت تستفز الإنسان ضحكت إليه ، واستجرته إلى نفسها ، فإن تبعها أهلكته . ذكر ذلك من رآها مرارا . ووكل بالهرم القبلي روحاني في صورة غلام أمرد  عريان حسن الخلق يفعل كذلك . وقد رؤى من خارج مرة بعد مرة ثم يغيب في الهرم . وفي الهرم الملون صورة شيخ عليه ثياب الرهبان ، وبيده مجمرة كأنه يتبخر . وكذلك وكل بجميع البرابي . وببلد إخميم يشاهد أهله أن روحاني البربي الذي بها في صورة غلام أسود بيده عصا فلا يقدر أحد أن يدخل البرابي من بعد العصر إلى الصبح . وكذلك بربي سمنود فيه روحاني في صورة رجل طويل أدم اللون صغير اللحية أشيب . وأما بربي فقط فجارية سوداء معها صبي صغير أسود تحمله . ولكل بربي من البرابي قربان وكلام يطيع به ذلك الروحاني ، ويدل على علوم البربي من البرابي  " ([1]).
وقد تحدث النويري عن امرأة الهرم الجنوبي والغربي ( انظر مادة : امرأة الهرم  ) .


([1])الاستبصار في عجائب الامصار ص 57 ، 58 ، نشر وتعليق : سعد زغلول عبد الحميد ، الدار البيضاء ، 1985م.

ارّا ، إرا


ارّا  ، إرا ( Erra = Irra


إله أكادي قديم معروف من خلال الأسماء اللاهوتية ، وهو يكتب دون شارة الألوهية التي تسبق أسماء الآلهة عادة حتى العصر البابلي القديم ، وقد انظم إلى مجمع الآلهة البابلي وأصبح ابنا للإله " آن " وزوجا للإلهة " مامي " أي ماميتوم ، وهو إله الحرب والطاعون والأوبئة  ، كُتبت عنه ملحمة تحمل اسمه في الألف الأول قبل الميلاد ، وهو عدو الإنسان اللدود ، همه الدائم إشاعة الفوضى والخراب والدمار في العالم ولكي يقي الناس أنفسهم من شره كانوا ينقشون على ألواح تعاويذ يجعلونها تحت بيوتهم . وتشابه وظائفه مع " نرجال " إله العالم السفلي ، ويشاركه في معبد واحد في مدينة " كوثا " الواقعة شمال بلاد بابل . وكان لـ " ارّا " مستشار هو " ايشوم " ، كان يحاول أن يمنعه من تدمير العالم ، وتصور الأسطورة الأكادية أعمال هذا الإله الشريرة فقد دعت الآلهة السبعة أبناء " آن " إله السماء و " إرصتو " إلهة الأرض " إرا " إله الطاعون ليخرج من عزلته إلا أن " إشوم " بطله ومستشاره حاول أن يردعه ورغم ذلك فقد أصر " إرا " على التنفيذ ، لأن البشر أهملوا عبادته فأقنع " مرودخ " بالتخلي له عن سيادة العالم مؤقتاً ، على أن لا يسي استخدام السلطة الممنوحة له ، غير أنه نكث بوعده ، ونشر الطاعون ، وأثار حرباً أهلية في بلاد بابل ، فحلت الكوارث حتى وصلت إلى " بابل " مدينة الإله " مردوخ " وأخيرا طيب " إيشوم " خاطره ، فهدأت نفسه ، وأقر بفظيع عمله ([1]).


([1]) انظر : موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ص 138 .
وانظر : : قاموس الخرافات والأساطير ، ص 24 ، 25 .
وانظر  . معجم ديانات وأساطير العالم ج 1 ص 353 ، 354
وانظر : انظر معجم ديانات وأساطير العالم ج 2 ص  200.

الخميس، 4 أكتوبر 2018

أبو درياه ، بو درياه ، بابا درياه


أبو درياه ، بو درياه ، بابا درياه


كائن خرافي ينتشر في الخليج ( الكويت والإمارات والعراق والبحرين) ويعرف بآ أبو درياه ، و بودرياه و بابا درياه وينتمي إلى عالم الجن وتروي عنه حكايات مرعبة بين سكان الإمارات الذين يعيشون على ساحل البحر وخصوصاً من قبل البحارة والصيادين وغواصي اللؤلؤ أما اسمه فيعني بالفارسية " أبو البحر " مما يدل على أن منشأ الأسطورة فارسي([1]) .
وهو معروف في الكويت فقد ذكره القناعي في كتابه ( صفحات من تاريخ الكويت ) فقال : (( أبو درياه : عند أهل البحر. وهو بصفة إنسان يسمعون صياحه في البحر كأنه غريق فإذا أنقذوه أكل ما قدم له. وإذا غفل عنه رجع إلى البحر وربما أتلف شيئا من السفينة. )) ([2]) .
ويقول جلال الحنفي البغدادي : (( كائن يخرج على الناس من البحر .. [ وفي بغداد يسمون مثله " فريج الأكرع " .. )) ([3]).
ويقول غازي القصيبي في روايته ( الجنية ) : (( لا أود أن أترك جن الخليج دون التعريج على أشهر جنيّ بحري في المنطقة هو أبو درياه . تتفق حكايات البحارة على أنه أقرب في الشكل إلى القرد الضخم منه إلى الإنسان , وأنه يظهر في ظلام الليل من أعماق البحر إلى السفينة التي نام بحارتها , ويتخذ موقعا في مؤخرتها , ويأخذ النارجيلة التي يجدها هناك , ويدخن بإستمتاع . لايضر هذا الجنيّ النيكوتيني أحدا , إذا استثنينا مايستهلكه من تبغ البحارة , ويعود إلى البحر بمجرّد انتهائه من النارجيلة . يستطيع البحارة , الذين لايستظرفون هذا الضيف الليلي , طرده بالقرع بالهاون . مع أول دّقة , يقفز صاحبنا إلى الأعماق , تاركا النارجيلة مشتعلة . اواه ! كم حلمت في طفولتي بفيلم سينمائي يقتسم بطولته دعيدع و أبو درياه . كنت واثقا أن دعيدع سينتصر على أبو درياه في اللحظات الأخيرة من الفيلم . ))  ([4]) .
ويذكر الباحث البحريني حسين محمد حسين أنه مخلوق بحري أسطوري كانت تعتقد بوجوده العامة في الخليج العربي وأصل الأسطورة فارسية لمخلوق أسطوري يعرف بالفارسية باسم " ملك دريا " أي ملك البحر ، وقد انتقلت أساطير هذا الكائن للعرب في الخليج العربي مع تغير اسم الكائن لعدد من الصيغ فقد ذكره فالح حنظل في معجم ألفاظ الإمارات : " أبو دريا وبابه دريا : كائن خرافي يعيش في البحر ، قيل إنه يظهر على شكل انسان مخيف الخلقة ، يسمعون صياحه في البحر كأنه غريق فإذا أنقذوه أكل طعامهم وربما أتلف شيئا في السفينة . ولذا فهم إذا عرفوا أنه أبو دريا تصايحوا : ( هاتوا الجدوم والمنشر ) ( والجدوم نوع من الفؤوس ) فإذا سمعهم خاف وعاد إلى البحر . وقصة بابه دريا ترويها الأمهات لأطفالهن لتخويفهم من شرور الذهاب والعوم في البحر " .أما سيف الشملان في كتابه " الألعاب الشعبية الكويتية فقد ذكر هذا الكائن باسم أبو درياه وبود رياه وقال عنه : " كنت اسمع من البحارة أقوالا عن أبي درياه وأنه حيوان بحري على شكل الإنسان يصعد إلى ظهر السفينة ليمسك من يصادفه من البحارة ويلقيه في البحر ليفترسه . وأنهم إذا شاهدوه صاعداً إلى ظهر السفينة صاحوا به وأخرجوا السكين ونحوها فيلقي بنفسه في البحر طالباً للنجاة والعجب أن البحارة يعتقدون بوجوده ويقصون قصصاً عنه  " . 
ويرى حسين محمد حسين أن الكلمة مشتقة من الاسم الفارسي " ملك دريا " ، إلا أنه أيضا هناك مخلوق له نفس المواصفات له ذكر في كتب التراث العربي ولكنه مشهور بمسمى " إنسان الماء " و " الشيخ اليهودي " و " شيخ البحر " ، وقد جاء في كتاب حياة الحيوان للدميري : " إنسان الماء : يشبه الإنسان ، إلا أن له ذنباً . قال القزويني : وقد جاء شخص بواحد منها في زماننا مقدر كما ذكرنا . وقيل : إن في بحر الشام ، في بعض  الأوقات من شكله شكل إنسان وله لحية بيضاء ، يسمونه شيخ البحر ، فإذا رآه الناس استبشروا بالخصب . وحكى أن بعض الملوك ، حمل إليه إنسان ماء ، فأراد الملك أن يعرف حاله فزوجه امرأة ، فأتات منها ولد يفهم كلام أبويه ، فقال للولد : ما يقول أبوك ؟ قال : يقول أذناب الحيوان كلها في أسفلها ، فما بال هؤلاء أذنابهم في وجوهم  "  ، وقد زعم بعض الكتاب ومنهم الشملان في كتابه الألعاب الشعبية الكويتية أن أصل أسطورة أو درياه هو الأطوم ( بقرة البحر ) إلا أن المرجح أن أصل أسطورة أبو درياه وملك دريا وإنسان الماء هو الفقمة التي تعيش في البحر المتوسط والمعروفة باسم الفقمة الراهبة([5]).
وقد يكون أبو درياه شيخ البحر الذي يرد في حكاية السندباد أو الدوال باي .
انظر مادة ( شيخ البحر ) ، ومادة ( الدوال باي ) .



([1]) سعد رفعت ، الموسوعة العالمية للاساطير الشعبية ، ص 284 ، الحاشية [ 1 ]  .
([2])  صفحات من تاريخ الكويت ص 78 ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الخامسة  1408 هـ 0 1908 م .
([3])جلال الحنفي البغدادي ، معجم الألفاظ الكويتية ، ص 11 ( بغداد ، مطبعة أسعد ، 1383هـ / 1964 م ) .
([4])  الجنية  ص 35  ، الطبعة الخامسة  2011م .
([5])انظر : حسين محمد حسين ، المخلوقات الأسطورية في الثقافة الشعبية في البحرين ، ص 48 – 50 ، ( كتاب إلكتروني )  .