الاثنين، 19 أكتوبر 2020

أوابد العرب

 

تطلق كلمة الأوابد على الوحوش ، والتأبد : التوحش  ، وقيل أنها الدواهي ، وقيل القوافي الشرد ، وقيل الأوابد الغرائب ( وما لا يعرف معناه ) على بادئ الرأي ([1]).

وقيل الأوابد هي الغرائب وما لا يعرف معناه على بادئ الرأي ، وقد عرفت بعض الأبيات بالأوابد ، وهي الأبيات السائرة كالأمثال ، وقيل الأوابد الشوارد من القوافي ([2]).

وذكر صاحب صبح الأعشى أن الأوابد : وهي أمور كانت العرب عليها في الجاهلية، بعضها يجري مجرى الديانات، وبعضها يجري مجرى الاصطلاحات والعادات، وبعضها يجري مجرى الخرافات، وجاء الإسلام بإبطالها ([3]) .

والمقصود به هنا هي امور عرفها العرب في جاهليتهم وكانت تتعلق بدياناتهم واصطلاحاتهم وعاداتهم وخرافاتهم ، وقد هيمنت وسيطرت على عقليتهم، ولا سيما تلك الأمور التي كانت تتصل بحياتهم، كالكهانة والحداسة والرقية والتنجيس والتنجيم ([4])

وقد تحدث الجاحظ عن بعض تلك الأوابد في كتابه الحيوان ولكن بشكل متفرق وخاصة في حديثه عن نيران العرب وعن اعتقاد بعض الأعراب  .

 بينما جمعها الوزير الآبي ( ت 421 هـفي ( كتابه نثر الدر ) ([5]) ، ونقلها بهاء الدين البغدادي ( 495 – 562 هـ ) صاحب كتاب ( التذكرة الحمدونية ) ([6]) ، ونقلها عن الآبي ابن سعيد الأندلسي ( 610 – 685 هـ ) في كتابه ( نشوة الطرب ) ([7])، والقلقشندي (756 - 821 هـ ) في كتابه ( صبح الأعشى ) ([8]) ، والنويري (801 - 857 هـ ) في كتابه  (نهاية الأرب في فنون الادب  ) ([9]) .

وهذه الأوابد هي : إغلاق الظهر ، التعمية والتفقئة ، وعقد الرتم ، والعتائر ، وكي السليم عند الجرب ، وضرب البقر ، وعقد السلع والعشر ، وتعليق كعب الأرنب ، وطئ المقاليت ، وتعليق الحلى على السليم ، وشق الرداء البرقع ، ورمي السن في الشمس ، وخدر الرجل ، وحبس البلايا ، واعتقادهم في الهامة والحرقوص والصفر وخضاب النحر ، ودم الأشراف ، والتصفق في الفلا ، وجز ناصية الأسير ، والإستئسار ، ونقب لحي الكلب ، والالتفات ، والبحيرة ، والسائبة والوصيلة واعتقادهم في الحامي والأزلام والميسر ، واعتقادهم في نيران العرب ([10]) .

وقد سجلنا كل هذا الأوابد في موضعها من هذا الكتاب .  



([1]) انظر تاج العروس ج 7 ص 372 – 375 ، مادة ( أبد ) ، دار الهداية .

([2]) انظر المفصل ج 17 ص 182 ، ط4 ، دار الساقي .

([3]) صبح الأعشى ج 1 ص 454 ، ط1 ، دار الكتب العلمية  .

([4]) انظر المفصل ج 12 ص 331 ، ط4 ، دار الساقي .

([5]) انظر : نثر الدر في المحاضرات ج 6 ص 222 وما بعدها ، ط1 ، دار الكتب العلمية .

([6]) انظر التذكرة الحمدونية ج 7 ص 326 ، ط1 ، دار صادر .

([7]) انظر نشوة الطرب ج 2 ص 781 ومابعدها ، مكتبة الأقصى

([8]) انظر : صبح الأعشى ج1 ص 454 ومابعدها ، ط1 ، دار الكتب العلمية .

([9]) انظر : نهاية الأرب في فنون الادب ج 3 ص 112 ومابعدها ، ط1 ، دار الكتب العلمية .

([10]) انظر نشوة الطرب ج 2 ص 781 – 801 ، مكتبة الأقصى .

السبت، 17 أكتوبر 2020

عطر منشم

 

عطر منشم 

هو عطر لمرأة عند العرب في الجاهلية اسمها منشم واشتهرت بعطرها حتى ضرب بها المثل فقيل " عطر منشم " ولهم أقوال في سبب المثل ، وخلاصتها أن منشم امرأة عطارة تبيع الطيب ، فكانوا إذا قصدوا حرب غمسوا أيديهم في طيبها ، وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في الحرب ولا يولوا أو يقتلوا ، فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس : قد دقوا بينهم عطر منشم وممن تمثل به زهير حيث يقول :

تدراكتما عبسًا وذبيان بعدما

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم ([1]) .

ويقول جواد علي: ( ويقال: إن منشمًا امرأة كانت تبيع الحنوط في الجاهلية، فقيل للقوم إذا تحاربوا: دقوا بينهم عطر منشم، يراد طيب الموتى ، مما يدل على أن تطبيب الميت عادة جاهلية قديمة، ويقال لطيب الموتى: الحنوط. ) ([2])  .

وقد ورد عطر منشم في أخبار السيرة النبوية ، يقول ابن هشام : ( قال ابن إسحاق: فقال عبد الله بن رواحة، أو أبو خيثمة، أخو بني سالم ابن عوف، في الذي كان من أمر زينب- قال ابن هشام: هي لأبي خيثمة-:

أتاني الذي لا يقدر الناس قدره

لزينب فيهم من عقوق ومأثم

وإخراجها لم يخز فيها محمد

على مأقط وبيننا عطر منشم

وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم

ومن حربنا في رغم أنف ومندم ([3])

ويقول الزمخشري في المستقصى : ( أشأم من منشم ويروى مشأم ويروى من عطر منشم وهي امرأة عطارة غمسوا أيديهم في عطرها وتحالفوا بالاستماتة في الحرب وقيل كانت امرأة تبيع الحنوط وسموه عطرا لأنه طيب الموتى وقيل هى امرأة افترعها زوجها صبيحة عرسها فأدماها فقيل لها بئس ما عطرك زوجك وقيل المنشم شيء يكون في سنبل العطر يسمى قرون السنبل وهو سم ساعة قالوا هو البيش وقيل المنشم الشر بعينه مأخوذ من شم فى الشر إذا أخذ فيه قال زهير :

تداركتما عبسا وذبيان بعد ما

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم

قال المرار بن علقمة البكري :

ودقت بنو بكر ودارت رحاهم

على ابن لؤى في الوغى عطر منشم

وقال آخر :

أراني وعمرا بيننا دق منشم

فلم يبق إلا أن أجن ويكلبا

 وقال الأعشى :

فدع ذا ولكن ما ترى رأى كاشح

يرى بيننا من جهله دق منشم ) ([4]) .

بينما ذكر النويري عن الأصمعي أن منشم كانت عطارة بمكة وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها فإذا فعلوا ذلك كثرت بينهم القتلى فكان يقال : أشأم من عطر منشم ، يضرب في الشر العظيم وفيه يقول زهير :

تداركتما عبسا وذبيان بعد ما

تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم ([5]) .

وقد جمع الميداني في أمثاله معاني هذا المثل فقال : ( اشأم من منشم : ويقال "أشأم من عطر منشم". وقد اختلف الرواة في لفظ هذا الاسم، ومعناه، وفي اشتقاقه، وفي سبب المثل.

فاما اختلاف لفظه فإنه يقال: منشم، ومنشم، ومشأم.

وأما اختلاف معناه فإن أبا عمرو بن العلاء زعم أن المنشم الشر بعينه، وزعم آخرون أنه شيء يكون في سنبل العطر، يسميه العطارون قرون السنبل، وهو سم ساعة، قالوا: وهو البيش، وقال بعضهم: إن المنشم ثمرة سوداء منتنة، وزعم قوم أن منشم اسم امرأة.

وأما اختلاف اشتقاقه فقالوا: إن منشم اسم موضوع كسائر الأسماء الأعلام، وقال آخرون: منشم اسم وفعل جعلا اسما واحدا وكان الأصل من شم فحذفوا الميم الثانية من شم، وجعلوا الأولى حرف إعراب، وقال آخرون: هو من نشم إذا بدأ، يقال "نشم في كذا" إذا أخذ فيه، يقال ذلك في الشر دون الخير، وفي الحديث "لما نشم الناس في عثمان" أي طعنوا فيه، فأما من رواه مشأم فإنه يجعله اسما مشتقا من الشؤم.

وأما اختلاف سبب المثل فإنما هو في قول من زعم أن منشم اسم امرأة، وهو أن بعضهم يقول: كانت منشم عطارة تبيع الطيب، فكانوا إذا قصدوا الحرب غمسوا أيديهم في طيبها وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في تلك الحرب ولا يولوا أو يقتلوا، فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس: قد دقوا بينهم عطر منشم، فلما كثر منهم هذا القول سار مثلا، فمن تمثل به زهير بن أبي سلمى حيث يقول:

تداركتما عبسا وذبيان بعدما

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم

وزعم بعضهم أن منشم كانت امرأة تبيع الحنوط، وإنما سموا حنوطها عطرا في قولهم " قد دقوا بينهم عطر منشم" لأنهم أرادوا طيب الموتى. وزعم الذين قالوا: إن اشتقاق هذا الاسم إنما هو عطر من شم، أنها كانت امرأة يقال لها "خفرة" تبيع الطيب، فورد بعض أحياء العرب عليها، فأخذوا طيبها وفضحوها، فلحقها قومها، ووضعوا السيف في أولئك وقالوا: اقتلوا من شم، أي من شم من طيبها. وزعم آخرون أنه سار هذا المثل في حليمة أعني قولهم: "قد دقوا بينهم عطر منشم" قالوا: ويوم حليمة هو اليوم الذي سار به المثل فقيل: "ما يوم حليمة بسر" لأن فيه كانت الحرب بين الحارث بن أبي شمر ملك الشام، وبين المنذر بن المنذر بن امرىء القيس ملك العراق، وإنما أضيف هذا اليوم إلى حليمة لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن من الطيب، فكانت تطيب به الداخلين في الحرب، فقاتلوا من أجل ذلك حتى تفانوا، وزعم آخرون أن منشم امرأة كان دخل بها زوجها، فنافرته، فدق أنفها بفهر، فخرجت إلى مدماة، فقيل لها: بئس ما عطرك به زوجك، فذهبت مثلا.

وقال ابن السكيت العرب تكنى عن الحرب بثلاثة أشياء: أحده عطر منشم، والثاني: ثوب محارب، والثالث: برد فاخر، ثم حكى في تفسير عطر منشم قول الأصمعي، وقال في " ثوب محارب" إنه كان رجلا من قيس عيلان يتخذ الدروع، والدرع ثوب الحرب، وكان من أراد أن يشهد حربا اشترى درعا، وأما " برد فاخر" فإنه كان رجلا من تميم، وهو أول من لبس البرد الموشي فيهم، وهو أيضا كناية عن الدرع، فصار جميع ذلك كناية عن الحرب. ) ([6])  .

وقد ترجم لها الزركلي وذك أنها منشم بنت الوجيه من خزاعة جاهلية اشتهرت بالمثل ( أشأم من عطر منشم ) قال زهير :

تداركتما عبساً وذبيان بعدما

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم

وجمع الزركلي اختلاف الرواة في شأنها فقال :

( 1- كانت تبيع العطر في الجاهلية فلما وقعت الحرب بين جرهم وخزاعة، كانت تجئ بالطيب مدقوقا في الاوعية فتطيب بها فتيان خزاعة، فقتل أو أصيب كثير ممن طيبتهم.

2 - امرأة من بني غدانة، قالوا إنها صاحبة (يسار الكواعب) وكان (يسار) دميم الصورة، تضحك النساء من رؤيته، فيحسبهنّ يعجبن به ويعشقنه. ورأته منشم وكانت زوجة مولاه، فضحكت، فطمع بها فدخل عليها خباءها فأتته بطيب ومعها موسى فأشمَّته الطيب وأنحت بالموسى على أنفه فاستوعبته قطعا، فخرج ودمه يسيل. قال الفرزدق لجرير:

وإني لأخشى إن رحلت إليهم

عليك الّذي لاقى يسار الكواعب

3 - كانت بالبحرين، ودقت العطر لجماعة فتحالفوا عليه وغمسوا أيديهم فيه ثم وقع بينهم شر.

4 - كان لها خليل فشم زوجها من رأس خليلها رائحة عطرها، فقتله، فوثب قومه على زوجها فقتلوه، فوقعت بين قوميهما الحرب حتى تفانوا.

5 - بائعة عطر، من جرهم. كانوا إذا أرادوا أن يحتربوا تطيبوا من عطرها عند القتال.

6 - بائعة عطر من خزاعة، كانت تسكن مكة. فإذا نشبت حرب اشتروا منها الكافور للقتلى، فتشاءموا بعطرها ) ([7]) .



([1]) انظر المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 8 ص 217 ، دار الساقي ، الطبعة: الرابعة 1422هـ/ 2001م ، وانظر : ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ص 308 ، دار المعارف ، القاهرة .

([2]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 9 ص 162 ، دار الساقي ، ط4 . وانظر المعارف ص 613 ، تحقيق: ثروت عكاشة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، ط2، 1992 م  .

([3]) سيرة ابن هشام ، ج 1 ص 655 .

([4]) المستقصى في أمثال العرب ج 1 ص 184 ، 185، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط2، 1987م .

([5]) نهاية الأرب في فنون الادب ج 3 ص 19 ، 20 ، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة ، ط1، 1423 هـ .

([6]) مجمع الأمثال ج 1 ص 381 ، 382 ، المحقق: محمد محيى الدين عبد الحميد ، دار المعرفة ، بيروت، لبنان .

([7]) الأعلام للزكلي ج 7 ص 296 ، ط15 ، دار العلم للملايين .