الثلاثاء، 16 يوليو 2019

أصدقاء الجاحظ : أبو يعقوب الخريمي


أبو يعقوب الخريمي( الخزيمي ) أبو يعقوب الأعور

هو إسحاق بن حسان بن قوهي السغدي الخريمي الأعور أبو يعقوب . أصله من فارس وانتمى إلى ابن خريم الناعم فنسب إليه ، كان شاعر جيد المعاني وكان متصلًا بمحمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة وله فيه مدائح جياد ([1]).
يذكر الجاحظ أن اسمه إسحاق بن حسان بن قوهي ([2]) ، ويطلق عليه أبو يعقوب الخريمي الأعور ([3])، و أبو يعقوب الأعور السلمي ([4]).
وينقل عبد الكريم النهشلي القيرواني عن الجاحظ قوله : كان أبو يعقوب الخريمي يدعى الأعور ، ثم عمي قبل موته بسنين ، وهو مولى خريم الناعم ، وهو من المشهورين بالنسب إلى مولاه ([5]) .
وقد ترجم له عبد السلام محمد هارون فقال : (الخريمي بالراء المهملة : نسبةإلى خريم بنعامر المري ، وكان لأبي يعقوب اتصال به وبآله فنسب إليه . وفي جميع الأصول : " الخزيمي " ، تحريف . واسمه إسحاق بن حسان بن قوهي ، وقد ذكره البغدادي في التاريخ 3369 وقال : " أصله من خراسان من بلاد السغد " ، وقال : " وله مدائح في محمد بن منصور بن زياد ، ويحيى بن خالد وغيرهم . وقال أبو حاتم السجستاني : الخريمي أشعر الملدين ، وروى عنه شيئا يسيراً من شعره أبو عثمان الجاحظ ، وأحمد بن عبيد ابن ناصح " وانظر لخريم الناعم قاموس الزركلي وأمثال الميداني 2 : 281 . وكان إسحاق هذا من العميان روى له الجاحظ شعرا يذكر فيه عماه في الحيوان 3 : 113 . وانظر نكت الهميان 71 وعيون الأخبار 4 : 57 ) ([6]) .
وترجم له الذهبي وذكر أن أبويعقوب الخريمي المري مولاهم الشاعر له ديوان مشهور ، ونقل عن عن المبرد قوله : كان جميل الشعر مقبولا عند الكتاب . ذهبت عينها بعد السبعين ومائة . روى عنه من شعره : الجاحظ وأحمدبن عبيد بن ناصح ([7]).
وذكر ابن المعتز انه من نسل الأتراك وانه كان يمدح ابي الهيذام ومحمد بن منصور بن زياد في حياتهم وقد رثاهم بعد موتهم ونقل عن المبرد قوله : كان الخريمي شاعرا مفلقا مقتدرا على الشعر ، وكان يمدح الخلفاء والوزراء والأشراف فيعطى الكثير وله في الغزل ملح كثيرة ومحاسن جمة ([8]).
وترجم له ابن العديم ترجمة مطولة نأخذ منها المعلومات التالية : اسمه إسحاق بن حسان بن قوهي هو أبو يعقوب الخريمي الغطفاني وكان له ولاء في العرب في غطفان ، وكان شاعر محسن متقدم مطبوع مشهور له ديوان معروف نزل الجزيرة والشام واجتاز حلب أو بعض أعمالها، وذكر أنه جزري نزل الجزيرة والشام وسكن بغداد وأصله من أبناء السغد ( الصغد ) من مرو الشاهجان وكان متصلًا بخريم بن عامر المري وآله فنسب إليه وقيل كان اتصاله بعثمان بن خريم وكان عثمان هذا قائد جليلا وأبوه خريم الموصوف بالناعم ، ، وقد مدح أبو يعقوب محمد بن منصور بن زياد ويحيى بن خالد وعثمان بن خريم ، وكان على ظرفه يرجع إلى إسلام وإلى وقار وذهبت عيناه بعد أن طلع من السبعين ، وله فيهما مراثي جيدة تتجاوز أهل عصره كما له مراثي في ابنه وكان يميل إليه فرثاه ، وروى شعره الجاحظ وأحمد بن عبيد بن ناصح ([9]).
وروى أبو الفرج الاصفهاني له رواية مع حماد عجرد أجزم ([10])، انها من تأليف أبو الفرج أو أحد رواته ، والعجيب في رواية الاصفهاني أنه يزعم أن الخريمي يرويها عن نفسه ، وهي تتعارض مع ما يعرف عنه من تدين.
وقد ذكر الخطيب البغدادي أنه قال عدة أبيات عندما سمع يوم مات أبو يوسف القاضي ردلا يقول : اليوم مات الفقه ، فقال الخريمي :
يا ناعي الفقه إلى أهله = إن مات يعقوب وما يدري
لم يمت الفقه ولكنه = حول من صدر إلى صدر
ألقاه يعقوب إلى يوسف = وآل من طيب إلى طهر
فهو مقيم إذا ما ثوى = حل وحل الفقه في قبر ([11])
ويذكر ابن خلكان أن كان صديقًا لإبي يوسف ولابنه يوسف ([12]).
بينما يذكر الصفدي انه اتصل بمحمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة وله فيه مدائح جيده ومراثي أجود ولما سئل عن ذلك أجاب : كنا يومئذ نعمل على الرجاء ونحن اليوم نعمل على الوفاء وبينهما بون بعيد ، وذكر أنه التحق بهارون الرشيد وكان من جملة الشعراء الذين مدحوه ، وفي الفتنة بين الأمين والمأمون وقف مع الأخير ، وذكر الجاحظ بالعور في كتاب البخلاء وضرب به المثل في دقة نظره وكثرة كسبه ([13]) ، وما يذكره الصفدي في شعر المدح والرثاء ترد روايه بعكسه تقول : ( وقال أحمد بن يوسف الكاتب لأبي يعقوب الخريمي: مدائحك لمحمد بن منصور بن زياد، يعني كاتب البرامكة، أشعر من مراثيك فيه وأجود؟ فقال: كنا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم نعمل على الوفاء، وبينهما بونٌ بعيد ) ([14]).
وذكر الصولي أن محمد بن عبد الملك الزيات استعار من الحسن بن وهب دفترا فيه شعر أبي يعقوب الخريمي وكان معجبًابه فوجه الحسن به إليه بخطه ، ثم طلبه الحسن فوجه إليه محمد بنالسخة التي كانت عنده واحتبس نسخة الحسن وكتب إليه عدة أبيات ([15]) .
ذكر الزركلي أن وفاته في سنة 212هـ ([16]) ، في حين يذكر الصفدي أن وفاته في سنة 214هـ ([17]) .
ويذكر صاحب طبقات المعتزلة أن الجاحظ سأله : من خلق المعاصي ؟ قال: اللّه، قلت: فمن عذّب عليها؟ قال: اللّه، قلت: فلم؟ قال: لا ادري واللّه ([18])
قد ذكره الجاحظ في الكثير من كتبه فذكر أنه كان من الشخصيات التي كانت متصل بأبي عبد الرحمن الثوري في العراق في مسجد ابن رغبان من أصدقا الجاحظ المقربين ، يقول الجاحظ في حديثه عن أبي عبد الرحمن الثوري  : ( وقد رأيته وسمعت منه في البخل كلاما كثيرا. وكان من البصريين، ينزل ببغداد مسجد ابن رغبان . ولم أر شيخا ذا ثروة اجتمع عنده وإليه من البخلاء ما اجتمع له منهم: إسماعيل بن غزوان وجعفر بن سعيد وخاقان بن صبيح وأبو يعقوب الأعور وعبد الله العروضي والحراميّ عبد الله بن كاسب.) ([19]).
وذكر الجاحظ عنه حكاية تؤكد ارتباط بإسماعيل بن غزوان وأنس بن أبي شيخ صاحب البرامكة والذي قتله الرشيد سنة 187هـ ، يقول الجاحظ : : ( وقال ابو يعقوب الخزيمي الاعور تلقاني مع طلوع الشمس سعيد ابن وهب فقلت اين تريد قال أدور على المجالس فلعلي اسمع حديثا حسنا ثم لم أتجاوز بعيدا حتى تلقاني أنس بن ابي شيخ فقلت له اين تريد قال عندي حديث حسن فأنا اطلب له انسانا حسن الفهم حسن الاستماع قلت حدثني فأنا كذاك قال انت حسن الفهم رديء الاستماع وما ارى لهذا الحديث إلا اسماعيل بن غزوان ) ([20]).
وقد مثل الجاحظ به في من نال بالشعر وأدرك بالأدب ، وذلك في حديثه عن الأدب والشعر وشؤمه ([21]) ، وربما أن ذلك كان بسبب اتصاله بالبرامكة ، فالجاحظ روى عنه الحكاية التي جرت بين جعفر بن يحيى والأصمعي في محاولة الأصمعي إضحاك جعفر بن يحيى([22]) مما يدل على اتصاله بالبرامكة .
والجاحظ يعده من الشعراء الكبار على شاكلة الفرزدق والراعي والأخطل وبشار وابن هرمة وابن أبي عيينه ويحيى بن نوفل ([23]) ، وقد روى عنه لجاحظ قوله : ( أو شعر قلته هذان البيتان :
بقلبي سقام لست أحسن وصفه = على أنه ما كان فهو شديد
تمر به الأيام تسحب ذيلها = فتبلى له الأيام وهو جديد ([24])
 ورغم ذلك فقد روى الجاحظ عنه أنه عجز في أن يؤلف بيت يرثي به أصحابه ـ يقول الجاحظ : ( وقال لي أبو يعقوب الخزيمي خرجت من منزلي أريد الشماسية فابتدأت القول في مرثية لأبي التختاخ فرجعت والله وما امكنني بيت واحد .) ([25]) ، وقد ذكر ابن منظور فيروايه عن المبرد أنه رثى عثمان بن خريم .
و نقل الجاحظ اسمه أيضًا في رد أبن التوأم على رسالة أبي العاص وقد وصفه بأنه كثير التكسب ، يقول الجاحظ على لسان ابن التوأم : ( وأي سأئل كان ألحف من الحطيئة ولا الأم؟ ومن الأم من جرير بن الخطفي  وأبخل؟ ومن أمنع من كثير  ، وأشحّ من أبن هرمة  ؟ ومن كان يشقّ غبار ابن أبي حفصة ؟ ومن كان يصطلي بنار أبي العتاهية  ؟ ومن كان كأبي نوّاس  في بخله، أو كأبي يعقوب الخريمي في دقة نظره وكثرة كسبه؟ ومن كان أكثر نحرا لجزرة لم تخلق من ابن هرمة، وأطعن برمح لم ينبت، وأطعم لطعام لم يزرع، من الخريمي ؟ فأين أنت عن ابن يسير وأين تذهب عن ابن أبي كريمة؟ ولم تقصّر في ذكر الرقاشي ومن لم يذكر شرّه؟ ) ([26]) ، وهذا النص يذكرنا برسالة الجاحظ ( التربيع والتدوير ) مما يؤكد أن الجاحظ هو واضع الرسالة على لسان أبوالعاص كما وضع الرد على لسان ابن التوأم.
وروى الجاحظ عنه قوله مارأيت ثلاثة ( ياكلون الناس اكلا حتى إذا رأوا ثلاثة رجالوا ذابو كما يذوب الملح في الماء أو الرصاص عند النار كان هشام بن الكلبي علامة نسابة وراوية للمثالب عيابة فاذا رأى الهيثم ابن عدي ذاب كما يذوب الرصاص عند النار وكان الهيثم بن عدي مفقعا نيا صاحب فقيع وتقعير ويستولي على كلام أهل المجلس لا يحفل بشاعر ولا بخطيب فإذا رأى موسى الضبي ذاب كما يذوب الرصاص عند ، وكان علويه المغني احد الناس في الرواية وفي الحكاية وفي صنعة الغناء وجودة الضرب وفي الاطراب وحسن الخلق فاذا رأى مخارقا ذاب كما يذوب الرصاص عند النار ) ([27]).
ويذكر ياقوت الحموي أنعلي بن جبلة المعروف بالعكوك ذكر ان أبو يعقوب الخريمي طلب منه أن يهجو الهيثم بن عدي وأن العكوك سأله : ومالك أنت لا تهجوه وأنت شاعر ؟ فقال : قد فعلت فما جاءني كما أريد ، وأن العكوك احتج بأنه ليس بينهما أي عداوة فطلب منه الخريمي أن يقرضه أبياته ، فصنع له العكوك بعض الأبياتالتي هجى بها الهيثم بن عدي ([28]).
وقد عده الجاحظ من البخلاء من أصحابه ، فقال : ( وحدثني الحزامي والمكيّ والعروضيّ، قالوا: سمعنا إسماعيل يقول: أوليس قد أجمعوا على أن البخلاء في الجملة أعقل من الأسخياء في الجملة. ها نحن أولاء عندك جماعة فينا من يزعم الناس أنه سخيّ.
وفينا من يزعم الناس أنه بخيل. فانظر أيّ الفريقين أعقل؟ هأنذا وسهل بن هارون، وخاقان بن صبيح  ، وجعفر بن سعيد، والحزاميّ، والعروضي، وأبو يعقوب الخريمي . فهل معك إلا أبو إسحاق  ؟. ) ([29]).
وقد ذكر الجاحظ أنه تحدث عن قتلى حرب بغداد يرثيهم وذلك بعد أحداث الفتنة بين الأمين والمأمون وقد نقل الطبري نص القصيدة ([30]) ، وقد ذكر الطبري هذه القصيدة في حوادث سنة ( 197هـ ) وفيها يرثي بغداد وما جرى لها ، ويظهر في هذه القصيدة وما قبلها من أبيات ذكرها الطبري ان الخريمي كان يميل إلى المأمون ([31]).


([1]) البيان والتبيين ، ج 1 ص 117 ، الحاشية ( 3 ) ، تحقيق حسن السندوبي ، ط1 ( بيروت ، دار أحياء العلوم، 1414هـ - 1993 ).
([2]) الجاحظ ، الحيوان ، ج 1 ص 224، دار الجيل.
([3]) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 224 ، مكتبة الخانجي .
([4]) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 381 ، مكتبة الخانجي .
([5])الممتع في صنع الشعر ، ص 73 ، تحقيق : الدكتور محمد زغلول سلام ، منشأة المعارف ، الإسكندرية .
([6]) رسائل الجاحظ ، ج 3 ص 36 ، الحاشية ( 8 ) .
([7]) الذهبي ، تاريخ الإسلام ، ج 15 ص 64 ، ط2 ، دار الكتاب العربي .
([8]) ابن المعتز ، طبقات الشعراء ، ص 293 ، دار المعارف ، ط3 ، القاهرة  .
([9]) ابن العديم ، بغية الطالب في تاريخ حلب ، ج 3 ص 1456 ، دار الفكر . وانظر : ابن منظور ، مختصر تاريخ دمشق ، ج 4 ص 290 ، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر ، ط1 ، 1402هـ-1984 م .
([10]) الاصفهاني ، الأغاني ، ج 14 ص 334 ، ط2 ، دار الفكر .
([11]) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج 14 ص 229 ، دار ومكتبة الهلال .
([12]) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ج 6 2 389 ، دار صادر .
([13]) الصفدي ، الشعور بالعور ، ص 246 ، ط1 ، دار عمار ، عمان ، الأردن .
([14]) الشعر والشعراء ، ج 1 ص 79 ، دار الحديث ، القاهرة .
([15]) الصولي ، أدب الكاتب ، ص 49 .
([16]) الزركلي ، الأعلام ، ج 1 ص 294 ، ط15 ، دار العلم للملايين .
([17]) الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ج 8 ص 266 ، دار إحياء التراث ، بيروت .
([18]) طبقات لمعتزلة ، ص 68 ، دار مكتبة الحياة .
([19]) البخلاء ، ص 143 ، دار ومكتبة الهلال.
([20]) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 3 ص 162 ، مكتبة الخانجي .
([21]) رسائل الجاحظ ( كتاب المعلمين ) ، ج 3 ص 36 ، مكتبة الخانجي.
([22]) البخلاء ، ص 265 ، دار ومكتبة الهلال.
([23]) الحيوان ، ج 5 ص 315 ، دار الجيل .
([24]) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 224 ، مكتبة الخانجي .
([25]) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 119 ، مكتبة الخانجي .
([26]) البخلاء ، ص 237 ، دار ومكتبة الهلال.
([27]) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 131 ، 132 ، مكتبة الخانجي .
([28]) ياقوت الحموي ، ج 6 ص 2791 ، ط1 ، دار الغرب الإسلامي .
([29]) البخلاء ، ص 173 ، دار ومكتبة الهلال.
([30]) انظر : الحيوان ، ج 1 ص 255 ، دار الجيل ، وانظر الحاشية ( 7 )  .
([31]) انظر : تاريخ الطبري ، ج 8 ص 448-454 ، و ص 431 ، و 437 ، ط2 ، دار التراث . وانظر كذلك : البرصان والعرجان ، ص 476 ، دار الجيل .