الأحد، 20 أكتوبر 2019

بيت الحكمة ( معجم الكتب )


بيت الحكمة


أو دار الحكمة أو خزانة الحكمة ، رجح المؤرخون أن أول من أسس هذه الدار الخليفة هارون الرشيد ( 149-193هـ ) ، ثم أمدها ابنه المأمون من بعده بالمؤلفات الكثيرة والدواوين الضخمة حتى صارت المكتبة أكبر خزائن الكتب في العصر العباسي ، وظلت هذه المكتبة قائمة يستفاد منها الرواد والعلماء وطلاب العلم إلى أن استولى المغول على بغداد سنة 656ه ، قال القلقشندي : ( ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث  وذكر خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد وخزانة الخلفاء الفاطميين بمصر ( دار العلم ) ، وخزانة بني أمية بالأندلس ( مكتبة قرطبة ) ([1]).
وذكر ابن النديم أن أبو سهل الفضل بن نوبخت كان في خزانة الحكمة لهارون الرشيد ([2]) ،  ويذكر ابن النديم في حديثه عن علان لشعوب أنه كان منقطعًا إلى البرامكة وينسخ في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة ([3])، وقد ذكر ياقوت أن سهل بن هارون بن راهبون وعندما اتصل بالمأمون ولاه خزانة الحكمة ([4]) ويقول ابن النديم وقال سهل بن هارون صاحب بيت الحكمة ([5]) ، وذكر في حديثه عن سعيد بن هارون الكاتب أنه شريك سهل بن هارون في بيت الحكمة ، وكذلك ذكر سلم صاحب بيت الحكمة مع سهل بن هارون ([6])، ويذكر ابن النديم أن ابن أبي الحريش كان يجلد في خزانة الحكمة للمأمون ([7]) ، ويذكر ابن النديم أن الخوارزمي وهو محمد بن موسى كان منقطعًا إلى خزانة الحكمة للمأمون ([8]) ، ويتبين لك هنا أن ابن النديم ينسبها لهارون الرشيد في موضع وفي موضع أخر ينسب خزانة الحكمة لهارون ومرة للمأمون ولا نعلم إن كانت المكتبتين واحد أم هما اثنتان منفردتنا الأولى لهارون الرشيد والثانية للمأمون .
ويقول ابن النديم : ( فإن المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهر عليه المأمون فكتب إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما من مختار من العلوم القديمة المخزونة المدخرة ببلد الروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلما صاحب بيت الحكمة وغيرهم فاخذوا مما وجدوا ما اختاروا فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل وقد قيل إن يوحنا بن ماسويه ممن نفذ إلى بلد الروم ) ([9]) .
وقد ذكر كرد علي أن دار الحكمة أو بيت الحكمة أو بيت المعرفة كانت أشبه بجامعة فيها دار كتب يجتمع فيها رجال يتفاوضون ويطالعون وينسخون ويدير شؤون تلك الدور من يثق الخليفة بعقلهم وأمانتهم وعلمهم وكان هذا في القرن الثاني واعتوره في القرن الثالث بعض الفتور ، وظل بيت الحكمة في القرنين الرابع والخامس في بغداد مفتوح الأبواب ([10]) ، وقد سبق أن ذكرنا أن البعض زعم أن المكتبة قد ظلت قائمة حتى غزو التتار لبغداد سنة 656هـ ، وترى هنا ما ذكره كرد علي بأنها بقيت حتى القرن الرابع والخامس وليته ذكر المصادر الذي يدل على وجود هذه المكتبة حتى هذا الوقت من الزمان وإن كنا نعتقد أنه اعتمد في ذلك على ما ذكره ابن النديم كما سنتحدث عنه بعد قليل .
وقد انتقد أحمد أمين مبالغة بعضهم كما قال بأن بيت الحكمة كان جامعة كبيرة يتصل بها مكتبة ومرصد ، ويذكر أحمد أمين أنه ليس بين أيدينا من النصوص ما يؤيد ذلك وكل ما يدل عليه أنها كانت مكتبة والغالب أنها ملحقة بقصر الخليفة لا في مكان خارجي ، إذ لم ينقل إلينا في تخطيط بغداد خبر عن بناء خاصة للمكتبة ، وقد اعتاد الخلفاء أن يفعلوا هذا في قصورهم فكان في قصر قرطبة مكتبة وفي قصر الخليفة الفاطمي العزيز بالله مكتبة ([11]) .
ويذكر أحمد أمين أن هذه المكتبة كانت تقوم بنسخ الكتب كما كان يفعل علان الشعوبي ، وبترجمتها إلى العربية كما كان يفعل يوحنا بن ماسويه ، وابن نوبخت ، وكان فيها رئيس للمترجمين ومساعدون ، كما كان لها مدير وأعوان ، وكما كان فيها مجلدون وهذا كل ما نستطيع أن نفهمه من النصوص التي بين أيدينا ([12]).
وعلى العموم فإننا نعتمد على ابن النديم في الكشف عن بعض المعلومات عن هذه المكتبة فابن النديم ( ت 438 ) يتحدث عن هذه المكتبة وحديثه عن هذه المكتبة والتي يسميها بخزانة المأمون أو خزانة الحكمة للمأمون ، وحديثه عنها يدل على أنها كانت باقية حتى زمانه ، يقول في حديثه عن خط المسند: ( ورأيت أن جزاء من خزانة المأمون ترجمته ما أمر بنسخه أمير المؤمنين عبد الله المأمون أكرمه الله من التراجم وكان في جملته القلم الحميري فأثبت مثاله على ما كان في النسخة . ) ([13]) ، ويقول : ( فأما الحبشة فلهم قلم حروفه متصلة كحروف الحميري يبتدئ من الشمال إلى اليمين يفرقون بين كل اسم منها بثلاث نقط ينقطونها كالمثلث بين حروف الاسمين وهذا مثال الحروف وكتابتها من خزانة المأمون) ([14]) ، ويقول : ( قال محمد بن إسحاق قرأت في كتاب وقع إلى قديم النسخ يشبه أن يكون من خزانة المأمون) ([15]) .
ويذكر ابن النديم أن المكتبة ظلت إلى عهد ابن النديم ونقل عنها ، كما يدل على نصه في النقل عنها صورة الخط الحبشي ، وقد كتب كتابه سنة 377هـ ، وقد جاء في رسالة الغفران على لسان جارية : ( أتدري من أنا يا علي بن منصور ؟ أنا توفيق السوداء التي كانت تخدم في دار العلم ببغداد على زمان أبي منصور محمد بن علي الخازن ، وكنت أخرج الكتب إلى النساخ ) ويتساءل أحمد أمين فهل دار العلم هذه هي بين الحكمة أو غيرها ؟ ([16])، الحقيقة أن دار العلم والتي ذكرها المعري هي خزانة سابور بن أردشير وتعرف بـ ( دار العلم ) وكان أبو العلا المعري يتردد عليها.


([1]) انظر : محمد عجاج الخطيب ، لمحات في المكتبة والبحوث والمصادر ، ط19 ( بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1420هـ - 1999م ) ، ص 39  ، والحاشية ( 3 ) .
([2]) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ص 335 ، دار المعرفة .
([3]) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ص 135 ، دار المعرفة .
([4]) انظر : معجم الأدباء ، ج 3 ص 1409 ، دار الغرب الإسلامي .
([5]) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ص 21 ، دار المعرفة .
([6]) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ص 152 وناظر ص 158 ، و ص 301 و ص329 و ص 370، دار المعرفة .
([7])  انظر : الفهرست ، ص 21 ، دار المعرفة .
([8])  انظر : الفهرست ، ص 335 ، 336 ، دار المعرفة .
([9]) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ص 301 ، دار المعرفة .
([10])  انظر : محمد كرد علي ، خط الشام ، ج 6 ص 185 ، ط3 ( دمشق ، مكتبة النوري ، 1403هـ - 1983 م ) .
([11]) انظر : أحمد أمين ، ضحى الإسلام، ج 2 ص 64 .
([12]) انظر : أحمد أمين ، ضحى الإسلام، ج 2 ص 65 .
([13])  انظر : الفهرست ، ص 15 ، دار المعرفة .
([14])  انظر : الفهرست ، ص 33 ، دار المعرفة .
([15])  انظر : الفهرست ، ص 37 ، دار المعرفة .
([16]) انظر : أحمد أمين ، ضحى الإسلام، ج 2 ص 65 .