الأربعاء، 29 يناير 2020

السؤال ( 302 ) : وعن كان وكان ( كاوه وكيومري ) ؟ ( اسئلة الجاحظ التربيعية )



302 - وعن كان وكان ؟ ( كاوه وكيومرث )


لم أجد ( كان وكان ) ولعل هناك تصحيف ! ولم أجد ( كلوه ) ولعل في الكلمة تصحيف ! وقد ذكر شارل برت في تحقيق لرسالة التربيع ( كاوه وكيومرث ) .

إلا أن المسعودي يذكر كاه وجاي ، يقول المسعودي في التنبيه والإشراف ( وللفرس غير هذين الخطين الذين أحدثهما زرادشت خمسة خطوط منها ما تدخله اللغة النبطية، ومنها ما لا تدخله، وقد أتينا على شرح جميع ذلك، وما ذكروا له من المعجزات والدلائل والعلامات، وما يذهبون اليه في الخمسة القدماء عندهم «أورمزد» وهو الله عز وجل و «أهرمن» وهو الشيطان الشرير، و «كاه» وهو الزمان، و «جاى» وهو المكان، و «هوم» وهو الطينة والخميرة وحجاجهم لذلك، وعلة تعظيمهم للنيرين وغيرهما من الأنوار، والفرق بين النار والنور، والكلام في بدء النسل، وما كان من «ميشاه» وهو مهلا بن كيومرت، ومن «ميشانى» وهو مهلينة بنت كيومرت، وان الناس من الفرس يرجعون في أنسابهم إليهما ) ([1]) .
ولعل الكلمة الصحيحة هي ( كاه ) وهو الزمان ، و( جاي ) وهو المكان .
أما كيومرث ( كيومرت ) أو جيومرث ( جيومرت ) فهو أول ملك لدى الفرس واول من خلق الله حسب زعمهم ويعني اسمه ابن الطين ويقال الحي الناطق وهو عندهم أول النسب وقد اتفق الفرس كما يذكر ابن خلدون([2]) ، أنه هو آدم الذي أول الخليقة ، وأنه أول من ابتعثه أورمزد إلى الأرض وأنه كان يستنشق النسيم ثلاثة آلاف سنة ثم أخرجه في قامة ثلاثة رجال وأن أبليس ( أهرمن ) كاد له ثلاثين سنة ، ويقال أن خلق رجل اسمه كيومرث وحيوان اسمه ثور فقتلهما فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس وخرج من أصل ريباس رجل يسمى ميشة وامرأة تسمى ميشانة وهما أبو البشر ونبت من مسقط الثور الأنعام وسائر الحيوانات ([3]).
ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن يزدان وهو الصانع الأول عندهم أفكر في أمر أهرمن وهو الشيطان عندهم فكرة أوجبت أن عرق جبينه فمسح العرق ورمى به فصار منه كيومرث، وويقال أن كيومرث مكث في الجنة ثلاثة آلاف سنة ثم هبط إلى الأرض فكان أمنا مطمئنا ثلاثة آلاف سنة أخرى ثم مكث بعد ذلك ثلاثين أو أربعين سنة في خصام وحرب مع أهرمن هتى هلك .
ويقال أنه كان بينهما صراع كان الغالب فيه كيومرث وأنه قتل ابن أهرمن ويسمى خزورة ويقال أن كان وأن ركب أهرمن وجعل يطوف به العالم إلى أن سأله أهرمن ما هو الشيء الذي يخافه فذكر له كيومرث أنه باب جهنم فلم بلغ اهرمن باب جهنم جمح به فسقط كيومرث ولم يستمسك فعلاه أهرمن وسأله عن أي جزء يبدأ بأكله فقال من رجله لينظر إلى حسن العالم قبل موته فبتدأ يأكل من رأسه وعندما وصل إلى خصيته وأوعية المني قطر من كيومرث قطرتا نطفه على الأرض فنبتت منها ريباستان في جبل باصطخر يعرف بجبل دام داذ ثم ظهرت على تيك الريباستين الأعضاء البشرية فتصور منهما بشران ذكر وأنثى وهما ميشي وميشانة وهما بمنزلة آدم وحواء وعند المليين ويقال لهما أيضا ملهى وملهيانة ويسميها مجوس خوارزم مرد ومردانه ([4]).
وفي من هامش الملل والنحل للشهرساتتي تحقيق أحمد فهمي محمد: ( كيومرت أوجيومرت أول من ملك العالم وكان قد سخر الله له جميع الجن والأنس وخصه من عنايته بمزبد من القوة والشهامة وروعة الجلالة وبها المنظر ، وهو أول من لبس جلود السباع ، وكان كل يوم يحضر الجن والأنس ببابه وويصطفون صفوفا على رسم الخدمة له ، ومعنى كيومرت عند الفرس ابن الطين ، والسهلي ضبطه بجيم مكان الكاف ، والظاهر أن الحرف بين الجيم والكاف والفرس كلهم متفقون على أن كيومرت هو آدم الذي هو أول الخليقة وكان له ابن اسمه منشا ولمنشا سيامك ولسيانك إفروال ومعه أربعة بنين وأربع بنات ، ومن إفروال كان نسل كيومرت والباقون انقرضوا فلا يعرف لهم عقب ، ومنشا هو شيث . وقال بعض علماء الفرس إن كيومرت هو كومر بن يافث بن نوح وأنه كان معمرا ، ونزل جبل دنياوند من جبال طبرستان وملكها ثم ملك فارس وعظم أمره وأمر بنيه حتى ملكوا بابل ، وقيل إن كيومرت هو الذي بنى المدن والحصون واتخذ الخيل وتسمى بآدم وحمل الناس على دعائه بذلك وأن الفرس من عقب ولده ماداي ولم يزل الملك في عقبهم في الكينية والكسروية إلى آخر أيامهم ( الشاهنامة أو ص 13 ابن خلدون أول ص 227 – 228 )  )([5]).
وفي مروج الذهب يذكر أنه أول ملوكالفرس وتنوزع فيه فمنهم من زعم أنه ابن آدم والأكبر من ولده ومنهم من زعم وهم الأقل أنه أصل النسل وينبوع الذرة ، وقيل أنه أميم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح لأان أميم أول من حل بفارس من ولد نوح ، وكان كيومرث ينزل بفارس والفرس لا تعرف طوفان نوح ، ويذكر ن كيومرث أكبر أهل عصره والمقدم فيهم وكان أول ملك نصب في الأرض وانه اختير من أجل مكافحة الفساد لصفاته الجسديه والخلقية وأن الناس ساروا إلى كيومرث بن لاوذ وطلبوه أن يكون ملكا عليهم فأجابهم وأنه خطبهم لأن يشكروا ما هم عليه من نعم ويعدهم بالعدل ، وذكر المسعودي أنه أول من أمر بالسكوت عند الطعام وفي النهاية يقول المسعوددي: ( وقد تنوزع في مقدار عمر كيومرث هذا فمن الناس من رأى أن عمره ألف سنة، دون ذلك، وللمجوس في كيومرث هذا خطب طويل في أنه مبدأ النسل، وأنه نبت من نبات الأرض، وهو الريباس، هو وزوجته، وهما شابة ومنشابة وغير ذلك مما يفحش إيراده، وما كان من خبره مع إبليس، وقتله إياه، وكان ينزل إصْطخْر فارس، وكانت مدة ملكه أربعين سنة، وقيل: أقل من. ذلك.  )([6]) .
وفي البدأ والتاريخ أن الله خلق الإنسان في سبعين " يوما وسماه كيومرث وأنه كان في جبل يسمى كوشاه ولم يزل يعمل الخير والعبادة ، وكان في سياحته ثلاثين سنة ثم طعنه إبليس فقتله فسال من طعنته دمه وصار ثلاثة أثلاث فثلث منه أخذته الشياطين وثلث أمر الله روشنك الملك أن يأخذه ويصونه وثلث قبلته الأرض فصارت محفوظة أربعين سنة ثم أنبت الله منه نباتا كهيئات الريباس وظهر في وسط ذلك النبات صورتان ملتفان بورق ذلك النبات  أحدهما ذكر والآخر أنثى واسم الذكر منها ميشي واسم الأنثى ميشانه ومرتبة هذين عند الفرس مرتبة آدم وحواء عند أهل الكتاب وسائر الأمم " ([7]) .
أما ابن خلدون فيذكر ان الفرس تتفق أنكيورمت هو آدم الذي هو أول الخليقة وأن له ابن اسمه منشا ولمنشا سيامك ولسيامك أفروال ومعه أربعة بنين وأربع بنات ومن أفروال كان نسل كيومرت ، وأنه لأفروال ولد أوشهنك بيشداد ، وذكر عن الطبري أنه أول حاكمبالعدل وأن أفروال ورث ملك كيومرت وملك الأقاليم السبعة ، ويذكر ابن خلدون أن بعض علماء الفرس يقول أن كيومرت هو كومر بن يافث بن نوح وأنه كان معمرا ونزل جبل دنباوند من جبال طبرستان وملكها ثم ملك فارس وعظم أمره وأمر بنيه حتى ملكوا بابل، وأن كيومرت هو الذي بنى المدن والحصون واتخذ الخيل وتسمى بآدم وحمل الناس على دعائه بذلك وان الفرس من عقب ولده ماداي ولم يزل الملك في عقبهم ،  ([8]).
وبينما في الشهنامة للفردوسي أن لجيومرت الملك ابن يدعى سيامك أحبه حبا شديدا ورباه تربيه جديرة بالملوك وأبعده عن كل أعمال الجن والسحر غير أنه ظهر له عدو من الجن أخذ يتبعه بقصد إهلاكه فلما علم بذلك سيامك قرر محاربة ذلك الجني غير أن الجني استطاع قتل سيامك فلم علم الملك جيومرت بموت وحيده حزن لذلك وكان لسيامك ولد يدعى أوشهنج سمه جيومرت مقاليد الملك فقررا معا قتل ذلك الجني وبعد معارك ضارية استطاعت جيوش جيومرت وحفيده من الجن والحيوانات الضارية أن تقتل ذلك الجني ومات جيومرت بعد ثلاثين سمنة من الملك وخلف من بعده حفيده اوشهنج . ([9]).
معجم أعلام الأساطير والخرافات : ( والد البشر في الأساطير الفارسية . راجع جايومارت . ) ([10]) .
معجم ديانات وأساطير العالم : الإنسان الأول والبطل الشعبي في الأساطير الفارسية الذي خلقه إله الخير أهورامزدا وفي النهاية قتله الروح الشرير أهرمان . يظهر جيومرت في الملحمة الفارسية " الشاهنامة " للفردوسي بوصفه أول ملك على العالم واسمه يعني الملك العظيم ولقد كان يعيش في الجبال ويرتدي جلود الحيوانات وتلتف الحيوانات حول عرشه لتحيته وكان له ابن يحبه كثيراً هو سياسيك ، ولقد وجد الفردوسي جيومرت في الأساطير الفارسية القديمة التي تقول إن الإنسان الأول خلق في نفس اللحة التي خلق فيها الثور السماوي ولقد هبط الشيطان أهرمان عليهما – الإنسنا الأول والثور السماوي – وقتلهما معاً ، غير أن بذور ( قطرات من نطفة ) جيومرت سقطت على الأرض وكذلك بذور الثور السماوي ومن بذور جيومرت نمت شجرة ريباستان وهو نبات الواند الصيني – وهي الشجرة التي خرج منها أول زوجين بشريين وهما مشيا ومشانة ومن بذور الثور السماوي نشأت كل أنواع الحيوانات . وكثيراً ما يظهر جيومرت في الآثار الفنية الفارسية وهو يرتدي جلود الحيوانات ويعلم شعبه فنون الحضارة([11]) .


([1])المسعودي ، التنبيه الاشراف ، ص 81 ، دار الصاوي ، القاهرة.
([2])انظر تاريخ ابن خلدون (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر ) ج2 ص 181 –تحقيق : خليل شحادة ، ط 2 ( بيروت،دار الفكر ،  1408هـ / 1988م ) .
([3])انظر الملل والنحل ص 261 ، 262 ، دارالكتب العلمية،بيروت، الط1، 1413هـ / 1992م .
([4]) أبو حامد المدائني ، شرح نهج البردة ، ج1  ص 105 ، 106 ، ط1 ، دار الكتب العلمية .
([5])من هامش الملل والنحل للشهرستاني تحقيق أحمد فهمي محمد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط2 ، 1413هـ ، ص 261 1992م ] ، وانظر كذلك ابن خلدون في تاريخه ج2 ص 177 ، 178 ، ، ط1 ، دار الكتب العلمية .
([6])مروج الذهب ج1 ص 222  ، المكتبة الإسلامية ، بيروت .
([7]) انظر البدء والتاريخ ج 2 ص 77 ، مكتبة الثقافة الدينية ، بور سعيد .
([8])انظر تاريخ ابن خلدون ، ج 2 ص  182 ، ط2 ، دار الفكر   .
([9])انظر الشاهنامة للفردوسي ، ترجمة سمير مالطي، دار العلم للملايين، ط2، 1979 م .
([10]) معجم أعلام الأساطير والخرافات ص 280 .
([11]) انظر معجم ديانات وأساطير العالم ج 2 ص 22 ، 23.

الثلاثاء، 28 يناير 2020

تأملات في غزوة بدر




 تأملات في غزوة بدر


خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى بدر

تختلف مصادر السيرة النبوية وكتب التاريخ في تحديد اليوم الذي خرج فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، فتورد عدة أيام وهي على النحو التالي :-
1- يوم الاثنين الثامن من رمضان ، ويروي ذلك ابن هشام .
2- يوم السبت الثاني عشر من رمضان ، ويروي ذلك ابن سعد في طبقاته .
3- يوم الاحد الثاني عشر ، ويروي ذلك الواقدي في مغازيه .
4- اليوم الثالث من رمضان ، ويرويها الطبري عن غير ابن إسحاق .

أولاً / يوم الاثنين الثامن من رمضان ، ( رواية ابن هشام)

- تكاد تجمع  المصادر على أن غزوة بدر قد جرت في يوم الجمعة 17 من رمضان من السنة الثانية للهجرة ،  وإذا صح ذلك فإن يوم الثامن من رمضان يوافق يوم الأربعاء لا يوم الاثنين .
- وإذا صحت رواية ابن هشام بأن خروج  جيش المسلمين من المدينة كان في يوم الاثنين 8 رمضان فإن خروج كفار قريش من مكة إلى بدر كان سابق لخروج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى بدر ، حيث تذكر الروايات أن مسير كفار قريش إلى بدر استغرق مدة عشر ليال ( أي أن خروجهم كان في 7 رمضان ) وهذا يتعارض مع ما يذكره بعض الباحثين من أن أبي سفيان بعث ضمضم بن عمرو إلى كفار قريش يستنجدهم بعد أن علم بخروج جيش المسلمين من المدينة  ، والحقيقة أن أبا سفيان قد أرسل ضمضم بن عمرو لربما حتى قبل رمضان بعد أن علم بأن جيش المسلمين كانو قد ترصدوا لقافلة قريش عند مسيرها للشام.

ثانياً / يوم السبت الثاني عشر من رمضان ، رواية ابن سعد

- هذه الرواية تتفق مع رواية الواقدي ولكن تختلف في أن ابن سعد يذكر أن يوم الثاني عشر يوافق يوم السبت وهو ما يتعارض مع ما تورده كتب السيرة من أن غزوة بدر جرت في يوم الجمعة 17 رمضان ، حيث يوافق ( 12 رمضان ) يوم الاحد ( كما يذكر الواقدي ) لا يوم السبت كما ذكر ابن سعد .
- والزعم بأن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم كان في يوم 12 رمضان يتعارض حتى مع ما تورده كتب السيرة من أن كفار قريش قد علموا بنجاة القافلة وهم في الجحفة وكان ذلك في يوم العاشر أو الحادي عشر من رمضان بعد أن بعث أبو سفيان قيس بن امرئ القيس ليخبرهم بسلامة القافلة ، ومن المحال أن يخرج الرسولى لاعتراض قافلة ابي سفيان وقد نجت القافلة ، خاصة وأن مبعوثي الرسول صلى الله عليه وسلم بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء قد علموا باقتراب قافلة أبي سفيان إلى بدر قبل قدومها بيوم أو يومين كما تذكر بعض المصادر ( الواقدي ) .

ثالثاً : يوم الأحد الثاني عشر من رمضان ، رواية الواقدي

- رغم ان يوم الأحد الثاني عشر من رمضان يتوافق مع ما ترويه كتب السيرة من أن غزوة بدر قد جرت في صبيحة يوم الجمعة 17 رمضان ، إلا أنه وكما ذكرنا سابقاً فمن المستبعد أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الأحد 12 رمضان ويواصل مسيره إلى بدر وهو يعلم بنجاة قافلة أبو سفيان بيوم أو يومين على الأقل ، ومع الأسف أن البعض يرجح هذا التاريخ على غيره من التواريخ الأخرى التي سبق ذكرها ، واعتقد أن رواية ابن سعد ورواية الواقدي هي أضعف الروايات إن قارنها ببعض ما تروه كتب السيرة من أحداث غزوة بدر .
وعتقد ان هذه الرواية ورواية ابن سعد لا يمكن أن تصح إلا إذا جرت معركة بدر في 19 رمضان لا في 1 رمضان وهو تاريخ تذكره بعض المصادر كتاريخ محتمل لغزوة بدر . 

رابعاً : اليوم الثالث من رمضان ، ( رواية الطبري )

وهذه الرواية في تتفق مع ما يذكره بعض الباحثين في كتب السيرة من أن خروج كفار قريش بعد أن بعث أبو سفيان ضمضم إلى كفار قريش يحرضهم على الخروج من أجل الدفاع عن اموالهم في القافلة .
 والحجة الوحيدة التي تواجه هذه الرواية أن المسافة بين المدينة المنورة وبدر لا تستغرق كل هذا الوقت ( مدة أسبوعين تقريباً ) ، ويمكن الرد على هذه الحجة بأن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم كان مرتبط بمسير قافلة كفار قريش واستقصاء خبرها ويتضح ذلك من تعدد المنازل التي نزلها الرسول صلى الله سلم في طريقه إلى بدر وبعثه للأعين من أجل ترصد قافلة قريش، وكلما كان خروج الرسول باكراً من المدينة ، كلما كان اكثر قرباً من الطرق المحتمل أن تسلكها القافلة وبالتالي أكثر اقتراباً من القافلة .
وفي اعتقادي ان هذه الرواية ورواية ابن هشام هي الأقرب للصواب والأقل تعرضًا للمطاعن . 
***

موضع تمركز كفار قريش

تكاد تجمع المصادر على أن دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر في يوم الخميس 16 من شهر رمضان في صباح أو مساء ذلك اليوم حيث تذكر تلك المصادر أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل من شمال بدر ،يقول ابن اسحاق : فارتحل الرسول صلى الله عليه وسلم من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدبة وترك الحنان بيمين وهو كثيب كالجبل العظيم ثم نزل قريب من بدر ([1]) ، ولما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر فأصابوا رواية لقريش فيهم أسلم غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما ... وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سألهما : أخبراني عن قريش . قالا : هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى- والكثيب: العقنقل  ([2]).
فهذا النص يحدد لنا دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر من شمال بدر  وان دخولهم كان من شرق كثيب الحنان ( دف علي ) ، كما يوضح أن دخول الرسول وجيشه كان في صباح يوم الخميس أو قبل ظهر يوم الخميس فالنص يذكر أن الرسول لم يبعث علي والزبير وسعد إلا في المساء ( قالوا في اللغة المساء : بعد الظهر إلى صلاة المغرب ، وقال بعضهم إلى منتصف الليل )) ، وإجابة سقاة كفار قريش من أن معسكر قريش خلف الكثيب الذي يرى يدل أن المقصود بالمساء هو المعنى الأول ( ما بين الظهر إلى المغرب ) فلو كان في الليل لما أشاروا نحو الكثيب  .
كما يحدد لنا هذا النص موضع كفار قريش فهم خلف الكثيب ، ويعلق ابن إسحاق بأن الكثيب هو العقنقل .
والعقنقل في القواميس العربية ما تراكم من الرمل ، وقيل العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل ، يقال أن الرمل الكثير يقال له العقنقل فإن نقص فهو كثيب فإذا نقص فهو عوكل فإذا نقص فهو سقط فإذا نقص فهو عداب فإذا نقص فهو لبب ، فالعقنقل هو الكثيب العظيم كما نرى .
قد تحدثت كتب عن السيرة وحددت موضع  العقنقل فذكر ابن إسحاق هذا النص : (( ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الودي وهو يليل بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذي خلفه قريش والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة )) .
ويقول الزمخشري : ((يلْيل: موضع، وقيل: جبل، وقيل: واد بين بدر والعقنْقل )) .
إن نص ابن إسحاق والزمخشري هذا يحدد صراحة بأن العقنقل يقع جنوب وادي يليل ، ويليل وادي معروف لدى الجميع ، ولو جمعنا بين ما ذكره سقاة قريش من وصفهم لموقع كفار قريش من أنه خلف الكثيب ، وما ذكره ابن اسحاق من أن الكثيب المقصود هو العقنقل ، وأن العقنقل  وكما تذكر المعاجم العربية هو الرمل المتراكم فإننا نرى أن ذلك الكثيب ما هو إلا الكثيب العظيم الذي يقع جنوب بدر عند جبل كراش فهو في جنوب وادي يليل وهو كثيب عظيم يتطابق مع ما تذكره المعاجم من أن العقنقل هو الكثيب العظيم ، ولا نجد أي موضع أخر يتطابق مع هذه الوصف غير ذلك الكثيب في جنوب بدر. 
وبما أن موضع كفار قريش كان خلف العقنقل فإن ذلك هو الموضع الذي يعرف بالعدوة القصوى كما ذكر الله عز وجل في محكم كتابه في قوله تعالى : {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } [الأنفال: 42] ، والمقصود بالعدوى هنا هي عدوتا الوادي ( جانبي أو ضفتي الوادي ) والوادي هو وادي يليل يقول الواقدي : ((فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدوة الشامية ونزلوا بالعدوة اليمانية - عدوتا النهر والوادي جنبتاه  )) .
إن النصوص التي أوردناها عن موضع العقنقل تتطابق مع استنتاجاتنا الخاصة في إحداث غزوة بدر ، وفي اعتقادنا أننا لو قمنا بسرد أحداث المعركة لكانت على النحو التالي :-
1- وصول جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في ظهر أو عصر يوم الخميس من 16 رمضان من سنة 2 من شمال بدر وسلك منطقة الدبة وترك الحنان يمين ثم نزل قريبًا من بدر .
2- وفي هذه الأثناء  أو قبل ذلك بما يزيد عن يوم كانت قريش قد حطت رحالها خلف العقنقل في جنوب بدر بجوار جبل كراش وقد أجهدهم السفر ، [ أو لربما منعهم هطول المطر من إكمال مسيرهم إن كنت لا أرجح ذلك وأرى أن سقوط المصر لم يحدث إلا ليلة الجمعة ] ، فبعثوا السقاة إلى آبار بدر والتي تبعد حوالي ( 6 ) كيلو .
3- في المساء ( بعد الظهر أو العصر وقبل أن تغيب شمس ذلك اليوم 16 رمضان ) ) بعث الرسول صلى الله عليه وسلم   سرية علي و والزبير وسعد رضي الله عنهم فقبضوا على رواية قريش وفيهم أسلم غلام بني الحجاج [ وفي رواية الإمام أحمد رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط ، فأما القرشي فانفلت واما مولى عقبه فأخذناه ( كما يذكر علي بن أبي طالب ) ] وتم استجواب هؤلاء السقاة فتبين للرسول صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كانوا خلف العقنقل ( جنوب بدر ) ، بينما فر ثالث السقاة ( عجير ) أو رابعهم إلى كفار قريش ليبلغهم بتواجد جيش الرسول في بدر  .
4- تقدم جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في عشاء ( من صلاة المغرب إلى العتمة ) يوم الخميس ( 16 رمضان ) إلى وادي بدر من أجل السيطرة على الآبار وبإشارة الحباب بن المنذر ، فغورت الآبار ما عدى بئر هو أدنى إلى كفار قريش وبني عليه حوض ، ثم بني  العريش للرسول صلى الله عليه وسلم وقد أجهد الصحاب في تلك الليلة وأصابهم النعاس ونزل المطر في تلك الليلة ، وقام المسلمون بهذه الأعمال وهم يعلمون أن كفار قريش لم يعملوا بوجود جيش المسلمين في بدر وبأن المسافة بين معسكر جيش المسلمين وجيش قريش لا تسمح بهجوم جيش قريش على المسلمين وهم مجهدين ، وفي تلك الفترة وبعد مغرب ذلك إلى العشاء أو بعده وصل عجير أحد سقاة قريش والذي استطاع الهرب إلى معسكر كفار قريش خلف العقنقل وأخبر كفار قريش ليتفق كفار قريش على أن يتحارسوا حتى الصباح خفاً من أن يبيتهم جيش المسلمين بالليل .     
5- وفي تلك الليل أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وابن مسعود ليطوفا بقريش فذهبا وعادا وقد لاحظوا الذعور والفزع في معسكر المشركين وعادوا فأخبروا الرسول بذلك ، فلما أصبح كفار قريش لاحظ نبيه بن الحجاج وكان رجل يبصر الأثر أثار عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود .
6- في فجر أو صباح  يوم الجمعة ( 17 رمضان ) تحرك جيش قريش من خلف العقنقل بجوار كراش ، إلى بدر ، وهنا نحن أمام طريقين اتبعهما كفار قريش للوصول إلى بدر  يطرحهم بعض الدارسين لغزوة بدر ، وهما :-
 الرأي الأول / أن طريقهم يمر بـ ( فج الدخول ) ليمروا بعد ذلك بجبل الأصفر ، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن جمع قريش تحت هذا الضلع الحمراء من الجبل ) فمقولة الرسول صلى الله عليه وسلم ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في صباح الجمعة ( أو مع طلوع فجرة ذلك اليوم ) ، وكفار قريش متجهين نحو المسلمين لخوض المعركة ، فرواية الإمام أحمد هي على هذا الشكل : ( قال: فلما أن طلع الفجر نادى: "الصلاة عباد الله"، فجاء الناس من تحت الشجر والحَجَف، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرض على القتال، ثم قال: "إن جمع قريش تحت هذه الضَّلَع الحمراء من الجبل"، فلما دنا القوم منا وصافقناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير ) .
الرأي الثاني / هو أن كفار قريش اتجهوا  رأسًا من العقنقل إلى بدر  ودخلوا من أسفل موضع النخيل في جنوب العريش ، والمقصود بالجبل الأصفر هو بعض الجبل القريبة من حي إدمان ، ووصف تلك الجبال بـ ( الضلع الحمراء )  ينطبق على تلك الجبال شمال العقنقل فهي منفردة بعكس ما نراه  في جبال الأصفر التي هي تقريبًا كتلة واحدة ممتده .
والبعض من الباحثين يعترض على هذا الرأي بأنه لو صح هذا الرأي لذكرى موضع إدمان ( حي إدمان ) لشهرته  في كتب السيرة أو الروايات التي نقلت إلينا ، وفي اعتقادي أن هذه ليس بحجة فعدم ذكر إدمان ليست حجة على مسيرة كفار قريش نحو مواضع المعركة رأسًا من العقنقل إلى موضع المعركة جنوب مشسجد العريش دون المرور بفج الدخول .
7- جرت معركة بدر في صباح يوم الجمعة وذلك بعد طلوع الشمس وقد تجهز الرسول صلى الله عليه وسلم في موضع استراتيجي سيطروا فيه على المياه وكان عريش الرسول على رابية وكان جيش المسلمين مصطف وظهره للشمس مما اضطر كفار قريش لمواجهة الشمس عند خوض المعركة وكل هذا يدل أن هذه المميزات توفرت لجيش المسلمين لأنهم كانوا أقرب إلى مناطق المياه من جيش المشركين ودخلهم إلى بدر قبل دخول كفار قريش لها .
والآن فلنأتي إلى نقطة مهما وهي ما تذكره بعض الآراء والاستنتاجات والتي تذكر ان كفار قريش قد عسكروا بجوار جبل الأصفر ( غرب بدر ) خلف ذوات اشطين ( أم شطين ) ويدللون على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن جمع قريش تحت هذا الضلع الحمراء من الجبل )  ولا يوجد جبل ذو لون أحمر إلا ذلك الجبل المعروف بالأصفر في غرب بدر . ونرد على ذلك بالتالي :-
1- إن الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المقول للصاحبة رضوان الله عليهم في فجر أو صباح يوم الجمعة وليس في عصر يوم الخميس وفي تلك الفترة انتقل كفار قريش من العقنقل إلى بدر ومروا بذلك الموضع في طريقهم لخوض المعركة ، ومما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يصف جيش كفار قريش في تحركهم وسيرهم لبدر في صباح يوم الجمعة ، أن الرسول عندما سأل سقاة كفار قريش عن موضع قريش ذكروا أنهم خلق ذلك الكثيب ، فيدل هذا النص على أن هناك انتقال جرى لجيش قريش من مكان إلى أخر في الفترة ما بين عصر يوم الخميس وصباح يوم الجمعة من موضع ( خلف الكثيب ) إلى موضع ( الضلع الحمراء من الجبل ) وبذلك لا يمكن الاستشهاد بهذا النص كدليل على تموضع أو تمركز كفار قريش بقدر ما هو دليل على كفار قريش قد مروا من ذلك الموضع لمواجهة جيش الرسول صلى الله عليه وسلم .
2-لو استرجعنا نص السقاة في تحديد موضع كفار قريش في مساء يوم الخميس لوجدنا أن السقاة قد قالوا : " هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى " فهذا النص يحدد أن كفار قريش وراء أو خلف الكثيب ، ولا يوجد كثيب في تلك المنطقة من غرب بدر وإنما توجد بعض البرق ( رمال مختلطة بالصخور = جبال تكسوها الرمال ) وحتى لو كانت هذه هي المقصودة فإن قولهم : وراء الكثيب فإن ذلك يعني أن كفار قريش خلف تلك الجبال أي خارج بدر ( بجوار مخطط الغزلاني ) وهذا ما لم يقل بهذا أحد ، بينما ينطبق هذا الوصف والذي ذكره سقاة قريش على كثيب العقنقل ، وبالإمكان رؤية كثيب العقنقل من موضع تمركز جيش المسلمين في شمال بدر .
3- لو صح أن موضع تمركز كفار قريش بجوار جبل الأصفر في يوم الخميس ( 16 رمضان ) فهل من المنطق أو المعقول أن لا تشعر قريش بدخول جيش المسلمين ( المكون من 300 رجل )  إلى بدر والمسافة بين تموضع كفار قريش حول جبل الأصفر عن معسكر المسلمين في الدبة لا تزيد عن 1 كيلو  ، والأكثر من ذلك هل من المعقول أن يتم اعتقال سقاة كفار قريش ولا تعلم قريش بذلك مع أن المسافة بين موضع السقيا ( الآبار ) في بدر بجوار العريش وتموضع كفار قريش بجوار جبل الأصفر تقارب حوالي الكيلو متر ، فلو صرخ أحد السقاة ليحذر قريش لسمعه كفار قريش  في موضعهم ذاك وانطلقوا لنجدة السقاة ، ولو استبعدنا عدم سماع كفار قريش لصوت الاستغاثة من هؤلاء السقاة ، فقد أوردت المصادر أن أحد السقاة قد فر وأبلغ كفار قريش بتواجد جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر ومسافة كيلو متر تقطع في أقل من نصف ساعة ولكان تصرف قريش المنطقي هو نجدة هؤلاء السقاة بل والتقدم نحو آبار بدر  والسيطرة على مواضع المياه ، ولجرت المعركة في عصر يوم الخميس وليس صباح الجمعة .
4- ونقطة تضاف للنقطة الثالثة ( 3 ) وهي المتأمل في نصوص السيرة يستنتج أن كفار قريش لم يعلموا بوجد جيش المسلمين إلا من هذا الساقي الفار ( عجير ) وإن ذلك جرى في الليل ولذلك تحارسوا خوفًا أن يبيتهم ( يهاجمهم في الليل ) جيش المسلمين وفي اعتقادي أن عجير لم يصل إلى كفار قريش إلا بعد ساعة ونصف أو ساعتين على الأقل وذلك منذ فراره في  عصر يوم الخميس وحتى وصوله إلى معسكر كفار قريش بالليل مما يدل على أن المسافة التي قطعها عجير حتى وصوله لمعسكر كفار قريش تزيد عن الكيلو أضعاف مضاعفة وقد تصل إلى 6 كيلو وهي المسافة التي يبعد فيها كثيب العقنقل عن بدر .
وللبحث بقية ..
****




([1]) انظر : سيرة ابن هشام ، ج 1 ص 613 -616 ، ط2 ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر .
([2]) انظر : سيرة ابن هشام ، ج 1 ص 616 ، ط2 ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر .

الأحد، 5 يناير 2020

الدوال باي، الذوال باي ، دوالباي - معجم الأساطير


الدوال باي، الذوال باي ، دوالباي

في التراث العربي القديم هم نتاج مركب ما بين بعض النبات والحيوان مثلهم مثل الواق واق كما يذكر الجاحظ ، وذكروا أن أمة كانت في الأرض، فأمر الله تعالى الملائكة فأجلوهم، ويقال أنهم جنس هندي يزعمون أنه له أرجلا دقيقة مرنة شبيهة بالسور، فهو كسيح يتحين فرصة العثور على المسافرين ويلح عليهم ليحملوه ، ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم من نوع المالوف وهم أناس لا يطاوعهم أرجلهم ويسمون دوال باي ، ويعرفون بـ ( دوالباي ) و ( دوال باي ) و ( الذوال باي).
ويربط الجاحظ بين الدوال باي والنسناس في حديثه عن هذا الجنس وقد عرف عند الفرس أن النسناس نوع من الشياطين الذي يعيش على ضفاف الأنهار ويعرض للمسافرين على شكل شيخ هرم طالبا المعونة لعبور مجرى النهر فإذا حمله المسافر على كتفه وبلغ به وسط النهر شد النسناس على عنقه وأهلكه ، وهو شبيه لما يرف في ألف ليلة وليلة وفي قصة السندباد بالتحديد  .
وقد ذكرهم الجاحظ في الحيوان وقال أنهم نتاج ما بين بعض النبات والحيوان يقول الجاحظ : (ما زعموا في النسناس وغيره وزعموا أن النسناس تركيب ما بين الشق والإنسان، ويزعمون أن خلقا من وراء السد تركيب من النسناس، والناس، والشق، ويأجوج ومأجوج، وذكروا عن الواق واق والدوال باي أنهم نتاج ما بين بعض النبات والحيوان، وذكروا أن أمة كانت في الأرض، فأمر الله تعالى الملائكة فأجلوهم؛ وإياهم عنوا بقولهم: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " ، ولذلك قال الله عز وجل لآدم وحواء: " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " ،فهذا يدل على أن ظالما وظلما قد كان في الأرض. ) ([1]) .
كما أسماه الذوال باي يقول الجاحظ في الحيوان : ( وسمع بعض الجهال قول الحسن : ذهب الناس وبقيت في النسناس فجعل النسناس جنسا على حدة وسمع آخرون هم أجهل من هؤلاء قول فجعل النسناس جنسا على حدة وسمع آخرون هم أجهل من هؤلاء قول الكميت : نسناسهم والنسانسا فزعموا أنهم ثلاثة أجناس : ناس ونسناس ونسانس هذا سوى القول في الشق وواق واق وذوال باي وفي العدار وفي أولاد السعالي من الناس وفي غير ذلك مما ذكرناه في موضعه من ذكر الجن والإنس .
 وقد علم أهل العقل أن النسناس إنما وقع على السفلة والأوغاد والغوغاء كما سموا الغوغاء الجراد إذا ألقى البيض وسخف وخف وطار ) ([2]) .
وفي تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن : (وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ الله تعالى خلق الخلق أربعة أصناف:الملائكة، والشياطين، والجنّ، والإنس، ثمّ جعل هؤلاء عشرة أجزاء، تسعة منهم الملائكة، وواحد الثلاثة الباقية، ثمّ جعل هذه الثلاثة، عشرة أجزاء، تسعة منهم الشياطين، وجزء واحد الجنّ والإنس، ثمّ جعلهما عشرة أجزاء، فتسعة منهم الجنّ، وواحد الإنس، ثمّ جعل الإنس مائة وخمسة وعشرين جزءا، فجعل مائة جزء في بلاد الهند، منهم ساطوح، وهم: أناس رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب، وماسوخ وهم: أناس آذانهم كآذان الفيلة، ومالوف، وهم: أناس لا يطاوعهم أرجلهم، يسمّون دوال باي، ومصير كلّهم إلى النار. ) ([3]).
وفي هامش رسائل الجاحظ يقول عبد السلام هارون  وهو يعرف بالدوال باي  : (  زعموا فيه كما زعموا في سابقه [ أي أنه كالواق واق أي نتاج ما بين نبات وحيوان ] . الحيوان 1 : 189 و 7 : 178 وفي معجم استينجاس 539 أن " دوال باي " يطلق على جنس هندي يزعمون أنه له أرجلا دقيقة مرنة شبيهة بالسور ، فهو كسيح يتحين فرصة العثور على المسافرين ويلح عليهم ليحملوه  ) ([4]) .
و يشبه هذا قصة السندباد مع الشيخ الكسيح الذي حمله في قصص ألف ليلة وليلة: ( ثم قمت على حيلي ومشيت بين تلك الأشجار ساقية على عين ماء جارية وعند تلك الساقية شيخ جالس مليح، وذلك الشيخ مؤتزر بإزار من ورق الأشجار فقلت في نفسي لعل هذا الشيخ طلع إلى هذه الجزيرة وهو من الغرقى الذين كسر بهم المركب، ثم دنوت منه وسلمت عليه فرد الشيخ علي السلام بالإشارة ولم يتكلم، فقلت له يا شيخ ما سبب جلوسك في هذا المكان فحرك رأسه وتأسف وأشار لي بيده يعني احملني على رقبتك وانقلني من هذا المكان إلى جانب الساقية الثانية فقلت في نفسي اعمل مع هذا معروفا وأنقله إلى المكان الذي يريده لعل ثوابه يحصل لي فتقدمت إليه وحملته على أكتافي وجئت إلى المكان الذي أشار لي إليه وقلت له انزل على مهلك فلم ينزل عن أكتافي وقد لف رجليه على رقبتي فنظرت إلى رجليه فرأيتهما مثل جلد الجاموس في السواد والخشونة ففزعت منه وأردت أن أرميه من فوق أكتافي فقرط على رقبتي برجليه وخنقني بهما حتى اسودت الدنيا في وجهي وغبت عن وجودي ووقعت على الأرض مغشيا علي مثل الميت فرفع ساقيه وضربني على ظهري وعلى أكتافي فحصل لي ألم شديد فنهضت قائما به وهو راكب فوق أكتافي وقد تعبت منه فأشار لي بيده أن ادخل بين الأشجار فدخلت إلى أطيب الفواكه وكنت إذا خالفته يضربني برجليه ضربا أشد من ضرب الأسواط . ) ([5]) ، ويذكر السندباد أن البحارة قد أخبروه بان هذا هو ( شيخ البحر ) ([6]).
ومما يذكر هنا انه عرف عن الفرس النسناس وهو من الشياطين الذي يعيش على ضفاف الأنهار ويعرض للمسافرين على شكل شيخ هرم طالبا المعونة لعبور مجرى النهر فإذا حمله المسافر على كتفه وبلغ به وسط النهر شد النسناس على عنقه وأهلكه ([7]) .
وقد يكون الدوال باي نفسه مايعرف في الخليج بـ ( أبو درياه ) (أي ملك البحر ) وقد ذكر السندباد أن البحارة يسمونه ( شيخ البحر ) .
انظر مادة ( شيخ البحر ) ، ومادة ( النسناس ) .


([1]) الحيوان ج 1 ص 189 ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار إحياء التراث العربي.
([2]) الحيوان ج 7 ص 178 ، إحياء التراث العربي.

([3]) محمد أمين الهرري ، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن ، ج 1 ص  58، ط1 ( بيروت ، دار طوق النجاة ، 1421هـ / 2001م ) .

([4]) رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون ج2 / ص 374 . كتاب البغال ، دارالجيل، بيروت، ط1،  1411هـ / 1991م
([5]) ألف ليلة وليلة ج3 ص 180 وما بعدها ، المكتبة الثقافية ، بيروت .
([6]) ألف ليلة وليلة ج3 ص 183 وما بعدها ، المكتبة الثقافية ، بيروت .
([7]) انظر الجن في الشعر الجاهلي ص 30 .