الخميس، 25 مارس 2021

تصوراتنا عن غزوة بدر

 

تصورنا للمعركة

وقبل أن ننهي الحديث عن هذه الغزوة نورد هنا بعض التصورات التي نستنتجها من أحداث المعركة في غزوة بدر الكبرى :-

لا أشك أن المسلمين فد استفادوا من مسارعتهم إلى السيطرة على أرض المعركة في مساء يوم الخميس 16 رمضان [ أو 18 ، 20 رمضان حسب الروايات المختلفة ] قبل دخول كفار قريش إلى بدر في فجر يوم الجمعة 17 رمضان [ أو 19 رمضان ، 21 رمضان ] ، وفي اعتقادي أن هطول الامطار ربما ساهمت في تأخير أو تعطيل دخول كفار قريش إلى بدر في يوم الخميس 16 رمضان أو انها لم تسمح لهم بالنوم في ليلة المعركة عند العقنقل بجوار جبل كراش فدخلوا إلى أرض المعركة وهم مجهدين وعلى غير اتفاق .

وقد اختار المسلمون أفضل موقع على أرض المعركة ، يتمشى مع خطتهم الحربية التي تسمح لهم بصد كفار قريش رغم الفارق العددي بين الجيشين لصالح كفار قريش ، فمن خلال الروايات التي تنقلها كتب السيرة يتضح منها أن المسلمين قد سيطروا على أماكن المياه ، وكانت الشمس في أظهرهم بينما كانت الشمس في مواجهة كفار قريش ، ورغم أننا نعتقد أن طبيعة الأرض كانت في الجانبين أراضي سهلية وبالتالي فإن المسلمين لم يستفيدوا من هذا الجانب من مميزات المعركة كما يزعم البعض ، إلا إننا نعتقد أنه على الأقل كان موضع تواجد عريش الرسول صلى الله عليه وسلم كان في أرض مرتفعة ( رابية ) تسمح بالإشراف على المعركة ، كما تحمي الرسول صلى الله عليه وسلم من أي التفاف من قبل كفار قريش ، كما أنها تسمح له وفي حال الهزيمة من الإنسحاب إلى المدينة .

ويبدو لنا أن أرض المعركة امتدت من جنوب مسجد العريش ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في العريش في اعلى التلة وفي الجنوب الغربي من العريش كانت صفوف المسلمين وقد اتجهت انظارهم نحو الجنوب الغربي بينما قدم كفار قريش من العقنقل بجوار كراش كما ذكرنا من قبل ، وقد قدموا رأسًا في ما نعتقد من ذلك الموضع  وحتى حطوا رحالهم في الجنوب الغربي من صفوف المسلمين وكانت ساحة المعركة في موضع النخيل في خيف بدر وتمتد من مسجد العريش وحتى حدود وادي يليل ( بالغرب من محطة ابن ناصر ) ، وامتدت المعركة أيضًا إلى المناطق الغربية حيث الكثبان الرملية وذلك بعد هجوم المسلمون الشامل على كفار قريش وانحلال وضع كفار قريش وتقهقرهم من ساحة المعركة ، ومحاولتهم الفرار من ذلك الموضع .

وكما قرأنا من قبل فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في صفوف متلاحمة وأن يجثوا على ركابهم صفوفًا ، ويتترس بعضهم عن بعض بصفوف متقاربة وأن ينبلوا بالسهام على قريش حتى يقتربوا منهم ( وبإمكاننا أن نذكر من بين رماة السهام هؤلاء والذين كانوا في اول الصفوف : عبد الله بن جبير الأنصاري ، وخراش بن الصمة وأبو طلحة الأنصاري فقد كانوا من الرماة المعدودين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وعند اقترابهم أن يخرجوا السيوف للقتال ، وقد كان لهذه الخطة العسكرية تأثيرها الكبير في انتصار المسلمين كما كان لها أثر كبير في التأثير النفسي على كفار قريش .

وتذكر الروايات أن عتبة بن ربيعة حاول أن يظهر شجاعته فدعى للمبارزة في أول المعركة وكانت نهاية هذه المبارزة مقتله وأخيه شيبه وابنه الوليد في أرض المعركة ، وبالتالي فقد خسر كفار قريش قائد من قادتهم ، ويظهر أن مقتل عتبة بما يحمله من قيمة في بني عبد شمس ، كان له تأثيره المعنوي على بني عبد شمس من قريش ، كما أنه حمل بني مخزوم على الحرص على الدفاع عن أبي جهل أكثر من مساهمتهم مع بقية بطون قريش في أرض المعركة .  

يظهر لنا ومن خلال ما قرأناه سابقًا من أحداث المعركة أن كفار قريش وعندما دخلوا إلى بدر قد فوجئوا بالتعبئة الذي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض المعركة ، ورغم ذلك فقد ازداد حماسهم بعد أن لاحظوا تفوق قواتهم على جيش المسلمين من حيث العدد والعدة ، وقد حاولوا في عدة موجات كسر صفوف المسلمين ولكن بآت محاولاتهم بالفشل نتيجة اتباع المسلمين لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم في الثبات في مواقعهم وعدم التخلي عن صفوفهم .

ويتبين لي أنه ومع كل موجة كان كفار قريش يخسرون بعض القتلى إما بسبب رمي السهام أو بالقتل بالسيف او الرماح من قبل المسلمين - وسوف نتناول هذه النقطة فيما بعد في اخر بحثنا هذا - وعلى ما يبدو أن هذا كان قد أثر في معنوية كفار قريش ، وبدأ البعض يشعر بأن المعركة في غير صالحهم ويبدأ في الفرار من ارض المعركة .

ومهما يكن الأمر فيظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم – وربما بمساعدة بعض مستشارية من الأنصار كالحباب بن المنذر وسعد بن معاذ وغيرهم - قد تحين الفرصة المناسبة للإنقضاض على كفار قريش بعد أن شاهد تضعضع صفوف كفار قريش وعلامات الهزيمة بادية عليهم فأمر المسلمين بالهجوم الشامل على كفار قريش ، فكان هذا الهجوم كاسحًا وقويًا، ويظهر أن هذا الهجوم قد أثر في قريش وفرق صفوفهم ، وقد حاولت بعض الفرق من قريش أن تدافع عن زعمائهم ومن ذلك بني مخزوم وكان عددهم كبير ( 180 ) يزيد عن نصف عدد المسلمين ، فحاول بني مخزوم أن يدافعوا عن أبو جهل بينما حرص المسلمون وبروح قوية من الإيمان ، من التخلص من زعماء الكفر ولذلك فقد بأت محاولة بني مخزوم بالفشل وقتل أبو جهل وقتل الكثير من المدافعين عنه ( 22 من بني مخزوم ) وأسر نصف هذا العدد ( 13 رجل من بني مخزوم ) تقريبًا  .

ويبدو لي أن أحداث المعركة قد بدأت في صباح يوم الجمعة ( 17 أو 19 أو حتى 21 من رمضان ) ، واشتدت في الساعات الأولى من ذلك الصباح ، واعتقد أن هجوم المسلمين الشامل كان في العاشرة صباحًا او ما يقاربها على أكثر تقدير ، وأن هزيمة المشركين تمت عند وقت زوال الشمس أي في ما بين الثانية عشر والواحدة ظهرًا ، وقد استمر طلب المشركين حتى مغيب الشمس ، وإن كانت رواية الواقدي تلمح إلى أن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم كان في عصر ذلك اليوم ، ونحن نستبعد ذلك تمامًا ، ونؤيد تلك الرواية التي تذكر ان بقاء المسلمين في بدر استمر مدة ثلاثة أيام .

وتذكر روايات كتب السيرة النبوية أن المسلمين قد انقسمموا إلى ثلاثة أقسام أثناء المعركة قسم لحراسة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الأقسم الأقل ، ونعتقد أن جلهم من الأنصار ومن بينهم سعد بن معاذ ، وقسم خاض المعركة ، وقد انقسم هؤلاء بعد الانتصار إلى قسمين قسم قام بمطاردة كفار قريش ، والآخر قام بجمع المغانم .

ويظهر ان هناك بعض الروايات المحلية التي كانت تنتشر عبر العصور وتتحدث عن أحداث المعركة وتتعارض مع ما دونته كتب السيرة النبوية في احداث المعركة وتموضع جيش المسلمين وجيش كفار قريش ، وقد سجل بروكهارت هذه الرواية عند زيارته لبدر ، وتزعم هذه الرواية المحلية  أن جيش المسلمين انقسم إلى قسمين في مواجهة كفار قريش قسم بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان تموضعه بجوار سهل بدر وشهداء بدر وجيش ( قسم احتياطي ) بقيادة علي بن أبي طالب كان بجوار قوز علي ( دف علي ) ، بينما اتخذ كفار قريش مواقع فوق التل الواقع خلف مقبرة الشهداء ، وتذكر هذه الرواية أن المعركة كانت في جولتين قتل في الجولة الأولى شهداء المعركة من المسلمين وتعرض المسلمون فيها لضغط حتى اختبأ الرسول صلى الله عليه وسلم خلف صخرة كبيرة ،  وقام الرسول صلى الله عليه وسلم بهجومه مرة ثانية وانتصر المسلمون بمعونة السماء عند نزول الملائكة ، وهذه الرواية وكما ذكرنا تتعارض ما نعرفه من كتب السيرة النبوية ، ورغم ذلك فإن لهذه الرواية صداها في بعض الدرسات الحديثة عن معركة بدر في وقتنا الحاضر ، مع جزمنا القاطع بعدم صحتها .

ويتضح لنا من الروايات التي وصلت إلينا قدرة الرسول صلى الله عليه وسلم على القيادة والتخطيط في أرض المعركة ، وتتحدث الرويات عن استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابة وقد شاهدنا الحباب بن المنذر رضي الله عنه وهو يقترح على الرسول صلى الله عليه وسلم اختيار الموضع المناسب لأرض المعركة وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأيه ، ولا تتحدث الروايات عن الخطة التي اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم هل كانت من تخطيطه أم أنه اتبعها بناًءا على ما يقدمه بعض الملمين بالحرب وخاصة من الأنصار كالحباب بن المنذر وسعد بن معاذ وغيرهم ، ولكن جميع الروايات تلمح إلى أن ذلك كان بتخطيط من الرسول صلى الله عليه وسلم ويتضح ذلك في نزول الرسول صلى الله عليه وسلم لتعديل الصفوف ، ثم تحينه للوقت المناسب للهجوم على كفار قريش ، والحقيقة أن هذه المعرفة بالأساليب الحربية من الرسول صلى الله عليه وسلم تفاجئنا بالنسبة لما نعرفه عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة فنحن لا نعلم أنه خاض أي معركة إلا ما ذكروه عن مشاركته في 18 من عمره في حرب الفجار ، هذا بالإضافة إلى الهدوء الذي كانت تنعم به قريش في مكة والذي جعلها نادرًا ما تخوض أي معركة ، ولكن لا يجب أن نعتمد على ذلك فقط فقد شاهدنا وطوال السيرة النبوية ما كان يتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم من أعمال حربية وسياسية تدل على حكمة ومقدرة سياسية وعسكرية تدل على أن له رصيد من المعرفة العسكرية ومقدرة في التخطيط السياسي والحربي منذ ان كان بمكة المكرمة ، وإن كانت الروايات ربما لم تنقل لنا ذلك في حديثها عن تلك الفترة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أننا لا ننسى أن قريش قد أنجبت العديد من القادة البارزين ويكفي ان نذكر في هذا المضمار خالد بن الوليد القائد العظيم في الفتوحات الإسلامية ، ولذلك فإن كل ما يذكر عن جهل قريش بالحرب والذي يتردد في بعض الرويات ( مثل قول سلمة بن سلامة بن وقش ، وحديث اليهود ) لا يمكن الركون له خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يصف كفار قريش بأنهم :  أولئك الملأ ، لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم.

في اعتقادنا أن دور الرسول صلى الله عليه وسلم كان الأبرز في أحداث غزوة بدر فقد كان هو القائد وقد أظهرت هذه المعركة قدراته القيادية والعسكرية وطوال أحداث المعركة وما قبلها ، والروايات تتحدث فقط عن هذا الدور كقائد ومخطط ، بل إن علي بن أبي طالب والذي كان أحد أبطال المعركة يشهد للرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان أقرب للعدو من أي شخص من الصحابة ( لما كان يوم بدر وحضر البأس اتقينا برسول الله فكان من أشد الناس بأسا وما كان منا أحد أقرب إلى العدو منه ) ([1]) ، وإن كنا لا نعلم مقدار صحة هذه الرواية من عدمه وهذا ليس من اختصاصنا، ولكن نعتقد ربما أن المقصود بهذه الرواية إن صحت فإنها ربما قد تشير إلى توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه في أرض المعركة كقائد وليس كمحارب ، ودليلنا على ذلك أنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خاض معركة في بدر ولا قتل رجلًا من قريش في ذلك اليوم ، كما أن الصحابة كانوا أحرص على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يتعرض للخطر لأنه القائد وصاحب الرسالة ، وما تورده الروايات في تجهيز الركائب للرسول صلى الله عليه وسلم وما اقترحه سعد بن معاذ كل هذا يشير إلى ذلك ويؤيد ما نعتقده وترجح ما نراه في هذا الشأن .

ونلحظ ومن الروايات التي توردها كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في عريشه ومعه أبو بكر الصديق كالوزير والمدافع عن الرسول صلى الله عليه سلم حسبما تذكر الرواية التي ذكرناها عن علي بن أبي طالب ، وكانت هناك فرقة كانت تحرس الرسول صلى الله عليه وسلم والغالب أنها من الأنصار وعلى رأسهم سعد بن معاذ وربما الحباب بن المنذر ، أما بقية جيش المسلمون فقد كانوا يخوضون المعركة ، وقد انقسم هذا الجيش إلى قسمين بعد انتصار المسلمون  -كما ذكرنا من قبل  - فرقة طاردت كفار قريش ، وفرقة اهتمت بجمع الأسرى والغنائم .

ومن الأبطال الذي كان لهم دور في المعركة وحسب الرويات : علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وأبو دجانة ويظهر أنه أحد أبرز أبطال المعركة كما كان أحد الفرسان الأبطال في تاريخ السيرة النبوية  ،  وأبو أسيد الساعدي والزبير بن العوام وبلال بن رباح وعمار بن ياسر وصهيب الرومي وخبيب بن يساف وعاصم بن ثابت وطعيمة بن عدي وأبو اليسر كعب بن عمر الانصاري .

ومن الروايات التي وصلت لنا عن بطولة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ما قدمه علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب في أرض المعركة ، والملاحظ ومن خلال الروايات التي وصلت إلينا أن هناك تلازم بين علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب أثناء القتال ويظهر هذا التلازم في عدد القتلى من كفار قريش والذي اشترك في قتلهما علي وحمزة رضي الله عنهما ، كما تتحدث روايات أخرى عن تلازم علي بن أبي طالب وحمزة كقتل الفارس المدرع على أحد كثبان بدر والذي يرويها علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وتذكر بعض الراويات أن علي بن أبي طالب قد قتل 22 رجل من كفار قريش وإن كانت تعدد اختلاف الروايات في نسبة قتل هؤلاء لعلي أو لغيره من الصحابة ، بينما تذكر رواية عبد الرحمن بن عوف أن أمية بن خلف قال في حق حمزة : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ، والحقيقة أن الرواة وخاصة في العصر العباسي قد بالغوا في عدد قتلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنسبوا قتل كثير من كفار غزوة بدر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن الغريب أن الواقدي وفي قائمته بقتلى كفار قريش لا يذكر إلا أربعة رجال من كفار قريش لم يتحدث عن من قتلهم ، وهذا الرقم عدد قليل في اعتقدانا بالنسبة لعدد قتلى كفار قريش ، ونحن نعتقد أن السهام والرماح والسيوف قد حصدت الكثير من كفار قريش عند هجومهم الأول على المسلمين ، كما نعتقد أن عدد الأسرى كان أكبر في الساعات الأخيرة قبل انتهاء المعركة .

ونتساءل بحق إن كانت القائمة التي يدونها ابن إسحاق والواقدي عن قتلى وأسرى بطون كفار قريش ومساهمة بعض الصحابة في هذه الأعمال ، إن كانت هذه القائمة بإمكاناها أن تكشف لنا بعض التفاصيل عن أحداث المعركة وشكل المواجهات التي حدثت في أرض المعركة ، فالروايات التي توردها كتب السيرة توضح ان تشكيل قريبش كان يعتمد على تمايز البطون والذي نراه ظاهر في انسحاب بني عدي وبني زهرة قبل المعركة قبل أن يلحظ جيش المشركين ذلك ، كما نلحظه في دفاع بني مخزوم عن أبي جهل في ارض المعركة .

فمثلا لو تاملنا قائمة إبن إسحاق في عدد قتلى كفار قريش على يد حمزة بن عبد المطلب فالرواية تذكر انه اشترك في قتل رجل من بني عبد شمس ( ولا يشمل هذا قتلى المبارزة ) وشارك في قتل رجل من بني نوفل كما اشترك في قتل اثنين من بني أسد ( ودائما ما تربط هذه الروايات مشاركة حمزة في قتل هؤلاء ، بعلي بن أبي طالب مما يدل على الملازمة بينهما في أرض المعركة كما ذكرنا من قبل ) بينما انفرد بقتل رجلين من بني مخزوم ، كما اشترك في قتل رجل من بني سهم ، فهل بإمكاننا أن نرصد هنا تحركات حمزة بن عبد المطلب في أرض المعركة وفي مواجهته لبطون كفار قريش ، والملاحظة في هذا الأمر أن حمزة قد انفرد بقتل رجلين من بني مخزوم فهل قد يدل هذا على أن جبهة حمزة في أول المعركة كانت في مواجهة بني مخزوم وقد استطاع ان يقتل رجلين منهم في أرض المعركة ولما تضعضع أمر بني مخزوم ، وبدأت لوائح النصر لصالح المسلمين بدأ حمزة يشارك أصحابه من المسلمين في قتل المشركين من بعض البطون الأخرى ، الحقيقة أننا لا نجزم بذلك قطعًا ولكن يجب أن نذكر هنا ان بعض الروايات تؤكد مشاركة علي وحمزة في مواجهة بني مخزوم الذين دافعوا عن ابي جهل ، وإن كانت هذه الرواية تؤكد ان ذلك حدث بعد استفحل القتل في كفار قريش  .

إن بإمكاننا أن نستنتج ذلك من القائمة التي يعرضها ابن إسحاق والواقدي اعتادًا على الروايات التي ذكرناه من قبل وعلى مساهمة بعض الصحابة في قتل بعض كفار قريش في أرض المعركة ، ولكن يجب أن نذكر هنا أننا إذا تتبعنا هذه القائمة وجدنا أيضًا مشاهد متقاربة لهذا الأمر لدى بعض الصحابة ومن أمثلة ذلك عمار بن ياسر الذي قتل رجل من بني عبد شمس ورجل من بني أسد وقتل رجلين من بني مخزوم ورجل من بني جمح فهل يدل هذا على تحرك عمار بن ياسر أثناء المعركة يتطابق مع تحركات حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وبالمثل تذكر هذه القوائم .

وقد تحدثنا من قبل عن التلازم في هذه القائمة وأبرز ما يرد في هذا التلازم ما نراه من تلازم ما بين علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب كما ذكرنا سابقًا ، وتورد قائمة الواقدي وقائمة ابن إسحاق مشاركة علي بن أبي طالب وحمزة في قتل بعض كفار قريش أو في الاختلاف في تحديد من قتل بعض رجال قريش ما بين علي وحمزة ونرى ذلك في قائمة ابن إسحاق والواقدي ولربما مرجح ذلك هو التلازم الذي كان بين علي بن أبي طالب وحمزة في ارض المعركة ، كما نرى أيضا مشاركة حمزة مع علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ( في مواجهة بني عبد شمس ) ، ومشاركة حمزة وسعد بن أبي وقاص ( في مواجهة بني سهم ) ، وحمزة وثابت بن الجذع ( في مواجهة بني أسد ) .

وتذكر القائمة أن أبا اليسر قد قتل رجلين من بني سهم ، وأنه أسر العباس بن عبد المطالب فهل يدل هذا على أن العباس كان في صفوف بني سهم في أرض المعركة في ذلك اليوم .  

ومهما يكن الأمر ، فالحقيقة التي نراها من هذه القوائم التي عرضها الواقدي وابن إسحاق أهم ما توضحه أن بين مخزوم وبني عبد شمس هما أساس جيش قريش في أرض المعركة في بدر ويدل على هذا عدد القتلى والأسرى من بني مخزوم وبني عبد شمس [ عدد القتلى من عبد شمس ( 14 ) في رواية الواقدي وابن إسحاق ، ومن بني مخزوم ( 18 ) في رواية ابن إسحاق ، و ( 17 ) في رواية الواقدي ]  ، وكذلك ما ترويه الروايات أيضًا عن أحداث المعركة .

ويتبادر لنا سؤال لطالما أثار الاستفاهم لدينا وهو ما عدد قتلى كفار قريش عند هجومهم الأول وعندما كان المسلمون في وضع الدفاع ، إنك إن اطلعت على خبر قتلى كفار قريش في أرض المعركة فستستنتج أن جميع قتلى كفار قريش قد قتلوا عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجوم على كفار قريش ، ما عدا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة والذين قتلوا في المبارزة ، فلا يرد خبر يتحدث عن قتلى كفار قريش في هجومهم الأول وبالأسهم أو الرماح ، فهل بإمكاننا أن نستنتج أن القائمة التي يوردها الواقدي وابن إسحاق غير كاملة أو أنها لا تتحدث إلا عن عدد قتلى كفار قريش المعروفين في أرض المعركة ، أو حتى أنه نسب لبعض الصحابة كعلي بين أبي طالب بعض القتلى والذين قتلوا في أول المعركة وعند هجوم كفار قريش .

إن كل هذا محتمل ، ويزيد من اعتقادنا بذلك أن المصادر تتحدث عن أن عدد كفار قريش كانوا يزيدون عن تسعمائة رجل ، والقائمة التي يوردها الواقدي عن الأسرى والقتلى لا تتجاوز المئتين رجل ( 70 من القتلى و70 من الأسرى ) ، فهل من المنطقي أن يفر سبعمائة رجل من أرض المعركة وعدد المسلمون لا يتاجوزون نصف هذا العدد ( 313 رجل ) .

إن هذا في اعتقادنا من المحال فلا زال كفار قريش أكبر عددًا وعدة في أرض المعركة ولا نجد من مبرر لهذا الفرار ، ونحن نطرح هنا عدة احتمالات لتفسير هذا الأمر :-

1-  أن عدد جيش كفار قريش قد يتفوق على عدد جيش المسلمين من حيث العدد ولكنه لا يبلغ هذا التفوق حد الضعف أو إلى ثلاثة أضعاف .

ويطرح البعض هذا الرأي ويرى أن عدد كفار قريش ربما لا يتجاوزون الستمائة رجل في أرض المعركة معتمدين على انسحاب بني عدي وبني زهرة ، والحقيقة أن الروايات تؤكد على عدد كفار قريش التسعمائة في أرض المعركة كما أنه من غير المنطقي أن يغامر كفار قريش بمهاجمة منطقة أقرب إلى المدينة بجيش مكون من ( ستمائة رجل ) بل إننا نعتقد على العكس من ذلك أن عدد ألف رجل من كفار قريش هو عدد قليل لقبيلة تمتلك التجارة والعدد والعدة والسلاح مع علاقات من التحالف مع القبائل الأخرى ، كما ان المواجهات التي حدثت بعد ذلك بين المسلمين وكفار قريش في أحد والخندق كانت تؤكد على أن المسلمون كانوا يواجهون قوات تفوقهم ثلاث مرات من حيث العدد ، وهذا منطقي في حساب التوازن بين المدينة ومكة وبين مدينة أفنتها الحرب ( المدينة ) ومدينة مستقرة تجاريًا وماديًا وسياسيًا ( مكة ) .

2- أن تكون السهام والرماح قد حصدت الكثير من كفار قريش في هجومهم الأول وبإعداد كبيرة وربما تبلغ المئات ، كما أن عدد كفار قريش وأسراهم  أثناء المعركة كان أكبر مما تذكره قائمة الواقدي وابن اسحاق بأضعاف مضاعفة وما سجل في القائمة إنما هو عدد القتلى من كفار قريش ممن حفظته الذاكرة ، وهذا الاحتمال وارد كثيرًا وإن كانت الروايات لا تشير إليه.

 3-إن كفار قريش قد فوجئوا بقدرات المسلمين العسكرية والتنظيمية ومن وحماسهم الديني ، وزاد من ذلك  مقتل رجالهم وقادتهم والتي حطمت معنوياتهم ، فكان ذلك سببًا للفرار الكبير من كفار قريش ممن لا يملكون القدرة ولا القيادة وهو احتمال وارد وقوي وهو الذي نرجحه .

وأيهم كان السبب في تفسير ذلك أو في ترجيح احتمال على أخر ، إلا أننا نعتقد وكل المؤمنين يعتقدون ودون جدال أن الله عز وجل نصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان نزول الملائكة أحد الأسباب العظيمة في هذا النصر المؤزر الذي حدث في غزوة بدر الكبرى والتي كانت فرقانًا في تاريخ السيرة النبوية وكانت لحظة تاريخية خالدة ، ويكفي بدرًا أن الله عز وجل انزل فيها هذه الآية الآيات الكريم : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)} [آل عمران: 123 - 126] . وصدق الله في محكم كتابه وهو خير الصادقين .



([1])  انظر : تاريخ الطبري ، ج 2 ، 22 ، دار الكتب العلمية .

الاثنين، 1 مارس 2021

المعتقدات الخرافية في بدر

المعتقدات الخرافية في بدر


من الاعتقادات الشعبية عن الطفل أنهم يذكرون أن الطفل إذا تردد على موقع فإن سره مدفون في هذا الموقع وهم يذكرون أيضأ ذلك على كل شخص يتردد على محل ، وهم يزعمون أن االطفل إذا بدأ يتحرك في نومه ، فإنه يحلم بالضبعة وهي تطارده ( تقعصه الضبعه ) ، وهم يحذرون من تقبيل قدم الطفل لأن ذلك يجعله ( حوام في البيوت ) إذا كبر ، أي ينتقل من مكان إلى أخر ولا يستقر في البيت ، وكذلك يحذرون في فشح ( القفز ) الطفل لأن ذلك يمنعه من النمو ، وكان بعض النساء في القديم يشذبن أبناءهن ومعنى ذلك أن يضعن في يد الطفل شذبة ( حشرة صغيرة طائرة ) ويقال أن الولد المشذب يضرب الأطفال ولا يدع الأطفال يغلبونه ([1]).

ومن المعتقدات التي ترتبط بالطفل اعتقادهم بالمبدل وهو اعتقاد ينتشر لدى العامة وفي القصص الشعبي ويزعمون أنه يتم استبدال الطفل المولود بطل من أولاد الجن ويكون قبيح المنظر ومريض ، وأحيانًا يكون المستبدل رجل عجوز من الجن على هيئة طفل ، ويعرف هذا المعتقد على مستوى العالم العربي بل والعالم أجمع ويسمى المبدل أو المبدول ، وهم يزعمون في بدر أن المرأة عندما تنام بجانب طفلها وتضعه وراء ظهرها فيحذرنها من ذلك ويزعمون أن الجن أنها إذا أعطت ظهرها للطفل يقولون : إنها عايفته ( بمعنى كارهته ) فيبدلونه بجني ([2]) .

وعندما يسقط سن لأحد الصبيان يرميه في الجو أو نحو الشمس وهو يقول : يا عين الشمس خذي سن الحمار واعطيني سن الغزال " ([3]) ، وهذا المعتقد مشهور في التراث الشعبي العربي في كثير من بلدان العال العربي ، وهو معروف في أوابد العرب ويرد في التراث العربي القديم ([4]) .

وعندما تزور شخصًا مريضًا وترد عليه ، يقولون لا ترد عليه فترد له المرض ، ويقولون أن الأخوان لا يلتقون في الآخرة فإذا جاء الأخ وسأل عن أخيه قالوا : الآن خرج .. وهكذا ولذلك يقولون الأخوة في الدنيا ، وإذا كان بالسماء مطر وبرق يقولون للأولاد لا تلبسوا الغترة الحمراء أو أي لون أحمر فإنها تجذب البرق  ([5]).

 وفيي الذبائح تغضب المرأة إذا أعطتها جارتها عظم الكتف ، وإذا ذبحوا ذبيحة وطبخوها وأكلوها يسرعون إلى شق عظم الكتف وينظرون منه ويقولون من فعل ذلك ينظر إلى الجنة والضيف إذا ذبحت له ذبيحة لا يأكل القلب واللسان منها ([6])

ومن اعتقاداتهم الغريبة وخاصة عند النساء انهن وفي آخر يوم من أيام شهر رمضان لا يفطرن على شُربة ويستعملن الأرز في الأفطار ويقلن : إن من يفطر في هذا اليوم بشُربة تقذفه الملائكة على رأسه  ([7]) ، ومن اعتقادهن أيضًا في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان أنهن يشبعن أولادهن ، ويقلن : هذا يوم المتلمس فمن وجده شبعان قال : إن شاء الله شبعان طول السنة ، ومن وجده جائعًا : قال : إن شاء الله يبقى جائعًا طول السنة  ([8]).

ومن طرقهم في العلاج كانوا يكوون المصاب بالسعال الديكي بقرطاس أزرق اللون والذي يكويه يعرف خاله وخال خاله ويقول وهو يكويه : أعرف خالي وخال خالي وأكوي على الكحيكحان ولا أبالي  ([9]).

ويعالجون المصاب بمرض الحصبة بـ (المغر) وهو التراب الأحمر ويضعون له الماء والسكر في فنجان تحت النجوم من الليل إلى الصباح وهم يقولون: منجَّم، ويعطونه للمريض ([10]).

كما يضعون على الكسور بول الإبل ويسمونه (العَبَس)، وبعضهم يسقي المصاب بالسعال الديكي لبن الأتان كعلاج، ويعالجون العيون بالكبوس وهو حبوب كالعدس سوداء اللون، والصرفه وهي كسكر النبات تسحق وتوضع بالعيون، وبعضهم يعالج رمد العيون بالصباغ الأحمر بعد مزجه بالماء ([11]).

ويكوون الزائدة الدودية بالنار ويسمونها (المسيكه) وكذلك يكوون بعض أوجاع العين ويسمون مرضها (الحمره)، وإذا أراد شخص أن ينام يقولون له إشرب لأن الروح تخرج في الليل وأنت نائم فتشرب وربما لا تعود، وكذلك لا يتركون الماء مكشوفًا ويقولون: إن الروح تخرج وتشرب منه، ويقولون لا تسعمل السمك واللبن معًا ولا الخربز والعسل كذلك ([12]).

ومن الاخرافات والأساطير التي ترتبط بالطيور والحيوانات يقولون عن الهدهد ويسمونه أبو قابر بان برأسه إبرة يزعمون أن من حصل على هذه الإبرة ووضعها في حجاب وشدها على عضده لا تقربه الجن والعفاريت ، وهم يطلبون صيده للحصول عليها ولكنهم يقولون بأنه إذا رأى من يصيده يخفي هذه الإبرة ويجب على صياده أن يخاتله عندما يصطاده ([13]) ، ومن الخرافات المرتبطة بالهدهد أيضًا تسميته بـ ( أبو قابر ، أو أبو قبار ) ويزعمون في هذه التسمية أنه حمل والده عندما مات ولم يقبره حتى ذاب على رأسه ولذا تجد في رأسه عفونة فلا يأكله الناس ([14]) ، ويذكر محمد بن سليمان اليوسفي أنهم يسمونه أبو قابر وقبار أمه وأبوه ومن أساطير البادية قديمًا أنه قتل أمه وأباه وقبرهما ولهذا سمي بقبار أمه وأبوه ، بعكس ما يذكر العرب الأوائل أن القنزعة التي تعلو رأسه هي ثواب من الله على بره لأمه لأن الهدهد جعل قبرها فوق رأسه ([15]).

ويزعمون عن الطائر المعروف لديهم بأبي العلا ( أبو العلاء ) أنه في كل يوم جمعة أو خميس يصرخ فلا تسمع صوته إحدى الزواحف السامة إلا وتموت ([16]) ، ويذكر عاتق البلادي في كتابه " الأدب الشعبي في الحجاز " أنهم يتطيرون من هذا الطائر وانه نذير شؤم وخاصة مع الصباح ، يقول شاعرهم :

أبو العلا طير مع الصبح مكروه=لعل ما فال المسافر فاله ([17])

 ويقولون عن الورل ( ويسمونه الورر ) أنه يصرخ كل يوم خميس ( وقيل يوم جمعة ) فلا تسمع صوته إحدى الزواحف السامة إلا وتموت ، ويقولون عنه أيضًا أنه إذا لدغ شخصًا وهو بالشمس جرى إلى الظل وكذلك جرى الشخص ، فمن سبق الآخر مات الآخر ، وإذا كانا في الظل تسابقا إلى الشمس فمن سبق مات الثاني ([18]) .

ويزعمن النساء أن الجعل والصرصار خطبا بنت السلطان فقال السلطان للصرصار : اصنع لها خلخالًا ، وقال للجعل : قم بنظافة البلد ، فهما يعملان دائمًا ولم ينتهيا من ذلك  ([19]) ، ويقال أن من خطب بنت السلطان الجدجد وهو من الحشرات ويصدر صوتًا مزعجًا فطلب منه السلطان أن يصنع خلخالا لها فهو لا يزال يصوغ ذلك الخلخال ([20]).

ويزعمون أن الدبور ( الدبرور ) لا يلد ، فهو يبني له بيتًا من الطين في الجدار والسقوف ويضع الصارف فيه ( وهي حشرة ) فيصبح دبرورًا بإذن الله ، والحقيقة أنه يضع بعض الحشرات الرخوة وبيضه ثم يحكم إغلاق بيته بعد تفريغه من الاكسجين فتبقى الحشرات ليتغذى بها البيض وبعد إكمال دورتها تخرج الدبابير الصغيرة ([21]).

ويزعمون في الحية أنها إذا لدغت إنسانًا وسلم منها لا يتركه أهله ينام في اليوم السابع حتى الصباح ، لأنها كما يعتقدون تعود إليه في اليوم السابع في النوم وتدلغه وتقضي عليه ([22]) ، ويذكر عاتق البلادي رحمه الله من المعتقدات التي تعرف في الحجاز أنه إذا لدغ ثعبان إنسانا وشفي ، وجات الليلة السابعة لتلك اللدغة اجتمع الحي عند الملدوغ يساهرونه حتى تطلع الشمس ويزعمون أنه إن نام حلم ذلك الثعبان الذي لدغه فيلدغه في الحلم فيموت([23]) ، وهذا معتقد خرافي يعود إلى أوابد العرب ويرتبط بتعليق الحلى والخلاخيل على السليم ( الملدوغ ) ([24]) ، غير أن الأسطورة العربية تبرر ذلك حتى لا يشتد الأمر على الملدوغ فيهلك بينما المعتقد الشعبي يضيف سببًا أخرًا في منع الملدوغ أو المنهوش من النوم وهو أن لا يتعرض الملدوغ للدغة من ذلك الثعبان أو الحية مرة أخرى في الحلم ولا نستبعد أن يكون هذا أيضًا من المعتقدات العربية القديمة التي كانت معروفة لدى العرب .

ومن الخرافات المرتبطة بالحية والحنش ، التسبيع وهم وعندما يقتلون حية أو حنشًا يقولون ادفنوه وسبعوا عليه والتسبيع هو ان تدفن معه سبع حصيات صغار ويقولون إنه إذا سبع له لا تأتي هامة أخرى للأخذ بثأره ([25]).

وهم يذكرون عن البومة ويسمونها الصَّرَّارَة أنها كانت امرأة ولديها بعض النساء فاخطأت عليها بنتها وقال لها النساء : أضربيها ، فضربتها بشدة وماتت ، وصخت الام وطارت في الجو وحلفت أن تنتقممن كل الناء فهي تصرخ على الأطفال أو تمر من فوقهم فيصيبهم ظلها ، فكل من صابه شيء من ذلك من الأطفال يمرض ويموت ، ولذلك فالنساء يسمونها العفنة وأم العيال ولا ينطقن باسمها الصريح ([26]) ، وهذه الأسطورة تتشابه مع ما يعرف في الأساطير اليونانية عن العفريتة " لاميا " التي تتسلل تحت جنح الظلام وإلى غرف نوم الأمهات وتختطف أطفالهن لكي تروي غليلها من دمهم ([27]) ، وينطبق ذلك على لاماستو في أساطير الأشوريين.

ويزعمون في قتل الحية في يوم الجمعة أن من قتلها فكأنما ذبح فاطرًا ( ناقة ) ووزع لحمها على الفقراء ([28]) ، ويشبه هذا ما كنا نسمعه في مرحلة الطفولة عن قتل الوزغ ( الصنداد ) فقد كانوا يزعمون لنا أن من قتل الصنداد بيمينه يوم الجمعة يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .

ويقولون في الداب أنه يؤذي الذي يؤذيه ، وكذلك الثعبان ، ولذلك فالنساء عندما يبصرن الداب أو الحنش يخطون خطًا بالأرض ويقلن : خط الله بيني وبينك ، وينصرفن ([29]) .

وهم يزعمون أن النحلة اشتكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من اعتداء الناس على العسل فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : كل من تلسعينه يموت ، وكانت صماء لا تسمع ، فقالت : كل من ألسعه أموت ، فكرر عليها ذلك ثلاث مرات ، وفي المرة الثالثة قال لها : نعم من تلسعينه تموتين ، ويقال أن النحلة إذا لسعت إنسانًا ماتت ([30]).

ومن الحشرات السامة الطروش وهو من العناكب ويسمى الشبث ويهم يزعمون أنه يحمل العقرب على ظهره ويضعها بقرب الناس لتقوم بلدغهم ([31]) .

ومن عادات الصبيان والأولاد والتي لحقنا بها أنهم إذا ضربوا الجرادة ولم تقتل وطارت في الجو يخاطبونها فيقولون :

حرشت ربي قدام ما تحرشينه

وكان الصبيان يغنون لأم عليه وعليان ( الحرباء ) وتعرف بالحبينة فيقولون :

يا ام عليه وعليان=ورينا رقص الصبيان

 فيخيل لهم أنها ترقص وتخرج ألوانًا مختلفة من وراء لونها الظاهر ([32]) .

وهذا يشبه مع ما يرد في كتب اللغة في أم حبين وهي دويبة على خلقة الحرباء وقيل انها أنثى الحرباء وقيل أنها على قدر الخنفساء يلعب بها الصبيان ويقولون لها :

ام حبين انشري برديك

إن الأمير والج عليك

وموجع بسوطه جنبيك

فتنشر جناحيها .

وقيل أنهم يقولون لها :

أم الحبين انشري برديك=إن الأمير ناظر إليك

فيطردونها حتى يدركها الإعياء فحينئذ تقف على رجليها منتصبة وتنشر لها جناحين أغبرين على مثل لونها ([33]).

ويذكرون عن الحشرة المسماه أبا مقص أنها إذا قرصت الذكر قلبته أنثى والعكس ([34]) ، ويذكرون أن الله عز وجل أوحي إلى القطة أن تختار مع الكلبة أيهما تلد في شهر ومن تلد في شهرين ، فذهبت إلى الكلبة وقالت لها : هل تختارين أن تلدي في شُهَيْرَيْن أو ثلاثين يومًا ، ومدت الثلاثين ، فانخدعت الكلبة واختارت الشهرين ([35]) ، ويقولون ان القطة عندما تردد الصوت الذي يسمع منها عندما تنام ( الهرهرة ) يقال أنها تقرأ جزء عم من القرآن الكريم ([36]) ، وهناك اعتقاد في القطط والكلاب السود أنها من الجن وهو معتقد قديم على ما يبدو .

ومن اعتقاداتهم أنه إذا طارد الكلب شخصًا فإن عليه أن يقرأ سورة الفيل على أن لا يذكر كلمة ( مأكول ) في أخر السورة ، فإنه لن يتعرض للعض من الكلب .

ويزعمون ان الديكة عندما تصيح في أثناء الليل أو النهار تسمع صياح ديك ينبعث من السماء ([37]) ، ويقولون إن الضب أخذ ذيل الضفدع وأعطاه ذيله ([38]) ، وهي من الأساطير العربية القديمة وترد في المثل العربي القديم ( ارسح من ضفدع ) ([39])  ، وفي نجد ترد أسطورة أخرى شبيهة - وان اختلفت الأعضاء - ويذكر الأستاذ العبودي جرت بين الضب والديك ([40]).

ويقولون في القنفذ ( ويسمونه القفند ) هو كلب الجن ، ويسمع له في الليل نباح كنباح الكلب ([41]) ، وقد يرتبط هذا باعتقاد العرب قديمًا في الجاهلية فقد كانوا يعتبرون القنفذ من مراكب الجن ([42]) ، وكانوا إذا طالت الواحد على شخص منهم ظنوا أن به مسُا من الجن لأنه قتل حية أو يربوعًا أو قنفذاً ([43]).

وهم يذكرون عن القنفذ أنه يتغلب على جميع الحشرات السامة وغير السامة ، ولكن إذا رأى الحدية ( الحداء ) خرج من جلده وسلم نفسه لها فتأكله ([44]).

وهم يتطيرون من بعض الحيوانات إذا اعترضتهم ، كالغراب ، والأرنب ([45]) ، ويذكر عاتق البلادي في كتابه عن التراث الشعبي في الحجاز وبدر جزء من الحجاز ، أنهم يتطيرون من نعيق الغراب ويزعمون أنه يخبر بصوته عن خير وشر ، فتسمعهم يقولون : خير يا طير ، إن كان خير لنا ولك وإن كان شر لك عنا ([46]).

 وقد سبق أن ذكرنا أنهم يتطيرون من البومة أو الصرارة ، بينما يذكر عاتق البلادي في كتابه " الأدب الشعبي في الحجاز " أنهم يتشاءمون من الحجل إذا طار أمامهم ، ويتفاءلون به إذا سار على الأرض مشيًا ، وتسمعهم يقولون : درج وعلى الله الفرج ([47]) ، وما ننقله عن عاتق البلادي في حديثنا هذا لا يقتضي أن يكون هذا معروف عن بدر وإن كانت الكثير من المعتقدات الشعبية تنتشر في الكثير من بلدان الحجاز وقراها ، بل لربما تنتشر في عموم الجزيرة العربية والعالم العربي  .

وهم يتشاءمون من رقم سبعة فلا ينطقونه ، كما أنهم يغيرون بعض الأعداد الأخرى للتفاؤل ، فيقولون في العدد وخاصة عندما يكيلون محصول الزرع ويضعونه في أكياس : الله واحد ماله ثاني إن شاء الله نربح سمحه ، وهذه تعني بالترتيب : واحد اثنين أربعة سبعة ، فهم يتشاءمون من ذكر السبعة فينطقونها دائمًا سمحة ([48]) .

وهم يتشاءمون ويتفاءلون بعمل الجوارح ، فهم يتفاءلون برفة العين ( اختلاج العين ) ويقولون : إنها تبشر بعودة حبيب غائب ، يقول راعي الخبيتي :

عيني ترف مبشرتني بغايب=عساه يا عيني من اللي تودين

ويعلق عاتق البلادي فيقول : وهذا يدل على اعتقادهم بانها ترف لمجرد رؤية غريب يود أو لا يود ([49]) ، وهي أيضًا من الاعتقادات القديمة والتي ترد في التراث العربي القديم فهم يقولون في اختلاج العين يدل على رؤية من لم يره منذ حين ([50]).

وفي الشعر يقول المجنون :

إذا خدرت رجلي أقول ذكرتني = أو اختلجت عيني أقول التلاقيا

وهم يتفاءلون برفة العين اليمين ويتشاءمون برفة العين اليسرى ، وهذا المعتقد من المعتقدات العربية المشهورة التي تنتشر في الكثير من البلدان العربية ويذكر أحمد أمين أنهم في مصر إذا رفت العين يتشاءمون بهذا إذا حصلت من إحدى العينين ويتفاءلون إذا حصلت من أخرى ([51]) ، ويقولون إذا رفت العين : الله ماجعله خيرًا ([52]) .

وهم يتشاءمون من اقتران القمر ببعض النجوم ، وأقواها اقتران القمر ( اقترابه ) بسعد الذابح أو قرون العقرب ، أو الشولة ، فهم لا يشدون أو يهدون السدو أو يخيطون المساطح أو يزوجون أبناءهم في مثل ذلك اليوم ، يقول أحد شعراء بدر  :

اما الشقي سفرته فقران=فقران ومانطح الشوله

روح يدور على الغزلان=يبغاه من بندر الدوله ([53]).

ومن أساطيرهم في النجوم أنهم يذكرون أن المرزم تلاحظ الثريا لأن بينهما ثارًا وهي تقول له متحدية :

أنا الثريا عليا

ما تلحقني يا المسكين

فيرد عليها المزرم مهددًا :

وانا المرزم وازمك زم

واخلي قصيبات امك دم

ويقولون في الجدي أنه قتل والد بنات نعش ، وزبن لدى الدخيلين فهن يحملن نعش أبيهن ويطاردنه وقد حلفن ألا يدفن أباهن إلا بعد الأخذ بالثأر ([54]) .

ومثل هذا في الأساطير العربية القديمة والتي ترد في المجامع والمؤلفات العربية ما يذكرونه من أن الدبران خطب الثريا وأراد القمر أن يزوجه فأبت عليه وولت عنه وقالت للقمر : ما أصنع بهذا السبروت الذي لا مال له ؟ فجمع الدبران قلاصه يتمول بها ، فهو يتبعها حيث توجهت ([55]).

ومن بعض القصص التي أوردها الوالد مفرج السيد رحمه الله عن دغة وترد في القصص الشعبي ([56]) ، يتضح انهم يعتقدون بسكن الجن لشجرة العوسج ( العوشز ) وهذا المعتقد منتشر في مناطق كثيرة في جزيرة العرب وقد ذكره دكسون عن بدو الأحساء والكويت وذكر انهم يعتقدون أن العوسج تحت حماية الجن ([57]) .

ومن المخلوقات الخرافية المعروفة لديهم السعلي والغول وهي من الخرافات العربية القديمة ، وهم يزعمون عن السعي أو الغول أنك إذا ضربته بالسيف يقول : رد لي أو أرجمني ( بمعنى أبصق علي ) أو أفشحني ( بمعنى اقفز من فوقي ) فيقول له الشخص الأول : أمي ما جابتني مرتين ، ويقول له في الثانية : ريقي ناشفة ، ويقول له في الثالثة : رجلي قصار ، وإذا طاوعه وعمل له واحدة مما طلب عاد حيًا وأخذ منه السيف وقتله ([58]) ، ويذكر الأستاذ عبد الكريم الجهيمان رحمه الله مثل هذا في أساطيره حيث يقول ( وعليك إذا أردت قتله أن تضرب الرأس الصغير .. يعني أصغر الرؤوس .. ضربة واحدة فقط .. وإذا فعلت ذلك فإنه سوف يقول لك زد زاد الله في أيامك فلو ضربته ثانيه مع الرأس الصغير أو مع أحد الرؤوس الستة الباقية لعادت إليه الحياة .. ولكنه إذا قال لك زدزاد الله في أيامك فقل ما علمتني أمي الزوايد .. واتركه فإن ضربة واحدة على رأسالصغير كافية للقضاء عليه ) ([59]) ، وهي أيضًا من المعتقدات العربية القديمة ذكرها الجاحظ في الحيوان ([60]) .

ومن المخلوقات الخرافية المشهورة في بدر وفي الكثير من بلدان ومدن الحجاز الدجيرة ( وتعرف أيضًا في مناطق أخرى الديجيرة والتيجرة والدجيلة ) وهي سيدة من سيدات الجن التي تتشكل على أي شكل ما عدا أحد رجليها أو كلاهما فهي على شكل رجلي الحمار [ ويشبه هذا ما يعرف عن الغول في الادب العربي ، كما يذكر الجاحظ  ([61]) ] ، وإذا كانت الدجيرة تعرف في بعض المدن كجدة في بعض حواريها وأزقتها كزوق الخنجي في جدة ، فإن الدجيرة ترتبط أكثر ما ترتبط بعين بدر ، ولا ينحصر هذا فقط في الدجيرة فمعظم المخلوقات الخرافية في بدر ترتبط بعين بدر وهذا مما يدل على تأثير عين بدر على حياة الناس في ذلك الزمن .

ومن الأسماء التي تنطبق على الدجيرة في العالم العربي الغولة في فلسطين والشام ومصر والنداهة وأم شلاشل في مصر وأم الصبيان وحمارة القايلة في منطقة الخليج وأم الدويس في الإمارات وأم السعف والليف وأم أحمار في الكويت وعائشة قنديشة في المغرب وخاصة في تعرضها للشباب ، ويظهر أن الدجيرة ربما هي الامتداد الطبيعي للغول أو الغولة أو السعلية في الأدب العربي القديم وخاصة في حكاية قدميها التي على شكل حافر الحمار ويروي الجاحظ أن أعرابي أنشد الخليل بن أحمد قوله :

وحافر العير في ساقة خدلجة=وجفن عين خلاف الأنس في الطول

ويذكر الجاحظ أن العامة تزعم أن تزعم أن شق عين الشيطان بطول ، ويظن الجاحظ ان العامة لم يأخذوا هذين الاعتقادين إلا من الأعراب ([62]) ، وفي الأساطير السامية القديمة يرد هذا الوصف في وصف ليليث وعشتار ( أرداتليلي ) ([63]) ، وفي الأساطير اليونانية يعرف هذا عن المخلوق الخرافي أمبوزة ([64]).

وإذا كانت الدجيرة في مدن الحجاز تتمثل على شكل امرأة حسناء للشباب كما تذكر الخرافات الشعبية في الكثير من مدن الحجاز ، فإن ما أذكره عن الدجيره أنهم كانوا يحذرونا منها ونحن صبيان ويذكرون أنها إذا مسكت احدهم أخذت تدغدغه حتى يموت ، وأذكر أنهم كانوا يذكرون لنا أنك ولكي تسيطر عليها فيجب ان تضرب ظلها فتنفذ ما تطلبه منك .

وقد أورد الوالد بعض القصص الخاصة بالدجيرة وهي تتحدث عن محاولة الدجيرة في اغراء النساء بالخرواج معها وعندما تخرج المرأة تتبين أن صاحبتها ما هي إلا الدجيرة وقد ذكر الأستاذ عبد الرحيم الأحمدي مثل هذه القصة في حديثه عن الدجيرة ([65]) ، والطريف أن هذه القصة يرد شبيه لها في التراث الشعبي الفلسطيني ([66]).

ومن الشخصيات الخرافية في بدر ، الهول ( هول الليل ) وهو أيضًا من المخلوقات الخرافية التي تعرف في الجزيرة العربية وفي الحجاز ويقوم بالتهويل وتخويف الناس في المناطق المنعزلة وما بين المدن والخيوف والخبوت بين جدة والمدينة ومكة والطائف ، ويذكرون أيضًا أنه يتمثل في أي صورة كانت ومهمته تضليل الناس ([67]) ، والبعض يصوره وهو يظهر في الليل من بعيد وهو يحمل فانوس فيتبع المسافر الضوء فيتنقل من جهة إلى أخرى ليتلاعب بأعصابه وهو شبيه بما يعرف عن الغول في التراث العربي ([68]) ، وهذه الصورة ترد عن الهول في الحجاز ، أما الهول في بدر فغالب الصور التي يظهر عليها هي تشكله على شكل جمل لإخافة الناس سواء كان بجوار الخيوف والعيون أو في البراري والخبوت ([69]).

وإذا كان الهول يقوم بالتهويل على الناس ولا يؤذيهم فإن هناك بعض المخلوقات الشرسة والقاتلة حسب الزعم الخرافي الشعبي ومنها السِّعر والسِعلي والهرش ، وأخطرهم فيما يبدو العبد المسلسل أو أبو سلاسل وهو مخلوق خرافي عدواني ترد بعض حكاياته في مطاردة الناس وخاصة بجوار العين ومن الطريف وفي احد القصص أن الدجيرة هي من تقوم بتحذير المرأة بوجود العبد المسلسل الذي يقوم بمطاردتها حتى منزلها ([70]) ، ويعرف هذا العبد في مناطق من العالم العربي فهو العبد المزنبل أو العبد المصنقل أو أبو جلاجل في بعض إمارات الخليج وهو أم شلاشل في مصر ولعله هو نفسه أبو رجل مسلوخة ، فهو يوصف بأنه أسود اللون مسلسل بسلاسل في رجليه بسلسلة من الحديد ( مقيد الرجلين ) وله صوت تصدر من هذه السلاسل ويقوم بمطاردة ضحاياه لإرعابهم ، وفي الغالب فإن تواجده يكون بجوار العيون وأماكن المياه .

وإذا كانت هذه المخلوقات مخيفة فإن بعض الكائنات الخرافية تقوم ببعض الأعمال الخيرة كما رأينا من قبل عن الدجيرة ، وينطبق هذا أيضًا على الكائن الخرافي " عيادة " ، وهو سِكن العطن والعطين ( أي يسكن العطن والعطين ) ، وهم يذكرون في خرافاتهم أن عيادة سكن العن والعطين ، وأن امرأة عجوز كانت تسكن فوق العطن فكان إذا خلص مخزونها من الحطب تقول : يكفى يا جاري عيادة حطب لي بكرة ، وفي آخر الليل تسمع صوت تكسير الحطب ورميه بحوش بيتها ([71]) ، غير أن بعض القصص تذكر أيضًا أنه يتهول لكل من يسخر منه حتى يفقده عقله ([72]) .

ومن المخلوقات الخرافية والتي ترتبط بالعين والعطن والعطين ،  شافان وهو جني يسكن الفقير ، وهن في العيد ينقرن بالطيران ويقلن :

يا شافان يا بو القلايد

يا شافان جيناك نعايد

ويروين أنهن يسمعن خضخضة في الماء ورقص ([73]).

ولشافان بعض القصص التي أوردها الوالد رحمه الله في كتبه ([74]) ، وهم يوردون قصة يزعمون أنها جرت في أحد الأعوام في خيف من الخيوف تدل على أنهم كانوا يذبحون لشافان وهو سكن العين كما يقولون من أجل زيادة العين ([75]) ، وارتبط الجن بالأبار والعين يكثر في التراث والقصص الشعبي العربي والذبح للجن من أجل تدفق العيون معروف على مستوى واسع في مناطق كثيرة من العالم العربي وهو ما يعرف بمصطلح " عبد العين " ، وهو معتقد يعود إلى أزمنة موغلة في القدم ويقول توفيق كنعان : " هناك اعتقاد قديم وواسع الانتشار في كل المجتمعات السامية أن الينابيع والمياه الجارية تكون مسكونة ([76]) ،  وهو معروف أيضًا في التراث العربية القديم  فقد كانوا في الجاهلية وعندما يشتري الرجل دارًا أو يستخرج ماءًا العين وما أشبهه يذبح لها ذبيحة للطيرة وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك ([77]) ، بل وزعم بعض الباحثين أن أحد الخلفاء قد ذبح للجن حينما استنبط عينًا وذلك خوفا من أن يغوروا ماءها ([78]) .

والشيء بالشيء يذكر ففي المعتقدات القديمة التي تدل على الجهل طقوس الاستمطار وهو الطقس الذي ينتشر قديمًا في العالم العربي ، فقد كانوا وعندما ينحبس المطر يجتمع الأطفال في طابور من أولاد وبنات كلًا يمسك برقبة الذي قبله ثم ينطلقون حتى يصلوا إلى قبر أحد الأولياء بزعمهم ( قبر سيدي سعد أبي شوشة ) وهم يغنون :

يا ام الغيث غيثينا=واطفي شمعة راعينا

وانبيغ يا الله من الظما=وانبيغ يا ربنا اسقينا

وهم يقدلون صوت الغنم العطشانة ([79]) ، وقد ذكر الأستاذ سعد الصويان أن هذا المعتقد معروف عند أطفال الرولة ([80]) ، ويظهر أن هذا المعتقد يعرف قديمًا بـ " المطيري " يقول الأستاذ أحمد تيمور رحمه الله : " المطيري : دعاء للصبيان إذا استسقوا " ([81]) .

ومن المعتقدات التي كانت تدل على جهل الذبح للجن وفي مناطق محددة كدف علي ، والاعتقاد بالأولياء وغيرها من معتقدات الجهل ، وقد جاءت هذه الدولة المباركة فأزالت الكثير من هذه المعتقدات ولله الحمد بمحاربتها لهذه المعتقدات الخرافية ، وبانتشار العلم وتفقه الناس ، والحمد لله على فضله .

وهذه إلمامة ببعض الخرافات التي تعرف في بدر بشكل خاص ولا شك أن هناك المزيد من الخرافات ولكن نكتفي بهذا القدر .



([1]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 103 . كما أخذنا بعض المعلومات من كتاب للوالد مفرج السيد بعنون " سوالف وسواليف "  .

([2]) انظر : مفرج السيد ، قصص واساطير شعبية من بدر ووادي الصفراء ، ص 273 .

([3]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([4]) انظر : صبح الأعشى ، ج1 ص 464 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

([5]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([6]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([7]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([8]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([9]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([10]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([11]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([12]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([13]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([14]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء عادات وتقاليد حكايات وذكريات ، ص 92.

([15]) انظر : محمد سليمان اليوسفي ، الموسوعة المصورة : دليل الصحراء في المملكة العربية السعودية ، ص 33 ، الرياض ، ط1 ، 1430هـ - 2009م . وانظر : الحيوان ، ج3 ص 510 ،  دار إحياء التراث العربي .

([16]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([17]) انظر : عاتق البلادي ، الادب الشعبي في الحجاز ، ص 242 .

([18]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " . وانظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 100 .

([19]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([20]) انظر : بدرو وادي الصفراء ، 101 ، وص 103 .

([21]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 102 .

([22]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([23]) انظر : عاتق البلادي ، الادب الشعبي في الحجاز ، ص 286 ، دار مكة .

([24]) انظر : الحيوان ، ج4 ص 247 ، 248 ، دار أحياء التراث العربي ، وج4 ص 253 .

([25]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 181 .

([26]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " . وانظر كذلك : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، 32 .

([27]) انظر : أ . أ . نيهاردت ، الآلهة والأبطال في اليونان القديمة ، ص 22 ، ترجمة : هاشم حمادي ، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع ، ط1 ، 1994م .

([28]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([29]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " . وانظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 100 .

([30]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([31]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 101 .

([32]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([33]) انظر : لسان العرب ، ج13 ، ص 105 ، دار صادر ، ط3  .

([34]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([35]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([36]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([37]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([38]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([39]) انظر : مجمع الأمثال ، ج 1 ص 315 ، دار المعرفة ، بيروت .

([40]) انظر : العبودي ، مأثورات شعبية ، ص 117-123 .

([41]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([42]) انظر : شرح نهج البلاغة ، ج 19 ص 228 ، ط1 ، دار الكتاب العربي ، بغداد .

([43]) المفصل في تاريخ العرب ، ج 12 ص 388 .

([44]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([45]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 31 ، 32 .

([46]) انظر : عاتق البلادي ، الادب الشعبي في الحجاز ، ص 242 . وانظر كذلك : نسب حرب ص 235 .

([47]) انظر : عاتق البلادي ، الادب الشعبي في الحجاز ، ص 243 .

([48]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 40 . ومن بحوث للوالد مفرج السيد بعنون " قصص واقعية متفرقة " .

([49]) انظر : عاتق البلادي ، الادب الشعبي في الحجاز ، ص 244 . وانظر كذلك : مفرج السيد ، الخبيتي ، ص 119 . ومن  بحث للوالد بمفرج السيد عنوان " قاموس كلمات " .

([50]) انظر : الراغب الأصفهاني ، محاضرات الادباء ومحاروات الشعراء والبلغاء ، ج 1 ص 197 ، دار الأرقم بن أبي الأرقم ، ط1.

([51]) يتفاءلون برفة العين اليمنى ويتشاءمون برفة العين اليسرى  .

([52]) انظر : أحمد أمين ، قاموس العادات والتقاليد المصرية ، ص 293 ، مكتبة النهضة المصرية ، ط2 .

([53]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 31 .

([54]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 30 .

([55]) انظر : الميداني ، مجمع الامثال ، ج2 ص 354 ، دار المعرفة ، بيروت .

([56]) انظر : مفرج السيد ، قصص وأساطير شعبية من بدر ووادي الصفراء ، ص 163 ، دار المفردات .

([57]) انظر : دكسون ، عرب الصحراء ، ص 754 ، 755 ، ترجمة : سعود بن غانم العجمي ، الناشر : سعود ن غانم العجمي ، ط1 ، 1997م  .

([58]) من كتاب مخطوط لمفرج السيد بعنوان " سوالف وسواليف " .

([59]) عبد الكريم الجهيمان ، ،ساطير شعبية ، ج1 ص 205 ، دار أشبال العرب ، الرياض ، ط6 ، 1421هـ - 2000م  .

([60]) انظر : الجاحظ ، الحيوان ، ج 6 ص 233-235 ، دار احياء التراث العربي ، تحقيق : عبد السلام هارون .

([61]) انظر : الحيوان ، ج6 ص 214 ، دار إحياء التراث العربي .  

([62]) انظر : الجاحظ ، الحيوان ، ج 6 ص 214 ، دار إحياء التراث العرب .

([63]) انظر : موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ، ص 138 . وانظر : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، ج5 ص 293 ، دار الشروق ، ط1 ، القاهرة .

([64]) انظر : أ . أ . نيهاردت الآلهة والأبطال في اليونان القديمة ، ص 23 ، ترجمة : هاشم حمادي ، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع ، ط1 .

([65]) انظر : مفرج السيد ، قصص وأساطير شعبية ، ص 251- 254 . وانظر : عبد الرحيم الأحمدي ، وداي العشرق .. مفازة الجن ، ص 14 ، 15 .

([66]) انظر : قول يا طير ( حكاية أم عواد والغولة ) ، ص 229 .

([67]) انظر : عبده خال ، قالت حامدة .. أساطير حجازية ، ص 561 ، الحاشية [ 1 ] .  

([68]) انظر : المسعودي ، مروج الذهب ، ج2 ، ص 135 ، دار هجر  .

([69]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 259 ، 260 .

([70]) انظر : مفرج السيد ، قصص وأساطير شعبية من بدر ووادي الصفراء ، ص 217 ، 218 .

([71]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 205 .

([72]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 206 . ومن بحث للوالد بعنوان " قاموس كلمات " .

([73]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 77 .

([74]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 204 ، وص 206 ، وص 207 . وانظر : ، مفرج السيد ، قصص وأساطير شعبية من منطقة المدينة المنورة ، تعليق : محمد مفرج السيد ، ص 126 .

([75]) انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء ، ص 204 .

([76]) انظر : قول يا طير ، ص 241 .

([77]) انظر : لسان العرب ، ج2 ص 437 ، دار صادر ، ط3 . وانظر : حياة الحيوان الكبرى ، ج1 ص 305 ، دار الكتب العلمية ، ط2 .

([78]) انظر : محمود سليم الحوت ، في طريق الميثولوجيا عند العرب ، ص 226 ، دار النهار للنشر ، ط3 ، بيروت .

([79]) من بحث للوالد مفرج السيد " من مآثر بدر "  .

([80]) انظر : سعد الصويان ، حداء الخيل ، الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ، ط1 ص 1408هـ - 1988م .

([81]) انظر : أحمد تيمور ، معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية ، ج 3 ص 321 ، وج4 ص 179 ..