حوار مع
أشعب
أشعب يا أشعب يا أشعب .. ماذا
يا بطنا أوسع من ملعب .. هذا
وقد أخذ مطربنا الأحول ذو العين الزرقاء والرأس الأقرع و اللحية الخفيفة ، يرقص ويغني ويهز بطنه ذات اليمين وشمال ، وقد فصل بيننا مأدبة طويلة قد حملت ما لذ وطاب من أطايب الأكل ، بينما كنت أصفق بيدي حتى انتهى من غناءه ..
أنا : أهلا ومرحبا بظريف العرب ورمز
الطمع في الأدب العربي .. (وبينما كنت أرحب
بمحاورنا هذا ، وإذ به ينقض على هذه المائدة الممتدة
والعامرة ويخوض بيديه في أطايبها ، وينهش ما لذ منها وطاب ) .
أشعب وبصوت
يكاد لا يفهم بسبب امتلاء فمه بالأكل : مرحبا بك مرحبا بك .. وأشكرك على هذه المأدبة الفاخرة ..
أنا : أحببنا ، أن تعرفنا عن نبذة
مختصرة عن نفسك ؟!
أشعب : أما تراني مشغول الآن في هذا
الجهد !! أحسب أنك جمعت عني معومات ، أنا في حالي هذا وموقفي لا أكاد
أستطيع أن أفقهها !! فما عليك إلا أن
تعرضها وأنا أهز لك رأسي سلبا أم
أيجاباً ، ودعني أخوض وأُركز في معركتي هذه ..
أنا : ولكن .. قد دعوناك لتحاورنا ..
لا لأسرد معلومات عنك فحسب !!
أشعب ( وقد أخذ ينفض ما عليه من أكل
محاولا القيام ) : والله .. قد مللت منك .. ما
أسوء أن يذل شخصا لأجل بعضا من الطعام .. أعدني لمقبرتي التي أخرجتني منها ..
أنا ( وقد أخذت اهدأ من غضبه ) : أسف
.. أسف .. لم أقصد أن أضايقك .. أعذرني و لك ما تريد ..
أشعب ( وقد عاد لمجلسه ) : حسنا ..
أقبل عذرك .. ليس لشيء إلا شفقة عليك من أن
أُضيع جهدك وما جمعت من معلومات عني ..(واستدرك ) على أن لا تزعجني بمحاورتك ، وأن لا تشغلني في
معركتي هذه ..( وأخذ يخوض معركته
هذه )
أنا : حسنا .. حسنا لك ما تريد ..
حسنا نبدأ باسمك ، فأنت أشعب بن جبير ، ويقال أن اسمك شعيب وكنيتك أبو
العلاء وقيل أبو إسحاق .
وقيل أنك مولى عثمان بن عفان ، وقيل مولى سعيد بن العاص ، وقيل مولى عبد الله بن الزبير ، وقيل مولى فاطمة بن الحسين . ([1])
وقيل أنك مولى عثمان بن عفان ، وقيل مولى سعيد بن العاص ، وقيل مولى عبد الله بن الزبير ، وقيل مولى فاطمة بن الحسين . ([1])
أشعب : أمممم (وأخذ يهز رأسه موافقا لقولي ، وقد امتلأ فمه بالأكل ) .
أنا : إلا أن الرواية الأرجح أنك مولى لآل الزبير من قبل أبيك وكانت أمك
مولاة ة لعائشة بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه ([2]) .
وقد كان أسم والدتك جعدة ويقال أنها
مولاة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ويقال أن
أسمها أم حميدة بضم الحاء وقيل بالفتح ([4]).
(وأخذ أشعب يهز رأسه
الأصلع علامة الموافقة على قولي) .
( وأخذ
أشعب يحرك رأسه علامة الإيجاب وقد وضع في فمه عرقوب وهو ينهش
فيه ) .
ورغم هذا فقد دفعت بك عائشة بن عثمان
لسوق البزازين ( بائعي الثياب ) ولم تفلح في
عملك ولم تتقنه ([9]).
(فقاطعني أشعب وأشار إلى دجاجة ) وقال : لقد رأيت رجل يسخن دجاجة ، ثم بردت
فسخنت ، ثم بردت فسخنت فقلت : دجاج هذا الرجل
كآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشياً ([10])...
وأحسب أن دجاجتكم هذه كتلك ..
أنا ( قد أزعجني حديثه عن الأكل ) :
أحم أحم .. وقد كنت جميل الصوت وقد أخذت الغناء
واللحن عن معبد بل حتى قال معبد فيك : عليكم بأشعب فأنه
أحسن تأدية للحن مني ([11]).
ورغم هذا فكنت من القراء للقرآن وقد
نسكت وغزوت ، وكنت حسن
الصوت بالقرآن ربما صليت بهم القيام ([12]). (ولا زال أشعب يواصل
معاركه ، ولا أجد منه إلا هز الرأس ) .
أنا
: ورغم هذا فقد اشتهرت بطمعك وحرصك ورويت الكثير من
نوادرك كما كنت بارعا في الرقص ، قادرا على اثارة الضحك
بما تجريه على وجهك وجسدك من تغييرات غريبة ([13])
مع ما تدلي من تعليقات لبقة ورددا سريعة فصرت بذلك
نديما ومسليا لأشراف والخلفاء ، قادرا على استخراج أموالهم
حريصا على حور مآدبهم حتى عرفت بالطمع ([14]). (ولم ألقى من رد إلا هز
الرأس بينما امتلأ فمه بالأكل )
وقدمت إلى بغداد في أيام جعفر بن منصور واجتمع عليك فتيان بني هاشم وغنيتهم فطربوا منك ([15])
وزعم أبو عثمان الجاحظ أنك قدمت إلى بغداد في أيام المهدي ([16]). ( فهز رأسه موافقا ) .
أنا : وقد خرجت من
عند الربيع وزير أبو جعفر المنصور في بغداد ووصلت إلا المدينة فلم تلبث أن توفيت بها سنة 154 هـ ([17])
في خلافة أبو جعفر المنصور .. ( فهز أشعب رأسه مؤيدا كلامي
كعادته ) .
أنا : قد رويت لك الكثير من القصص مع مشاهير ذلك العصر كعبد الله بن عمر وابنه سالم
بن عبد الله وعكرمة مولى عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر بن
أبي طالب والقاسم بن محمد بن أبي بكر والحسن بن الحسن
بن علي وسكينة بن الحسين و أبان بن عثمان والخليفة الأموي الوليد بن يزيد و جرير وجعفر بن المنصور ووالي المدينة في عهد أو
جعفر المنصور زياد بن عبد الله الحارثي ووالي مصر في عهد أبو
جعفر المنصور يزيد بن حاتم المهلبي وغيرهم... (
فجأة أنهى أشعب طعامه وقد حسبت أنه لم ينتهي منه أبداً ، وأخذ يحمد الله ) .
أنا : هني وعافيه .. لم يبقى إلا أن
تروي لنا بعض القصص عن طمعك ؟!
أشعب : حسنا ... خرج سالم بن عبد الله
بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه، وبلغني
الخبرُ، فوافته الموضع الذي هم به ، فصادفت البابَ مُغْلقاً
فتسوَّرتَ الحائط، فقال له سالم: وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي ؟ فقلت: لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق، وإنك
لتعلم ما نريد، فوجَّهَ إلي من الطعام ما أَكلتَ وحَمَلتَ إلى
منزله ([18]).
وعبث الولدان يوما بي فقالت لهم إن ههنا أناسا يفرقون الجوز لأطردهم عني فتسارع
الصبيان إلى ذلك فلما رأيتهم مسرعين قالت لعله حق فتبعهم ([19]).
أنا : ههههههههه ... وما بلغ من طمعك
!!! أشعب : نعم ..
والله ما رأيت اثنين يتساران قط إلا كنت أراهما يأمران لي
بشيء ([20]) ، ومازفت عروس بالمدينة إلا رجوت أن تزف إلي فأكسح داري وأنظف بابي واكنس بيتي ([21])
.
أنا : لا شك أن ليس لك مثيلا في الطمع !!
أشعب : بلا وربي ... أسوء مني أمي فقد
وَهِبَ لي غلامٌ، فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء
والغلام، فقالت أمي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت عليها من أن
أقول: وهب لي، فتموت فرحا، فقلت: وهب لي غين، فقالت: وما غين؟ قلت: لام، قالت: وما لام ؟ قلت: ألف، قلت: وما ألف ؟قلت: ميم، قالت:
وما ميم؟ قلت: وهب لي غلام، فغشى عليها فَرَحاً، ولو لم
أقطع الحروف لماتت ( 14 ) .
أنا : ههههههه .. حسنا لم يبقى شيء إلا أن نشكرك على تشريفك لنا !!
أشعب : بل أنا أشكرك على هذه المأدبة اللذيذة ،، شكرا لك ...