الثلاثاء، 5 مايو 2020

كتاب النساء / الإنسان / فرق ما بين الذكور والإناث للجاحظ


فرق ما بين الذكور والإناث ( كتاب النساء / كتاب الإنسان )

وهو نفسه على ما يبدو كتاب النساء ، أو كتاب الإنسان وهو الكتاب معضل جدا كما ذكرنا من قبل ، والكتاب يعرف بـ (كتاب النساء وهو الفرق فيما بين الذكر والأنثى ) كما يذكر ياقوت الحموي في فهرسه ، وفي البيان والتبيين  (كتاب الانسان من كتاب الحيوان وفي فضل ما بين الذكر والأنثى تامًا )  ، وفي الحيوان هو كتاب ( فضل ما بين الرجال والنساء وفرق ما بين الذكور والإناث ) .
الجاحظ يذكر في كتاب الحيوان هذا النص : ( وعبتني بكتاب الزرع والنخل والزيتون والأعناب، وأقسام فضول الصناعات، ومراتب التجارات ؛ وبكتاب فضل ما بين الرجال والنساء، وفرق ما بين الذكور والإناث، وفي أي موضع يغلبن ويفضلن، وفي أي موضع يكن المغلوبات والمفضولات، ونصيب أيهما في الولد أوفر، وفي أي موضع يكون حقهن أوجب، وأي عمل هو بهن أليق، وأي صناعة هن فيها أبلغ  ) ([1]) . فهذا النص يذكر اسم الكتاب ( فضل ما بين الرجال والنساء وفرق ما بين الذكور والإناث ) ويظهر ان هذا النص يوضح أن الكتاب يتناول فقط الفرق ما بين الذكر والأنثى لدى البشر ، و في النص لا يسمه بكتاب النساء إلا أنه يظهر بشكل خاص تركيزه على النساء مما قد يشير إلى أنه هو نفسه ( كتاب النساء ) والذي وصل إلينا فصول منه ، وقد كان الجاحظ تناول فرق بين الذكر والأنثى واشكال التفاضل بينهما  .
 .
والجاحظ وفي المجلد الخامس يقول : ( ولم أذكر لك من الأبواب الطوال شيئا، ولوا قد صرت إلى ذكر فرق ما بين الجن والإنس، وفرق ما بين الملائكة والأنبياء، وفرق ما بين الأنثى والذكر، وفرق ما بينهما وبين ما ليس بأنثى ولا ذكر، حتى يمتد بنا القول في فضيلة الإنسان على جميع أصناف الحيوان ) ([2]) ، فهذا النص قد يدل على أن الجاحظ لم يؤلف بعد هذا الكتاب بعد ، أو أن الجاحظ أراد أن يؤلف كتاب أخر يشمل الفرق بين الأنثى والذكر في جميع الحيوان ليكون تاما لجميع الحيوان ولا يقتصر على الحديث عن الفرق بين الذكر والأنثى عند البشر فقط .
وعلى العموم فإن إشارة الجاحظ إلى هذا الكتاب في مقدمة الحيوان يدل على أن الجاحظ قد ألف هذا الكتاب قبل كتاب الحيوان .
وقد ذكر ابن النديم وياقوت الحموي ( كتاب النساء أو الفرق بين الذكر والأنثى )  في فهرست كتب الجاحظ يقول ياقوت :  ( وهذا فهرست كتب الجاحظ : كتاب الحيوان وهو سبعة أجزاء وأضاف إليه كتابا آخرا سماه كتاب النساء وهو الفرق فيما بين الذكر والأنثى ، وكتابا آخر سماه : كتاب النعل . ) ([3])، وصحيح ( كتاب النعل ) هو ( كتاب البغال ). ثم ذكر مره أخره في فهرسه لكتب الجاحظ ( كتاب النساء ) ([4]) .
ونص ياقوت أو ابن النديم يتناقض مع ما نراه في كتاب الحيوان فنص ياقوت يذكر أن الجاحظ لم يؤلف الكتاب إلا بعد كتاب الحيوان وأضاف كتاب النساء وكتاب البغال والملاحظ أن في الكتابين يذكر الجاحظ معاناته من المرض عند تأليف الكتابين ، ونحن نعتقد أنه لا يستقيم ما يذكره ياقوت وابن النديم إلا أن يكون الجاحظ قد ألف كتاب النساء وقبل أن ينتهي الجاحظ من تأليف الجزء السابع وقبل وفاة ابن الزيات في أوائل سنة 233هـ ، أو أن تكون مقدمة كتاب الحيوان وكما يذكر البعض قد وضعت بعد الانتهاء من تأليف الجاحظ لكتاب الحيوان وبعد مقتل ابن الزيات .  
ويذكر الجاحظ الكتاب على ما يبدو وباسم أخر ربما سببه التصحيف ، فالجاحظ في البيان والتبيين يسميه كتاب ( كتاب الرحل والمرأة في باب القول في الإنسان من كتاب الحيوان  ) يقول الجاحظ   : (  وقال بشار بن برد:
وخذي ملابس زينة


ومصبغات فهي أفخر

وإذا دخلت تقنعي


 بالحمر إن الحسن أحمر

وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الأمر إلى ما لا يبلغه تمييز البصير، ولبشار خاصة في هذا الباب ما ليس لأحد، ولولا أنه في كتاب الرجل والمرأة وفي باب القول في الإنسان من كتاب الحيوان، أليق وأزكى لذكرناه في هذا الموضع ) ([5]).
 ويسميه في موضع أخر من البيان والتبيين بكتاب : ( كتاب الإنسان، وفي فصل ما بين الذكر والأنثى، تاما  ) ([6]) ، وهذا النص يرجح أن الكتاب قد ألف قبل كتاب البيان والتبيين .
فهذا دليل أيضًا على أن الكتاب قد ألف قبل كتاب البيان والتبيين كما ترى ، وهنا نرى أن اسم الكتاب كتاب الإنسان أو القول في الإنسان ، فهل أن اسم الكتاب هو كتاب الإنسان لا كتاب النساء كما نرى في النسخة التي وصلت لنا بعض فصولها من الكتاب والذي نشر باسم ( كتاب النساء ) .
ومهما يكن الأمر فإننا نعتقد انه إن صح أن الكتاب واحد فإن الكتاب يدل على أن الجاحظ قد ألف هذا الكتاب قبل كتاب البيان والتبيين وسواء كان ذلك قبل مقتل ابن الزيات أو بعد مقتله .
إلا أننا نرى نص في (كتاب النساء ) الذي وصل إلينا ما يثير الشك في تأليف الكتاب قبل كتاب الحيوان على الأقل ، بل قد يثير الشك حتى في تأليف الكتاب قبل كتاب البيان والتبيين .
فالجاحظ يقول في كتاب النساء : : ( كما نحب أن يخرج هذا الكتاب تاما ويكون للأشكال الداخلة فيه جامعا وهو القول فيما للذكور والإناث في عامة أصناف الحيوان وما أمكن من ذلك حتى يحصل ما لكل جنس منها من الخصال المحمودة والمذمومة‏.‏ ثم يجمع بين المحاسن منها والمساوى حتى يستبين لقارىء الكتاب نقصان المفضول من رجحان الفاضل بما جاء في ذلك من الكتاب الناطق والخبر الصادق والشاهد العدل والمثل السائر‏.‏  حتى يكون الكتاب عربيا أعرابيا وسنيا جماعيا وحتى يجتنب فيه العويص والطرق المتوعرة والألفاظ المستنكرة وتلزيق المتكلفين وتلفيق أصحاب الهواء من المتكلمين حتى نظرنا لمن لا يعلم مقادير ما استخزنها الله من المنافع وغشاها من البرهانات وألزمها من الدلالة عليه وأنطقها به من الحجة له‏.‏  فمنع من ذلك فرط الكبرة وإفراط العلة وضعف المنة وانحلال القوة‏.‏  فلما وافق هذا الكتاب منا هذه الحال وألفى قلوبنا على هذه الأشغال اجتنبنا أن نقصد من جميع ذلك إلى فرق ما بين الرجل والمرأة‏.‏ فلما اعتزمنا على ما ابتدأنا به وجدناه قد اشتمل على أبواب يكثر عددها وتبعد غايتها فرأينا والله الموفق أن نقتصر منه على ما لا يبلغ بالمستمع إلى السآمة وبالمألوف إلى مجاوزة القدر‏.‏ ) ([7]) .
وهذه الحالة التي يصفها الجاحظ في طريقة تأليف الكتاب تدل على أن الجاحظ وضع هذا الكتاب في خلافة المتوكل فهو حريص أن يكون الكتاب (سنيا جماعيا ) وحتى يجتنب تلزيق المتكلفين وتلفيق أصحاب الهواء من المتكلمين ، فهذا النص يدل على رغبة الجاحظ في التقيد مع الأوامر التي أمر بها المتوكل في سنة 237هـ من منع الجدال على الأقل أو منذ أن تولى المتوكل الخلافة في سنة 233هـ أي بعد مقتل ابن الزيات ، بل إن الجاحظ يصف وكما ترى في النص حالته المرضية في قوله ( ذلك فرط الكبرة وإفراط العلة وضعف المنة وانحلال القوة ) فهذا النص يدل على ما وصل إليه الجاحظ من الكبر ونحن نعتقد أن الجاحظ لم يصل إلى هذه المرحلة من العلة قبل سنة 240هـ على الأقل فقد كان الجاحظ كثير التنقل بين بغداد وسامراء والبصرة في بداية خلافة المتوكل وحتى سبع سنوات من خلافته كما أنه ألف كتاب البيان والتبيين والبرصان والعرجان ولم يعاني كل هذه المعانة ، مما يدل على أن تأليف كتاب النساء كان بعد تأليف كتاب البيان والتبيين على الأقل ، وهذا يتناقض كما ترى مع نص البيان والتبيين الذي ذكر فيه ( كتاب الإنسان وفي فصل ما بين الذكر والأنثى، تاما ) ويتناقض أيضأ مع ما يرد في كتاب الحيوان من أنه قام بتأليف هذا الكتاب كما ذكر في مقدمة الحيوان ، والجاحظ وأن ذكر في كتاب الحيوان أن كان يعيش حالة من المرض فلم تصل حالته إلى المرحلة التي ينقلها الجاحظ في كتاب النساء.
ومن كل هذا يتضح أن فترة تأليف الكتاب لا تخرج عن أربع احتمالات :-
1- أن الكتاب تم تأليفه قبل كتاب الحيوان وقبل مقتل الوزير محمد بن عبد الملك الزيات .
2- أن تأليف الكتاب كان قبل كتاب البيان والتبيين ، وكان ذلك في أول خلافة المتوكل وبعد مقتل ابن الزيات ، وأن ورد اسم الكتاب في كتاب الحيوان فسبب ذلك أن مقدمة الحيوان لم توضع إلا بعد تأليف هذا الكتاب ، والاحتمال هذا وما قبله هو ما نرجحه .
3- أن الجاحظ ألف هذه الكتاب في فترة متأخرة من حياته وبعد تأليف كتاب البيان والتبيين ودليل ذلك ما نراه من وصف للجاحظ لحالته الصحية ، وهذا الاحتمال الأخير يتناقض مع تسجيل اسم الكتاب في كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين .
4- وهناك أحتمال أخير ونحن نستبعده ولكن نطرحه وهو أن يكون هناك كتابين شبيهان في الاسم وهما :
 أ) الكتاب الأول :كتاب فضل ما بين الرجال والنساء، وفرق ما بين الذكور والإناث كما في الحيوان وألفه قبل كتاب الحيوان ، ولعله هو نفسه كتاب الإنسان أو كتاب النساء ، وهو كتاب الرجل والمرأة وفي باب القول في الانسان في كتاب الحيوان ، او كتاب الانسان من كتاب الحيوان وفي فضل ما بين الذكر والأنثى تاما  كما يسميه في كتاب البيان والتبيين ، وقد ألفه الجاحظ قبل كتاب الحيوان وهو لا علاقة له بكتاب الحيوان .
ب ) الكتاب الثاني : وهو الفرق فيما بين الذكر والأنثى كما في فهرست ياقوت الحموي ، وقد وضعه الجاحظ كجزء من كتاب الحيوان ككتاب البغال ، وتناول الجاحظ فيه الفرق بين الذكر والأنثى في عامة أصناف الحيوان ، وربما أن هذا الكتاب هو نفسه الكتاب الذي يعرف بكتاب النساء ، وحدث خلط بين الكتابين على الرغم أن الفصول التي وصلت إلينا من كتاب النساء لا تتحدث إلا عن الفرق بين الرجل والمرأة مما قد يدل على أنه بالفعل كتاب النساء أو كتاب الإنسان . ولكن النص الذي يورده الجاحظ في هذا الكتاب عن نهج كتابه في أن يكون كتابا سنيا جماعيًا يدل على أنه ألف في خلافة المتوكل كما أن وصف الجاحظ لحاله من أنه منعه عن إتمام الكتاب بسبب فرط الكبوة وإفراط العلة وضعف المنه وانحلال القوة تدل على أن تأليف الكتاب كان في أواخر خلافة المتوكل ، والحقيقة أننا نستبعد هذا الاحتمال خاصة أن الجاحظ يذكر في كتاب النساء الذي وصل إلينا أنه وبسبب اشتداد علته اضطر إلى اختصار الكتاب وقصر الكلام على ما بين الرجل والمرأة وتخلى عن بعض أبوابه مثل القول في الذكور والإناث في عامة أصناف الحيوان ([8]).


([1]) الحيوان ، ج 1 ص 8 .
([2]) الحيوان ، ج 5 ص 155 .
([3]) معجم الأدباء ، ج 4 ص 493 ، دار الكتب العلمية . وانظر: الفهرست ، ص 293 ، دار الكتب العلمية.
([4]) معجم الأدباء ، ج 4 ص 494 ، دار الكتب العلمية ، وانظر : الفهرست ، ص 294 ، دار الكتب العلمية.
([5]) البيان والتبيين ، ج 1 ص 225 ، مكتبة الخانجي .
([6]) البيان والتبيين ، ج 1 ص 225 ، مكتبة الخانجي .
([7]) رسائل الجاحظ ، ج 3 ص 152 .
([8]) انظر : رسائل الجاحظ ( الرسائل الكلامية ) ، ص 15 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق