الاثنين، 6 ديسمبر 2021

سكان بدر في كتب الرحلات

 

سكان بدر في كتب الرحلات

كانت بدر من بلاد غفار وقد هاجر بعض قبائل زمن الفتوح إلى مصر وقيل إلى الشام كما يذكر يوسف حامد الرديني وإن بقى رهط عزة ويتضح ذلك من شعر كثير  ، وينقل البكري عن ابن الكلبي أن قبيلة جهينة سكنت عدة مواضع ومنها بدرا والرويثة والروحاء ، ويستنتج يوسف حامد الرديني رحمه أن من ضمن سكان بدر بنو الحسن وبنو الحسين وقد استحدثا خيافها وقد كان يسكنها معهم أخوهم لأمهم " فاطمة بنت الحسين " محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وقد أمر الخليفة المنصور واليه على المدينة بحمله من بدر إلى بغداد عام 144هـ ، ويربط يوسف حامد الرديني بين بين أشراف الفضول والذي يذكرهم النهروالي بعقب أبناء الحسن أصحاب خيفي بدر وكان يساكنهم بنو غفار بن ضمرة حتى هاجر أكثرهم إلى مصر وقيل إلى الشام ، ثم غلبت عليها قبيلة حرب وقبيلة صبح بالذات كما يقول يوسف حامد الرديني ، ورغم أن قبيلة حرب قد هاجرت من صعدة في القرن الثاني الهجري إلا أنها لم تسيطر على جميع المنطقة إلا بعد قرون من هجرتها ، ويبدو أنه وحتى القرن العاشر كانت قبيلة المزداد من زبيد هي القبيلة المهمينة على طرق القوافل المحيطة ببدر على الأقل ، وإن سكنت بعض قبائل صبح في بدر .

 أن أول النصوص التي تقع في يدينا عن سكان بدر في كتب الرحلات التي سجلناها هنا هو ما يذكر صاحب المناسك في القرن الثالث أو الرابع من أن في بدر أخلاط من الناس وغير واضح ما يقصد بالأخلاط هل هم قبائل مختلفة أم هم أناس لا يرجعون إلى أي قبيلة !! .

ويبدو أن بدرًا أصبحت في القرن الرابع مدينة صغيرة وبها مساجد كما يذكر المقدسي في كتابه ، ولكنه مع الأسف لا يحدثنا عن سكان بدر ، بينما يذكر العبدري في القرن السابع أنه ما بين الحجاز ومصر وهي مسيرة أربعين يومًا برية وما بها مستعتب إلا في ينبع وفي بدر فإن بهما عمارة هي أشبه شيء بالخلاء ،  ويصف العبدري بدر بأن بها عمارة ويصف سكان بدر بالضعف وبأنهم رفضة وهذا الوصف بالضعف  ينقله محمد حسين هيكل أيضأ في القرن الرابع عشر على لسان أحد الجنود في وصفه  لسكان بدر ، أما الرفض والتشيع والزيدية فقد أورد العديد من الرحالة هذا الشيء رغم أن يوسف حامد الرديني قد نفى صحة هذا الامر ، غير أن كتب الرحلات تورد هذا الشيء ومن هذه الرحلات التي ذكرت هذا رحلة العبدري وتحدث الورثيلاني عن ذلك وذكر أن في بدر أهل سنة وكذا الزيدية ، وذكر السويدي أن أهلها شيعة ، وأرود ابن عبد السلام ما ذكره العبدري وهو لا يستبعد عن أهل بدر ذلك لشيوع مذهب الزيود في الحجاز.

أما في القرن العاشر فيتحدث الجزيري عن حماية زبيد للقوافل المحيط ببدر من جهة الشمال والجنوب ، بينما الدرك في بدر ( من الأبرقان حتى الصفحة )  تحت حماية الشرفاء البدريين أهل بدر ، وقد ذكر الجزيري قبيلة صبح وذكر انها تتعرض للوافدين على بدر ليلًا وأنا أذاهم متصل بأهل الركب من الينبع واتجاه القرية وادي الصفراء كما يزعم ، وينقل يوسف حامد الرديني عن رحالة مجهول أن ببدر طائفة من المزداد ( المستاد ) من زبيد كان لهم جبا القوافل  ، أما النهروالي فقد ذكر أن المزداد ( المستاد ) كان لهم جبا القوافل ، وأنه يسكن أشراف الفضول بجوار عين حنين ، وذكر أن اهل بدر أربع طوائف هم : من الأشراف المحاسنة والقوايدة والشكرة والعتق ( وهم من صبح ) فيهم أشراف وفيهم من ينتمي إليهم من العربان ، والنهروالي هو أول من ذكر السيد الرديني الذي دفن بجوار قبور الشهداء ، وقد هاجر السادة الردنة في القرن التاسع أو العاشر من اليمن .

ويبدوا أن أغلب القبائل الموجودة في بدر حاليًا قد سكنت بدر منذ القرن العاشر كما يتضح من رحلة الجزيري والنهروالي ، إلا أنه يبدوا أن قبيلة صبح لا زالت حتى ذلك التاريخ لم تقيم في بدر الإقامة الدائمة فلا زالت جبال صبح معقلهم الرئيسي وإن أقام في بدر بعض أفرادها أو بعض بطونها .

 وقد تحدث العياشي في القرن الحادي عشر ( سنة 1072هـ ) عن مجاورة قبيلة صبح ، وزعم أن أهل بدر يعانون من هذه المجاورة وذلك في قوله : ( وأهلها محفوظون آمنون مطمئنون ، مع سوء أخلاق عرب صبح المجاورين لهم ) وقد يكون هذا الزعم متأثرة بمشاهدات بعض الرحالة السريعة في المنطقة والمتأثرة بالتصورات المسبقة عن بعض قبائل المنطقة ، ومما يناقض هذه الصورة ما تورده الكثير من الوثائق التي تدون فيها عدد من أسماء القبائل ككتاب وشهود بل وحكام في بعض القضايا بين فصائل القبائل المختلفة  ، ناهيك عن ما تورده بعض الروايات عن الصداقة التي تجمع بين أفراد من عدة قبائل ، ومما ينقض قول العياشي في رحلته أنه قام بتخزين ما لديه من مال لدى رجل اسماه الشيخ حسن بن عليان ويظهر ومن اسمه أنه من صبح وقد وصفه بأنه من أهل الخير ،  ويذكر العياشي أيضًا أن أسعار بدر رخصية رغم انقطاعها عن البلاد وأن أهلها محفوظون آمنون ، وقد تحدث العياشي عن السادة الردنة وذكر أن أسلافهم نزلوا إلى هذه البلد من اليمن وأن كبيرهم السيد الغيث .  

ولا تورد كتب الرحلات حتى القرن الحادي عشر شيئا عن أشراف بدر آل نامي ( ذوي عبيد ) وهم مكون مهم من مكونات قبائل بدر وكانت الإمارة بأيديهم قبل الحكم السعودي بل وبعده ، ويذكر يوسف حامد الرديني أنه جاء بعد السادة الردنة السادة الأشراف ذوي عبيد وتقول مشجرتهم أنهم من أبناء أبي نمي الثاني . وقد أشار العياشي أن أمير بدر كان يأخذ بعض المكوس على القوافل التي تمر ببدر ، ولا نعلم من هو أمير بدر في تلك الفترة ، وعلى العموم فيبدو ومن خلال الوثائق التي نشرها الأستاذ فائز البدراني أن أقدم نص يرد عن أحد رجالهم وهو علي بن عبيد البدري ([1]) ويعود للنصف للربع الأول من القرن الثاني عشر الهجري وذلك في الوثيقة التي تعود لسنة 1123هـ مما يدل على أنهم سكنوا في بدر على الأقل منذ ذلك التاريخ أي قبل رحلة العياشي بخمسين سنة تقريبًأ ، بل وقبل ذلك  فقد ورد في وثيقة الأموال التي أمر بتوزيعها السلطان إسماعيل سلطان المغرب في سنة 1101هـ ، 1102هـ أنه تم تخصيص جزء منها لأهل بدر وممن خصصت لهم : بيت الرديني ، وذوي عبيد والمهادلة وأهل الخريبة وذوي مسيب وذوي الفضل ، وذوي إبراهيم بالصفراء وذوي نُمي وذوي الحسينية ، مما يدل على أن أشراف بدر أل نامي ( ذوي عبيد ) يسكنون في بدر قبل ذلك التاريخ ، بل إن هناك وثيقة تدل على أنهم كانوا يسكنون في منطقة وادي الصفراء قبل ذلك التاريخ ومنذ منتصف القرن الحادي عشر للهجرة على الأقل .

ويتحدث أوليا جلبي في القرن الحادي عشر عن أن ببدر 400 بيت عربي ، ويذكر الرحالة الدمشقي أنه يقام ببدر سوق كبير على مدار السنة مما يدل على أن بدر لا تخلوا من السكان طوال العام ، ويتحدث أن عليها مرد من البحر إلى ينبع ، ويظهر أن هذا الرد ( المرد ) قد استمر طويلًا فالوالد مفرج السيد يقول : ( والرد هو الجمال التي تحمل البضائع من ينبع البحر إلى بدر لأن ميرة بدر كانت تجلب بالجمال من ينبع البحر ) ([3]) ، ويذكر النابلسي أن أهل بدر يبيعون الحجاج التمر والرطب والليمون والحشيش وغير ذلك .

وتحدث الورثيلاني عن سكان بدر فذكر أنه وطنها الأشراف ونزلوا بها من القديم ، وذكر أن فيها أهل السنة وكذا الزيدية ووصفهم بالخوارج الظاهرية وفي الاعتقاد قدرية ، أم السويدي ففي رحلته سنة ( 1157 ، 1158هـ ) فقد ذكر أنهم شيعة ..

أما ابن عبد السلام فقد أورد العديد من المعلومات المهمة عن بدر ، فقد نقل ما ذكره العبدري في تشيع أهل بدر وعلق ابن عبد السلام أنه لا يبعد عن أهل بدر ذلك لشيوع مذهب الزيود في الحجاز ولكنه يستبعد ذلك على أهل المدينة ويذكر أن ذلك ربما كان في زمن العبدري ، ثم يعيد ابن عبد السلام ما ذكره العياشي عن عن صفة بدر ورخصها وأمنها ثم تناول ما ذكره العياشي من مجاورة قبيلة صبح لبدر ونقل ابن عبد السلام عن رجل ضرير من أهل بدر أن سكان القرية من قبيلة صبح وهو خلاف ما ذكره العياشي عن مجاور صبح للقرية ، وقد حدثه هذا الرجل أن قبيلة صبح تقرب من ألفي رجل وهي دائرة بجبال وتسكن الخيام وجدهم وائل بن بدر الصحابي وأنهم حلفاء حرب وأن جرت بينهم ثائرة فأجلوهم عن ديارهم إلى ينبع وخربوا هذه القرية ( بدر ) ثم ردهم الله إلى مقرهم فدخلوا في حلف حرب ، وذكر أنهم شافعية المذهم وفيهم من الزيدية كثير ومن المالكية قليل . ثم تحدث  ابن عبد السلام أن بأسفل الشهداء السادة الشرفاء الردينية ( سجل الزيدية وهذا غير صحيح ) في بيت ، وأن في الشهداء أناس من أهل البلد يتعرضون للعطاء من الحجاج ، كما ذكر أن إمام مسجد الغمامة ( العريش ) والتي تقام فيه صلاة الجمعة شريف رديني ومرتبه يأخذ قسطا من التمر إعانة من أهل القرية له ، وما يذكره ابن عبد السلام عن بيت الرديني قد يرتبط بما ذكره يوسف حامد رحمه الله في رسالة له بعنوان " البيان الشافي فيمن سمي بالرديني من الأشراف " أنه وفي جنوب زاوية السنوسي هناك ردم من الحجارة يسمى ( يست الرديني ) ، ويذكر الأستاذ محمد صالح البليهشي في حديثه عن السنوسية أن المبنى على ما يبدو من آثار الجدران القائمة وما دون على القبرين بداخله أنه قد بني في القرن العاشر الهجري .

أما بوركهارت ففي رحلته التي كانت تقريبًا في سنة 1230هـ ( 1815م )  فقد تحدث عن سكان بدر وذكر ان سكانها الأصليون قبيلة صبح وذكر ان بعضهم استوطن بها ولهم دكاكين في بدر ، وذكر ان بعضهم يعودون عندما يأتي المساء إلى خيامهم وعوائلهم في الجبال المجاورة ، وقد ذكر بوركهارت أن قبيلة صبح هي القبيلة الوحيدة التي حافظت على استقلاله عن سيطرة الوهابية على الحجاز وذلك بعد أن انسحبت هذه القبيلة إلى جبل صبح ، وتحدث عن أن بدر مكان يتردد عليه المسافرون والطلب فيها عال على المساكن والمحل يؤجر في السوق بـ 20 دينار في السنة ، وذكر أن بعض أسر الأشراف تقيم في بدر ويحصلون من الحجاج عند المرور على نوع من الضرائب والمكوس ، وعند حديثه عن مزارات شهداء بدر ذكر أن فقراء بدر يجتمعون عند صخرة مجاورة للشهداء لنيل إحسان الحجاج ، وذكر أنه في المساء جاءت المئات من إبل البدو يقودها النساء ، وذكر ان حرب في الجديدة والصفراء وبدر يزوجون للأغراب والمستوطنين وقد تزوج بعض الاتراك من البدويات وأقاموا ببدر .

وقد ذكر ليون روش في رحلته سنة 1841 م ( 1257هـ  تقريبًا )  أن سكان بدر من قبيلة حرب البدوية وذكر أنه وجد بها أشراف كان ينبغي ان يتبرع لهم ببعض القطع النقدية وينطبق هذا مع ما ذكره ابن عبد السلام وبوركهارت عن طلب الإحسان من فقراء بدر .

أما محمد حسين هيكل فقد تحدث عن حالة بدر البائسة ومنازلهم الأشبه بالأكواخ بل بالآثار الدارسة ، والصورة التي ينقلها لنا هيكل عن حال أهل بدر تظهر مقدار الضعف الذي كان يعيش فيه أهل بدر في تلك الفترة وإن كنت اعتقد أن زيارة لم تدم ساعتين أو ثلاث ساعات أو موقف وموقفين لا يمكن أن تصور حالة الناس الشخصية في تلك الفترة ، ولكن في الحقيقة أن بدر كانت في تلك الفترة تعاني من عزلة شديدة .

أما مجلة العربي فهي تصف بدر بعد خروجها من العزلة التي استمرت ما يزيد عن مائة سنة ، وذلك بعد تنفيذ الطريق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة والذي يمر ببدر فأعاد شيء من الأزدهار لبدر فبلغ عدد سكانها كما تذكر المجلة 3 آلاف نسمة يعتمدون في عيشهم على النخيل ، ويرحل الرجال للعمل في مكة والمدينة وجدة بينما تبقى النساء مع الشيوخ للعناية بالنخيل والزراعة فيرزع البطيخ والشمام الذي تمد بهما بدر أسواق جدة والمدينة .

وأخيرًا يتحدث عاتق البلادي عن أن سكان بدر من صبح وحي من الأشراف لهم إمارة البلد وحي من السداة والجميع حلفاء لصبح .



([1])  وفي شهداء بدر نقش كتابي يرد اسم : وصل بن حسن بن علي بن عبيد البدري  .

([2])  عينًا : هكذا ولعله عبيد ؟ .

([3])  انظر : مفرج السيد ، بدر ووادي الصفراء عادات وتقاليد .. حكايات وذكريات ، ص 167 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق