حوار مع جحا
سلمت على محاوري صاحب الوجه الباسم والابتسامة
الظريفة
واللحية الطويلة الذي لم يقبل بإجراء هذا
الحوار إلا بعد أن طلب مشاركة حماره في هذا الحوار ، وقد أزعجنا
بنهيقه وصياحه :
أنا :
أهلا
ومرحبا بظريف العرب الشهير جحا ...
أنا : بداية الأمر أحببت أن تعرفنا بأسمك ؟!
جحا : والله لا أدري من أنا ،، وما أسمي ،، كيف
يسأل عن اسمه من حدثت له هذه القصة : ( اجتمعت يوما بشخص لم تسبق لي معرفته ، فأخذ
ت أحادثه كأنه صديقا لي منذ زمن ، ولما هم الرجل بالانصراف سألته : عفوا يا سيدي
إني لم اعرف حضرتك فمن أنت ؟ قال الرجل : وكيف تحدثني
بدون تكلف كأن بيننا معرفة سابقة ؟
فقلت : اعذرني فقد رأيت عمامتك كعمامتي وقفطانك كقفطاني فخيل لي أنك أنا ) ([2]) فبلله هل يسأل مثلي حدثت له هذه القصة عن أسمه ..
فقلت : اعذرني فقد رأيت عمامتك كعمامتي وقفطانك كقفطاني فخيل لي أنك أنا ) ([2]) فبلله هل يسأل مثلي حدثت له هذه القصة عن أسمه ..
أنا ( وقد غلبني الضحك ) : ههههه ... حسنا .. حسنا .. معذور والله ..
وقد ورويت لك مثل هذه القصة مع أبو مسلم الخرساني صاحب الدولة
العباسية
؟!
جحا : نعم ... فعندما ورد أبو مسلم صاحب الدولة
الكوفة قال لمن حوله : أيكم يعرف جحا
فيدعوه إلي ؟ فقال يقطين : أنا أدعوه ... فدعاني .. فلما دخلت عليه
، لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين .. فقلت يا يقطين ، أيكما
أبو
مسلم .. ([3]) .
أنا : هاهاهاهاها ... والله لقد سمعت بهذه القصة من
قبل
لأحد الحمقى مع أحد العلماء وزوجه ...
حسنا ... لقد قيل أنك أبو الغصن
دجين
بن ثابت الكوفي الفزاري ، وكانت أمك خادمة لأم أنس بن مالك وكنت موجود بالكوفة
في
إبان ثورة أبي مسلم الخرساني ([4])
.
جحا : والله لا أدري أن كنت هو أم لا ... لكني كآني قد
سمعت به من قبل .. ثم نظر لحماره وقال : لعل حماري يعرف أن كان
هذا
هو أنا أم لا ... آيه يا أبو صابر هل تعرف أبو الغصن دجين بن ثابت ... فنهق
الحمار
نهقة طويلة .. فالتفت إلي جحا وقال : يقول الحمار لم يحصل له الشرف !!
أنا : هاهاهاها .. روويت لك قصة مع حمارك .. قيل (
انه جاء رجل يطلب حمارك فقلت له أني ذاهب للحمار استشيره
فعساه يقبل . ثم دخلت الاصطبل وعدت فقلت لجارك : استشرت
الحمار فلم يرض لأنه يزعم أنك سوف تضربه ضربا مبرحا وتشتمه هو
وصاحبه
) ([5]) .
أنا : نعود إلى الجد ... ذكرنا أن اسمك
دجين بن ثابت أبو الغصن الكوفي الفزاري المعروف بجحا .. وقيل أن هناك
شخص
أخر يحمل مثل هذا الاسم وهو محدث من أهل البصرة و اسمه دجين بن ثابت اليربوعي
وكنيته
أبو الغصن وقال ابن حجر في ( لسان الميزان ) ونفى أن يكون هذا الشخص أنت ([7]) .
وروي عنه هذا الحديث : (دثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو سعيد حدثنا
دجين أبو الغصن بصرى قال: ) قدمت
المدينة فلقيت أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت: حدثني عن
عمر فقال: لا أستطيع أخاف أن أزيد أو أنقص كنا إذا قلنا لعمر رضي الله عنه حدثنا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخاف أن أزيد حرفا أو أنقص إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: من كذب علي فهو في النار ) ([9]) .
جحا : لكن هذا الرجل ليس بأنا !! ولا أحسب أني كنت على هذا الحال !
أنا : حسنا .. فإن لم تكن أنت هو
.. فقد ذكرك عمر بن أبي ربيعة وقال :
دلهت عقلي ، وتلعبت بي
جحا : لا يعنيني أن كنت في ذلك الزمن أم لا .. لكن أزعجني كيف يتهمنى ابن أبي ربيعة بالجنون فقد كنت والله فاضلا متماجنا .. وأنما الناس قد عملوا عني قصص وروايات كما عملوا على لسان المجنون ([12]) .
أنا : ورغم هذا فقد اشتهرت بالغفلة حتى قيل ( أحمق من جحا ) ورويت عن حمقك قصة وهي : ( أن عيسى بن موسى الهاشمي مَرَّ به وهو يَحْفر بظهر الكوفة مَوْضِعاً، فقال له: مالَكَ يا أبا الغُصْن؟ قال: إني قد دَفَنْتُ في هذه الصحراء دراهمَ ولستُ أهتدي إلى مكانها، فقال عيسى: كان يجب أن تجعل عليها عَلاَمة، قال: قد فعلتُ، قال: ماذا؟ قال: سَحَابة في السماء كانت تُظِلها، ولستُ أرى العلامة ) ([13]) .
جحا : أنم هذا تماجنا وظرفا ليس إلا ..
أنا : حسنا .. وقد كان هذا عيسى بن
موسى واليا على الكوفة من قبل السفاح في سنة 132 هـ وقد توفي سنة 167
هـ
([14]) . يدل هذا على أنك في الكوفة في ذلك الوقت ..
وقد ذكر أنك توفيت في خلافة المهدي
العباسي الذي ولى الخلافة في ذو الحجة من سنة 158 هـ إلى المحرم من
سنة
169 هـ ([15]) .
جحا : اه !!
أنا : ولو ثبت ما قاله فيك ابن أبي
ربيعة
وقد ولد ابن ربيعة سنة 23 من الهجرة وقطعا لم يقل الشعر إلى بعد العشرين من
عمره
أي بعد سنة 43 هجري وقد علمنا آن وفاتك في خلافة المهدي أي قبل سنة 167 هجري
فيدل
هذا على أنك قد كنت معروف بين هذه الفترتين تقصر أو تطول ...
جحا :
أحسنت
أحسنت ... ولو أني لم أفهم شيء ... أليس كذلك يا أبو صابر .. ونهق الحمار
مؤيدا
صاحبه ..
أنا : وقد اشتهر ذكرك بعد ذلك حتى قال أبو العتاهية :
دلهني حبها وصيرني
وكان أول من ذكرك من الكتاب
هو الجاحظ في رسالة عن علي والحكمين وكتاب البغال للجاحظ أيضا ([17]) ، وقد قص لك
قصة ماجنة مع حمصي لا يسمح المراقبين بذكرها ([18]).
جحا : هاهاهاها ... أعرفها وأذكرها جيداً ،
وسأذكرها لك ..
أنا : لا لا لا
.. أرجوك أرجوك ..
وقد أظهر جحا امتعاضه من هذا ونهق حماره
محتجا
، فما كان مني إلا أن قلت : وقد اشتهر ذكرك في العالمين وأصبحت أحد
المشاهير
وآلف كتابا لنوادرك يسمى ( نوادر جحا ) ذكره في الفهرست ( ابن النديم ) ([19]) و
عرفت
شخصيتك عند الأتراك وظهر في عصر تيمورلنك شخصا آخر اسمه الخوجة نصر
الدين
اشتهر بين الأتراك بجحا و قد نحله الأتراك الكثير من قصصك وقد عرفت بعض
الشعوب
الأخرى جحا ولكن بأسماء متشابهة فهو في أسيا الوسطى ( هودجا ) وفي مالطا (
جيهان
) وفي بلاد السكسون ( جوكا ) ([20]) .
جحا : رائع .. رائع .. لم أكن أعلم أني
مشهور
لهذه الدرجة .. لكن هل ذكر حماري معي ؟! ونهق الحمار مستفسرا بدوره ..
فقلت وأنا أنظر للحمار : طبعا طبعا .. ولا يذكر جحا
إلا ويذكر حماره ..
ثم أردفت :لم يبقي شيء إلا أن اذكر أن الكتاب الموجود
والمعروف ( بنوادر جحا ) والذي طبع بمصر وبيروت ليس هو الكتاب الذي
ذكره ابن النديم أنما هو كتاب مترجم عن التركية عن جحا الترك المعروف بخوجة نصر وأن
دخلت فيه حكايات من نوادر جحا العربي ([22]) .
وما أن أنهيت هذا حتى تبينت على جحا الانزعاج فقلت : أرجو أن لا أكون قد أزعجتك بحواري هذا .
فقال وهو يتصنع الابتسام
: أبداً أبدا ...
فجأة نهق الحمار بأعلى صوت مؤيد
شكوكي ومعلنا عن انزعاجه هو وصاحبه من هذا الحوار..
فقلت : أرى الحمار منزعج .. ويبدو أن الحمار سر صاحبه ودليل على انزعاج صاحبه .
فقال : وهل تصدق الحمار وتكذبني !!
فضحكت وقلت : حسنا حسنا .. و شكر لك وللحما
ر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق